حرية -أصدر القضاء العراقي 6 مذكرات قبض طالت واحدة منها صحفياً في محافظة النجف بسبب انتقاده “استحواذ” قيادي في تيار سياسي نافذ على قطعة أرض في المحافظة، فيما شملت المذكرات الخمسة الأخرى مدونين في محافظة نينوى شمال العراق، انتقدوا “سوء الخدمات” في مستشفيات مدينة الموصل الأمر الذي اعتبره مدير دائرة صحة المحافظة “تهديداً” لشخصه، فيما طالت مذكرة القبض السادسة صحفية عراقية بارزة تعمل في وسائل إعلام دولية.
ورغم أن الإجراءات القانونية في التعامل مع مثل هكذا حالات تندرج تحت الضمانات الدستورية والقانونية لحرية الصحافة والإعلان والإعلام والنشر، التي تحتمّ على المحاكم العراقية تبليغ المشكو منه أولاً للحضور أمامها فإن امتنع “بدون سبب مشروع” يحق لها إصدار مذكرة قبض بحقه مع عدم التسرّع في ذلك وإبلاغ نقابة الصحفيين بأي إجراء يُتخذ بحق أعضائها، إلاّ أن هذا لم يحصل في هذه الحالات، إذ صدرت مذكرات القبض مباشرة ودون أي إشعار للمشكو منهم .
“ملاحقة شرسة شملت العائلة”
الصحفي والناشط في محافظة النجف، أوس عبساوي الذي يعمل حالياً في صحيفة دليل النجف، نصف الشهرية، أبلغ مرصد الحريات الصحفية (JFO) إنه قبل 7 أيام تناول بالنقد على صفحته في فيسبوك استحواذ قيادي بارز في تيار سياسي على قطعة أرضٍ في النجف، ليتفاجأ في اليوم التالي بصدور مذكرة قبض وتحري بحقه، بناءً على شكوى قضائية ودون إبلاغه بالحضور أمام المحكمة كأول إجراء يُفترض اتخاذه في هكذا حالات,, يقول عبساوي، إن منزله دوُهم ثلاثة مرات من قبل جهاز الأمن الوطني وجهاز الاستخبارات، رغم أنهما غير معنيين بتنفيذ مذكرات القبض الصادرة بحق الصحفيين وجرى استجواب أطفاله وعزلهم عن والدتهم كما داهمت هذه القوات منزل والده و”تعرضت له” إضافة إلى احتجاز أخوته لمدة 3 ساعات وصادرت أجهزة هواتفهم المحمولة وجهاز تسجيل كاميرات المراقبة المنزلية,, عبساوي، الذي تحدث لمرصد الحريات الصحفية (JFO) بنبرة صوت حزينة، اوضح ان قوة من جهاز الاستخبارات “أجبرت والدي على الاتصال بي وهددوني باعتقاله وكذلك أخوتي إن لم أسلم نفسي”، وأوضح، ان مسلحين ملثمين جاءوا راجلين إلى منزلي (يوم الخميس 5/11/ 2020) فحطموا الباب وعندما لم يجدواً أحداً في المنزل بقوا مرابطين هناك,, يشعر أوس عبساوي وعائلته بالرعب، وهو مستعدّ لتسليم نفسه إلى القضاء مثلما فعل في مرات سابقة بسبب قضايا مشابهة آخرها قبل مدة قصيرة حيث سُجن لمدة 4 أيام،كما يؤكد، لكنه: “متفاجئ من كيفية تفاعل القضاء مع الدعاوى الكيدية ضد الصحفيين، ومخالفته للتعليمات رئيس مجلس القضاء الاعلى التي أصدرها بنفسه حول مقاضاة الإعلاميين”.وكشف عبساوي، الذي عمل سابقاً في قناتي دجلة وNRT عن ان “صاحب الشكوى، هو قيادي في التيار الصدري، ومارس نفوذه السياسي لملاحقتي من قبل المحاكم والأجهزة الأمنية لافتاً إلى أن خلية الصقور الاستخبارية هم آخر الداخلين على خط ملاحقتي ,,
“انتقاد أداء مسؤول محلي هو تهديد لشخصه” !
