خلال القرن العشرين، ظهرت نخبة من القيادات البارزة على مستوى أجزاء كردستان، وكذلك اندلعت العديد من الثورات التي أصبحت جزءاً من تاريخ الشعب الكردي، وقد تجاوزت عدد من تلك القيادات حدودها المحلية، لتصبح رموزاً لكفاح شعبنا في عموم كردستان، وكان حميد درويش أحد هذه الرموز في غرب كردستان، حيث بدأ بالكفاح من أجل الكردايتي منذ أن فتح عينيه على الحياة، وامتد نضاله إلى حدود الأجزاء الأخرى من كردستان، حتى أصبح هذا الرمز جزء من تاريخنا.
لقد شارك الأستاذ حميد درويش في الحركة التحررية الكردية في سوريا في ظروف صعبة ومعقدة، حيث كان الكرد هناك محرومون حتى من الهوية الرسمية، وفي الوقت نفسه لم تكن الظروف السياسية والاقتصادية والإقليمية ملائمة لتوسيع دائرة كفاحهم، ولكنهم لم ييأسوا أبداً، وإنما تابعوا نضالهم بإصرار وعناد، ولم يهدروا أيّة فرصة للمطالبة بالحقوق القومية لشعبهم.
كان الأستاذ حميد درويش سباقاً في مشاركته بالحركة الكردية في غرب كردستان، فقد بدأ بالنضال وهو لم يزل شاباً يافعاً في مقتبل العمر، وتابع نضاله حتى آخر لحظة من حياته دون أن ينال التعب أو الملل من عزيمته بالرغم من تقدمه في السن ومعاناته من المرض، وظل مستمراً في نشاطاته وجولاته بين القامشلي- السليمانية- ودول العالم مطالباً بحقوق شعبه بكافة السبل.
إن سجل الأستاذ حميد درويش النضالي غني جداً في خدمة ومساعدة المناضلين الكرد من أجزاء كردستان الأخرى، فهو موضع الفخر والاعتزاز، وكان داره مأوى لنا جميعاً من دون أن نشعر بالغربة ونحن في ضيافته، كان كريماً وطيب المعشر والكلام، كان مخلصاً- قولاً وعملاً- في مساعدة كل كردي، وبهذه المناسبة من الوفاء أن نتذكر أيضاً زوجته ليلا خان، التي لم تتردد هي الأخرى في مساعدة وخدمة الكرد الذين كانوا يزورونهم من كل مكان، وهنا أوجه سلامي إلى ليلا خان من الأعماق، وأقول لها بأنها موضع اعتزازنا جميعاً.
عندما يريد المرء أن يعرف القيادي النموذجي، عليه أن يدقق في صفاته العملية، وليس في أقواله وشعاراته، وفي هذا الإطار يمكننا أن نتعرف على الأستاذ حميد درويش من خلال عدة معايير، كما يلي:
أولاً: الصدق والصراحة، كان الأستاذ حميد درويش قائداً صادقاً وصريحاً ومخلصاً، ظل خلال حياته يعمل بمبدأ الصدق والوفاء، وهذا هو الذي جعله موضع ثقة رفاقه.
ثانياً: وفيّ ومتسامح، كان الأستاذ حميد درويش شخصاً وفياً لشعيه، ولقوميته، ولرفاقه ولأصدقائه، ولعائلته ولحزبه.
ثالثاً: شهم وشجاع، كان يقدم، وبحسب إمكانياته، يد العون والمساعدة لكل من يقصده، وكان قائداً جريئاً، أمضى كل سنوات عمره في خدمة قضية شعبه.
رابعاً: كان الأستاذ حميد درويش مؤمناً بالتعددية السياسية وبالتعايش السلمي بين الكرد والمكونات القومية والدينية الأخرى، وعلى الدوام كان مبادراً وداعماً في هذا المجال.
لعشرات الأسباب المختلفة، كانت للأستاذ حميد درويش علاقات الصداقة مع الكرد والقيادات الكردية في كردستان الجنوبية أكثر من الأجزاء الأخرى، وخاصة مع الرئيس مام جلال، وكان ولا زال له مكانة خاصة لدينا جميعاً ولدى قيادة الثورة وجماهير كردستان الجنوبية.
لاشك بأن المرء يقف عاجزاً عندما يحضره الموت، وتنعدم أمامه الفرص، وإلاّ فأن شيخ الكرداتيتي كان لا يزال مفعماً بحيويته المعهودة ويمتلك طاقاته الكاملة لأن يظل قائداً ومرشداً يخدم قضية شعبه العادلة لوقت أطول، وكان يستطيع أن يسخر تجربته الغنية في خدمة غرب كردستان وجنوبها وفي خدمة الأجزاء الأخرى كما كان يفعل في السابق.
وأنا عندما أكتب هذه الأسطر القليلة في ذكرى وفاة شيخ الكردايتي، أتذكر تلك الأيام التي كنا مشاركين في الثورة ونعيش غرباء في سوريا، حينها أصبح بيت الأستاذ بيتنا وكان بنفسه يرفع من معنوياتنا، أتذكر كيف كانت ليلا خان تخدمنا، وكانت تهدئ من أحزاننا بحنان قلبها الدافئ وبلطفها، أبداً لن أنسى جميلهم.
أبداً سنظل نتذكر الأستاذ حميد درويش ونقدر ذكراه عالياً، تمنياتنا أن تظل مدرسته النضالية عامرة.