حرية – (29 \4\2021)
تعرضت بساتين محافظة ديالى، وضواحي مركزها بعقوبة، إلى ظروف أمنية غير مستقرة، هيمنت لسنوات على المحافظة، وجفاف انعكس سلبا على المناطق الخضراء، لكن “آفة” لا يمكن علاجها بالمبيدات الحشرية، محت آلاف الدونمات المزروعة، بشكل يتعذر إصلاحه.
و”فقدت بعقوبة أكثر من 7 آلاف دونم، من أشهر بساتينها خلال السنوات الـ18 الماضية”، يقول قائممقام قضاء بعقوبة عبدالله الحيالي، ويستدرك: لكن المساحة ربما تكون أكبر بكثير في بقية المدن الأخرى، مؤكدا أن البساتين تمثل أهم وأكبر الأحزمة الخضراء، والداعم الأكبر للبيئة في المنطقة.
ويتحدث الحيالي، في حديث ، عن ثلاث “لعنات” ضربت الأحزمة الخضراء بعد 2003، وعلى رأسهن الخروقات الأمنية المتكررة، والتي أبعدت آلاف المزارعين عن بساتينهم، بالإضافة إلى الجفاف، و”الآفة التي وصفها بـ”الأخطر”، وهي “التجريف الناتج عن أزمة السكن الخانقة”، والتي تعتبر عاملا مؤثرا خاصة بعد سنوات الاستقرار الأمني وانتعاش الوضع الاقتصادي لشرائح كبيرة وواسعة.
وفي سنوات 2006-2007 عانت مناطق مختلفة في محافظة ديالى، بينها بعقوبة، مركز المحافظة، إلى اضطرابات أمنية دامية، على خلفية طائفية، حالت دون العناية بالبساتين، الأمر الذي فاقم الآفات الزراعية، والتي بمعونة الجفاف، فتكت بآلاف الدونمات، طالت النخيل والحمضيات التي تشتهر بها المحافظة.
وأشار الحيالي، إلى أن “حمى التجريف مستمرة، وربما سنفقد ما تبقى من البساتين خلال 10 سنوات، إذا ما استمر الحال عما هو عليه، دون تغيير”، لافتا إلى “ضرورة سن قوانين تسهم في إيقاف عمليات التجريف وتفرض غرامات مالية كبيرة لأن خسارة الغطاء الأخضر من الصعب تعويضها في فترة وجيزة”.
وتعاني بعقوبة، من أزمة هي الأكبر على مستوى ديالى، في ما يخص السكن، تتطلب أكثر من 30 ألف وحدة سكنية لخلق توازن بسبب الزيادة الهائلة في أعداد السكان، بحسب تصريحات رسمية.
يؤكد ذلك، المهندس الزراعي المتقاعد، يعقوب حسن، الذي يقول إن أكبر تهديد لبساتين بعقوبة، وبقية مدن ديالى، هو التجريف “خاصة وأن هناك ازمة سكن خانقة جدا دفعت الى ارتفاع اسعار القطع الزراعية بنسبة 300%”.
ويمضي حسن قائلا في حديثه، إن “الـ100 م فقط تباع حاليا من 10-30 مليون دينار حسب الموقع، والخدمات والأسعار ربما أعلى خاصة قرب مركز بعقوبة ما يجعل الكثيرين ممن لديهم بساتين إلى تجريفها بطرق مختلفة لتوزيعها”.
وتشير التقارير الرسمية إلى وجود أكثر من 3 آلاف منزل متجاوز في بعقوبة ومحيطها، أغلبها بُنيَت على أراض زراعية، كانت قبل سنوات بساتين كبيرة.
ولفت المهندس الزراعي، إلى أن “جزءاً ليس قليلا من حرائق البساتين، متعمد بهدف التجريف، وهذا المشهد المؤلم يحدث أمام أعيننا في أغلب المناطق، وليس هناك أي إجراءات على الأرض لمنع تجريف المزيد من المناطق”.
بدوره يقرّ النائب مضر الكروي، بأن ديالى، التي “تتميز بوجود نحو 200 ألف دونم من البساتين، شهدت بعد 2003 تقلصا كبيرا ولأسباب متعددة، منها الجفاف والآفات الزراعية، وأيضا تداعيات الاضطرابات الأمنية، وما أفرزته من نزوح وتهجير قسري، وصولا إلى مرحلة التجريف”.
ويضيف الكروي ، أن “الأحزمة الخضراء مهمة جدا في الإطار البيئي، لدرء مخاطر العواصف الترابية، ناهيك عن دورها في خفض درجات الحرارة، مؤكدا أن “بعقوبة ربما أكبر مدن ديالى خسارة للأحزمة الخضراء في السنوات ما بعد 2003 وربما نفقد المزيد بسبب ازمة الجفاف المقبلة”.
وأشار إلى “ضرورة إطلاق برنامج وطني لإعادة إحياء الأحزمة الخضراء في محيط المدن خاصة، وأن الإطار كان معتمدا قبل عقود، ولاتزال هناك بعض الغابات موجودة حتى الآن ومنها غابة كنعان”.
أما حسيب خلدون، وهو مزارع مسن يبلغ من العمر 81 عاما، يسكن أطراف بعقوبة الجنوبية، يُشير إلى مجموعة أشجار برتقال معمرة، تحولت إلى حطب، بعد هلاكها، بعد أن كانت بمثابة كنز والدته “خميسة” التي “كانت ترعى الأشجار كما لو أنها من أبنائها”.
ويوضح أن “أسبابا متعددة ترغمنا على بيع البساتين كقطع سكنية، منها أن البساتين أصبحت من الماضي، وإعادة إحيائها من جديد غير مجدٍ، لعدم وجود من يتحمل مسؤولية أن يصبح مزارعا”، مضيفا أن “ضعف إيرادات البساتين وإغراق الأسواق بالمستورد، كلها عوامل ضاغطة على المزارعين، في التخلي عن بساتينهم في ظل مستوى معيشي صعب يعيشونه، منذ سنوات بسبب الانتكاسات المتكررة”.
ينظر خلدون إلى بستان والدته، ويتوقع أن تكون النظرة الأخيرة إليه، قبل أن يُجرَف، بعد انتهاء شهر رمضان الحالي.