إلى الشمال، أصدرت محكمة استئناف نينوى الاتحادية، يوم الخميس (5/11/ 2020) مذكرات قبض بحق 4 مدونين وناشطين هم صقر آل زكريا، وريان الحديدي، ومهند الاومري وسهر الدليمي ، بتهمة تهديد شخص، وفق المادة 430 من قانون العقوبات العراقي, وأبلغ صقر آل زكريا، مرصد الحريات الصحفية (JFO) بتفاصيل وخلفيات القضية.ويقول آل زكريا، وهو ناشط ومدون معروف، إنه تطرّق، عبر صفحته في فيسبوك، إلى مشكلة نقص الأدوية وأبسط المستلزمات في مستشفيات الموصل ومنها أجهزة التنفس لمرضى كورونا “دون أن اتعرض لشخص مدير دائرة صحة نينوى (فلاح الطائي) باسمه أو شخصه، وإنما كمسؤول عن أرواح الناس”. لكن آل زكريا تفاجأ يوم الخميس (5 /11/ 2020) بأن الطائي رفع دعوى قضائية ضده يتهمه فيها بتهديده، لتصدر بحقه وزملائه الآخرين مذكرات قبض مباشرة، مؤكداً أن “هذه تهمة باطلة، كما أنني لا امتلك أي تواصل معه سواءً على أرض الواقع أوعبر الهاتف أو مواقع التواصل.. كلّ ما أفعله هو الكتابة في مواقع التواصل وهو في بعض المرّات ردّ على منشوراتي من حسابه الشخصي”.يشير آل زكريا إلى أن “كل الانتقادات التي نُشرت، والتي لا تقتصر على قطاع الصحة فقط بل تشمل الكهرباء والبلدية وكل ما يمس حياة الناس، مقرونة بدلائل مثل الصور أو شكاوى المواطنين، وهي واضحة للعيان ومعروفة”، متسائلاً “كيف يمكن لمواطن عادي أن يهدد مسؤولاً لديه حمايات وسيارات مصفحة ,, وسبق للقضاء العراقي أن أصدر مذكرة قبض وتحري بحق الصحفية العراقية المعروفة، العاملة في وسائل إعلام أجنبية، سؤدد الصالحي، حيث صدرت بحقها مذكرة القاء قبض في( 22 /11/ 2020 ) بتهمة “القذف” بناءً على شكوى أقيمت ضدها في مركز شرطة العلوية ببغداد,, وفي حالات أخرى، استخدم مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى الدعاوى القضائية كأداة سياسية لعرقلة دور وسائل الإعلام الإخبارية وتكميم أفواه العاملين فيها تجاه ملاحقة قضايا الفساد الأداري والمالي، ومازال العراق من البلدان التي لا تمتلك قانوناً للشفافية يتيح للمواطنين والصحفيين حق الوصول الى المعلومات بل انه يعمل بقوانين سابقة تمنع تدفقها اوالحصول عليها، على الرغم من تعهدات الحكومة العراقية بمكافحة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ووزاراتها.ويتعرض الصحفيون لمحاكمات وفق المواد : 81، 82، 83، 84، 201، 202، 210، 211، 215، 225، 226، 227، 403، 433، 434 من القانون رقم 111/ 1969، والمتعارف عليه باسم قانون العقوبات لسنة 1969.حيث تجرم هذه البنود القانونية المخالفات المتعلقة بالصحافة وتفرض عقوبات صارمة عليها من بينها فرض غرامات وأحكام بالسجن لفترات طويلة، أوكليهما معاً، على من يدان بطائفة من المخالفات الصحفية, ويفرض القانون عقوبة الإعدام على بعض المخالفات. فعلى سبيل المثال، يفرض القانون عقوبة السجن مدى الحياة أو الإعدام على من يدان بإهانة الرئيس، أو البرلمان، أو الحكومة، كما يفرض عقوبة السجن لمدة سبع سنوات على من يهين المحاكم، أو القوات المسلحة، أو السلطات العامة، أو الوكالات الحكومية.، مما يتوجب ايقاف تطبيق هذه المواد على الصحفيين وتعليق العمل بها, ويقول رئيس مرصد الحريات الصحفية (JFO) زياد العجيلي، ان أوامر القاء القبض الصادرة من قبل القضاء العراقي بحق الصحفيين والمدونين هو “فعل صادم لنا”، لان سجل القضاء ابيض، ولم نشهد اي إدانة لصحفي من قبل القضاة العراقيين خلال السنوات الماضية,وأعتبر العجيلي، ان ” التعامل بـهذه القوانين وعمومها من مخلفات النظام الديكتاتوري السابق يقوض بشكل كبير حرية الصحافة والتعبير في العراق”.وطالب رئيس مرصد الحريات الصحفية (JFO)، الأجهزة الأمنية وجهاز الاستخبارات إلى احترام حقوق الإنسان أولاً ومكانة الصحفي في المجتمع ثانياً، ودعاها إلى توفير بيئة آمنة لعمل الصحفيين، وعدم محاباة أي مسؤول أو شخصية سياسية نافذة تطلب ترويعهم لمجرد ممارستهم لعملهم او انتقادهم للفساد وسوء الادارة المستشري بمؤسسات الدولة، خاصة وان الدستور العراقي اقر بضرورة ان تكفل الدولة الحفاظ على حرية الصحافة والتعبير بكل الوسائل.