حرية – على الرغم من مرور سنوات على انتهاء عمليات التحرير في العراق، ما تزال بعض مناطق البلاد “محرمة” على سكانها الأصليين، بفعل سيطرة أطراف مسلحة، كما يشير تقرير صحفي.
ويقول التقرير الذي نشرته صحيفة “العرب” اللندنية وتابعته “حرية”، الجمعة (6 تشرين الثاني 2020)، إنّ “قضيّة المهجّرين من مناطقهم والمبعدين قسرا عن ديارهم خلال حقبة الحرب ضدّ تنظيم داعش بين سنتي 2014 و2017 ما تزال تتصدّر الملفات الحقوقية في العراق، بعد أن تبيّن أنّ عمليات الترحيل والطّرد التي قامت بها فصائل، لم تكن ظرفية ضمن تكتيكات الحرب على التنظيم، بل تبيّن بعد مرور حوالي ثلاث سنوات على نهاية تلك الحرب، أنّها عبارة عن تغيير ديموغرافي واحتلال دائم لمناطق هؤلاء المهجّرين على خلفيات طائفية وحسابات سياسية يتجاوز بعضها حدود العراق بحدّ ذاته“.
وركز التقرير، على ناحية جرف الصخر، إلى الجنوب من العاصمة بغداد، والتي قال إنها تحولت إلى “معقل” للحرس الثوري الإيراني، و”مصنع لتجميع الصواريخ التي غالباً ما استخدمت في هجمات للفصائل“.
تالياً نص التقرير:
يتّهم ساسة وقادة رأي عراقيون الحكومة بالافتقار إلى الجرأة في فتح بعض الملفات ومقاربة العديد من القضايا ذات البعد الإنساني والحقوقي بعد أن أعطت وعودها بالإصلاح وتعهّداته بتطبيق القانون على الجميع، الأمل لشرائح واسعة من العراقيين في كسر جدار الصمت الذي أقامته حكومتا حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي حول مظالم تاريخية تعرّضوا لها على أيدي الميليشيات الشيعية التي سلبتهم حقوقهم الأساسية دون أن يجدوا سبيلا إلى استردادها، في ظلّ تقاعس الأجهزة الرسمية للدولة وعجزها عن مساعدتهم.
ولا تزال قضيّة المهجّرين من مناطقهم والمبعدين قسرا عن ديارهم خلال حقبة الحرب ضدّ تنظيم داعش بين سنتي 2014 و2017 تتصدّر الملفات الحقوقية في العراق، بعد أن تبيّن أنّ عمليات الترحيل والطّرد التي قامت بها تلك الميليشيات لم تكن ظرفية ضمن تكتيكات الحرب على التنظيم، بل تبيّن بعد مرور حوالي ثلاث سنوات على نهاية تلك الحرب، أنّها عبارة عن تغيير ديموغرافي واحتلال دائم لمناطق هؤلاء المهجّرين على خلفيات طائفية وحسابات سياسية يتجاوز بعضها حدود العراق بحدّ ذاته.
ولا يجد المطالبون بإقفال ملف المهجّرين والمبعدين قسرا، أفضل من نموذج منطقة جرف الصخر بمحافظة بابل جنوبي العاصمة العراقية بغداد التي كانت قد شهدت بعض أشرس المعارك التي خاضتها الميليشيات الشيعية ضدّ تنظيم داعش، لكنّ تلك الفصائل لم تكتف باستهداف مقاتلي التنظيم، بل عاملت جميع سكّان المنطقة كمتعاونين معه وبادرت بتنفيذ عملية ترحيل جماعية لهم نحو مناطق متفرّقة من العراق لم يعودوا منها إلى اليوم رغم المناشدات والمساعي التي بذلت من قبل عدّة جهات سياسية وحقوقية من داخل العراق وخارجه.
وتكمن مشكلة أهالي جرف الصخر في الموقع الاستراتيجي لمنطقتهم الواقعة على مقربة من العاصمة بغداد وتعتبر أحد أحزمتها الأمنية من جهة، وعلى الطريق إلى كربلاء والنجف حيث أقدس الأماكن لدى شيعة العراق والعالم، من جهة ثانية.
كما أنّ المنطقة التي تتميّز بخضرتها وكثرة بساتينها تمثّل موقعا نموذجيا لتمركز الميليشيات وإقامة مخازن لأسلحتها بعيدا عن رقابة الطيران الأميركي، حتّى إنّ الكثير من المصادر تصف جرف الصخر في الوقت الراهن بـ”المستعمرة الإيرانية” نظرا لوجود عدّة مراكز تابعة للحرس الثوري الإيراني الذي يسهر على تدريب وتأطير الميليشيات التابعة لإيران في العراق.
كما تتحدّث المصادر عن تركيز ورشات كبيرة لتجميع قطع السلاح المهرّبة من إيران ومن بينها الصواريخ التي كثيرا ما ظهرت بين أيدي الميليشيات واستخدمت في استهداف مواقع للقوات الأميركية في العراق، وفي ضرب مقر سفارة الولايات المتّحدة في بغداد.
وتجهل السلطات العراقية ما يجري بين البساتين الكثيفة لجرف الصخر حيث يتحدّث بعض الشهود عن إقامة الميليشيات سجونا سرية هناك تحتجز فيها المغيّبين من أبناء عدّة محافظات سنّية أخرى كانوا قد جلبوا منها أثناء الحرب على داعش.
ويصف النائب بالبرلمان العراقي رعد الدهلكي منطقة جرف الصخر بـ”المعتقل الكبير” الذي لا تجرؤ أي جهة حكومية على دخوله. ويقول متحّدثا لقناة رووداو الكردية العراقية عن قضيّة النازحين والمهجّرين إنّ جميع المناطق التي احتلها تنظيم داعش تمت استعادتها، مستدركا بأنّ “مرحلة التحرير تظل منقوصة، لأن التحرير من داعش انتهى، لكن الأمر بحاجة إلى مرحلة ثانية، وهي فرض القانون وتحرير هذه المناطق من سطوة السلاح المنفلت والميليشيات التي اعتاشت على موارد هذه المناطق وأضرت بها وبأهاليها، لذلك كان على رئيس الوزراء أن يعي خطورة ذلك“.
ويقول المدافعون عن سياسة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إنّه يحاول الإصلاح في حدود إمكانياته ويعتمد التدرّج في ذلك، وإن تطلّب الأمر تأجيل بعض الملفات مثل ملفّ النازحين والمهجّرين لتلافي الدخول في صدام جانبي وسابق لأوانه مع الميليشيات لا تسمح به الظروف المعقّدة اقتصاديا واجتماعيا، وحتى أمنيا.
ويوضّح الدهلكي “هنالك علامة استفهام كبيرة على ملف الأمن، فهنالك تخوف كبير من عودة النازحين لعدم وجود الأمان وهي مسؤولية الحكومة وقد تحدثنا مع رئيس الوزراء بهذا الصدد، وهناك عدة أسباب تمنع عودة النازحين، منها أسباب عشائرية تتعلق بثارات ناتجة عن أحداث دخول داعش لمناطقهم، لكن الجزء الأكبر هو سيطرة الفصائل المسلحة على هذه المناطق ومواردها، فعلى سبيل المثال جرف الصخر يعد معتقلا كبيرا ومنفى للعراقيين داخل البلاد، فهي منطقة مغلقة ولا يسمح لأي جهة بالدخول إليها وهناك معلومات تصل إلينا تفيد بوجود سجون كبيرة فيها ومقابر جماعية، وأن من يسيطر على جرف الصخر جهة خارجة عن القانون لا يستطيع أي أحد أن يذكر اسمها“.
ويقدّر عدد سكان جرف الصخر بنحو خمسين ألف فرد أغلبهم من قبيلة الجنابيين السنيّة من الفلاحين والعاملين في الزراعة. وتقول مصادر عراقية إنّ أحزابا وميليشيات شيعية تعتبر ترحيل هؤلاء السكان أمرا نهائيا لا رجعة عنه وتمنع مناقشته من قبل الحكومة لأنّ الهدف منه هو إزالة ما يعتبر “بؤرة للسنّة” بجوار بغداد وفي الطريق إلى جنوب البلاد حيث يتمركز شيعة العراق وحيث توجد أهم مقدّساتهم الدينية.
وتشير تقارير إلى أن الفصيل المسيطر بشكل رئيسي على جرف الصخر ليس سوى كتائب حزب الله العراق المعروفة بشراستها وتشدّدها، وولائها التام لإيران ولتعاليم مرشدها الأعلى علي خامنئي.
ويذكر النائب أنه طالب رؤساء الوزراء؛ الأسبق حيدر العبادي والسابق عادل عبدالمهدي والحالي مصطفى الكاظمي، بالذهاب إلى جرف الصخر لعقد مؤتمر صحافي، لكن لا أحد منهم يستطيع ذلك، واصفا منطقة جرف الصخر بـ”منفى العراقيين من المحافظات السنية”، ومؤكّدا أنّه بفعل ضعف الحكومة لم يعد أي نازح إلى تلك المنطقة.
ولا تقتصر قضية الممنوعين من العودة إلى ديارهم على جنوبي بغداد بل تشمل حسب الدهلكي محافظتي ديالى وصلاح الدين بشمال العاصمة حيث تسيطر فصائل مسلحة وحيث حدثت مؤخرا جريمة الفرحاتية بوجود فصيل من تلك الفصائل مسيطر على آبار للنفط هناك وعمل على تهجير أهالي المنطقة ومنع عودتهم إليها.
ويوضّح الدهلكي أن أغلب النازحين من مكون معين (السنّة) معتبرا موضوع النزوح ليس مرتبطا بالنازحين بل بمناطقهم، إذ هناك بعض الجهات تسيطر على الوضع الاقتصادي في بعض المناطق وتمنع سكانها من العودة إليها لغايات مادية. أما ملف جرف الصخر فلن يحل، وفق النائب ذاته، إلاّ بتدخل خارجي.