حرية – 3/6/2021
سلط تقرير صحفي، الخميس، الضوء على تداعيات اعتقال قائد عمليات الانبار للحشد الشعبي، فيما رأى ناشطون أن حراكا غامضا تقوده بعثة الأمم المتحدة في بغداد يهدف إلى إبعاد قضية “الميليشيات” عن الواجهة، والتركيز على المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وذكر موقع “اندبندنت عربية” في تقرير اطلعت عليه “حرية” (3 حزيران 2021)، ان “البعثة الأممية تغيب قائمة طويلة من مهامها وتكتفي بقضية واحدة متمثلة في الحث على الاشتراك في الانتخابات المقبلة، وهذا الأمر هو الذي يثير التساؤلات والشكوك بشأنها ويحفز حالة الغضب الشعبية إزاءها”.
فيما يلي النص الكامل للتقرير:
أثارت عملية اعتقال قائد عمليات الأنبار في الحشد الشعبي قاسم مصلح تساؤلات عدة في الأوساط العراقية، كان أبرزها ما يتعلق بمدى إمكانية أن تتصاعد حملة الاعتقالات لتشمل قادة آخرين، أو أن ترضخ الحكومة مرة أخرى لتسوية مع الفصائل المسلحة.
وفي السياق ذاته، يثير العديد من الناشطين شكوكاً وتساؤلات تشوب دور بعثة الأمم المتحدة في العراق، والتي تترأسها جنين هينيس بلاسخارت، وما إذا كانت تجري اتصالات غير معلنة مع جهات مسلحة، الأمر الذي يدفعها للتركيز على دعم ملف الانتخابات المبكرة، وغض النظر عن بقية الملفات.
وتتزايد المخاوف من إثارة انقلاب عسكري على الدولة العراقية من قبل الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، خصوصاً بعد انتشار مسلحين تابعين للحشد على بوابة المنطقة الخضراء على خلفية الاعتقال، وحديث أوساط مقربة من الميليشيات بتفعيل “السيناريو اليمني”.
وكانت قوة أمنية، اعتقلت مصلح الذي يشغل منصب قائد عمليات غرب الأنبار في الحشد الشعبي في عملية إنزال جوي بمنطقة الدورة جنوب غربي بغداد. واعتقل مصلح بمذكرة إلقاء قبض وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، وهي المرة الأولى التي يتم توجيه اتهامات بالإرهاب لقيادي في الحشد الشعبي.
تفعيل ملف الملاحقات
يبدو أن عملية اعتقال القائد في الحشد الشعبي على خلفية عدد من القضايا، بحسب مصادر مطلعة، من بينها اتهامات بالضلوع في عمليات اغتيال ناشطين، مثلت رسالة مهمة في إطار تفعيل ملف إنهاء فصل الإفلات من العقاب.
ويرى مراقبون أن المخاوف من تصاعد نسق الملاحقات بعد تلك العملية السبب الرئيس في تحريك ألوية من الحشد الشعبي لمحاصرة المنطقة الخضراء شديدة التحصين، في محاولة لعرقلة تلك المساعي.
وتواترت أنباء خلال الأيام الماضية تتحدث عن إجراء تسوية أفضت إلى إطلاق سراح المعتقل، إلا أن جميع المصادر الحكومية نفت ذلك.
في المقابل، يقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي، إن “القضية لم تعد تحتمل أي تسويات أو صفقات سياسية، وتمثل نقطة شروع أولى في اتجاه إنهاء ملفي الإفلات من العقاب والسلاح المنفلت”.
ويضيف أن “دعوات الناشطين العراقيين الأخيرة لتفعيل ملف محاسبة القتلة، أثرت بشكل مباشر على المجتمع الدولي، ما دفع القوى الدولية إلى دعم حكومة الكاظمي، ما أعطاها زخماً كبيراً وأنهى حالة التردد السائدة منذ نحو عام”.
ويبدو أن اعتقال مصلح مثل “انعطافة كبيرة في نسق الاعتقالات”، بحسب الشريفي الذي يعتقد أن تلك الاعتقالات “ستتصاعد لتشمل قادة عسكريين وسياسيين رفيعي المستوى”، مبيناً أن “الملاحقات لن تتوقف عند حدود المتهمين بالاغتيالات، بل ستشمل المتورطين في قضايا فساد وإرهاب”.
ويلفت أن، “رد الفعل المبالغ به من قبل الفصائل المسلحة يأتي في سياق البحث عن آلية ردع لعدم استمرار فتح الملفات، لأن تلك القيادات، باتت تدرك أن التحركات القضائية لن تتوقف عند هذا الحد”.
تفعيل السيناريو اليمني
يصف مراقبون ما جرى من محاولة اقتحام للمنطقة الخضراء الحكومية من قبل عناصر تابعة للحشد الشعبي بأنه مثل محاولة انقلاب على القرار السياسي تمهيداً لانقلاب كامل.
وتحدثت أوساط قريبة من الحشد الشعبي عن تفعيل ما أطلقوا عليه “السيناريو اليمني”، حيث نشرت حسابات على صلة بالحشد عن أن تفعيل هذا السيناريو يمثل حلاً لما يجري، فيما تداولت أوساط قريبة من الحشد تسجيلاً صوتياً طالب فيه مقرب منها بأنه “كان على الحشد الدخول إلى المنطقة الخضراء وأخذ الدولة”.
وأشار في التسجيل إلى أن “المجتمع الدولي سيتعامل مع هذا الواقع المفروض”. وكانت حسابات على صلة بالميليشيات قد أطلقت حملة على “تويتر” تحت وسم “#ليلة_إسقاط_الكاظمي”. كما طالب زعيم “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، بتسليم مصلح إلى مديرية أمن الحشد الشعبي.
وقال الخزعلي في تغريدة على “تويتر”، إن “اعتقال قيادي مهم في الحشد الشعبي بعملية خارج السياقات القانونية والعسكرية وبهذه الطريقة لا تعدو كونها عملية خلط أوراق، ومحاولة خبيثة لإرباك الوضع الأمني وإيجاد الفوضى للدفع باتجاه إلغاء الانتخابات وتشكيل حكومة طوارئ وتعطيل الدستور”.
من جهة ثانية، أكدت خلية الإعلام الأمني، أن اعتقال مصلح لا تستهدف أي جهة كما يشاع من المروجين للفتنة”. وكانت مجموعات مسلحة ترتدي الزي الأسود قد انتشرت، في 26 مايو، قرب مدخل المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد.
وذكر إعلام الحشد في بيان مقتضب، أن “قيادة الحشد الشعبي أصدرت الأوامر لانسحاب قطعات الحشد المرابطة كدوريات عند مداخل الخضراء”.
في السياق ذاته، يشير الشريفي إلى أن ما جرى من محاولة للسيطرة على المنطقة الخضراء من قبل فصائل تابعة للحشد الشعبي يمثل “محاولة انقلاب على القرار السياسي ونقطة شروع لانقلاب كامل”.
وحول الحديث عن تفعيل “السيناريو اليمني”، يلفت أن هذا السيناريو “لا يمكن تحقيقه للاختلافات الكلية بين الوضع العراقي واليمني، فضلاً عن كون العراق ما يزال تحت الحماية الدولية”.
استعداد القوات الأمنية فاجأ الحشد الشعبي
في سياق متصل، يرى مراقبون أن الاستعداد غير المتوقع للقوات الأمنية الرسمية، فاجأ قوات الحشد التي كانت تعتقد أن بإمكانها الاقتحام على غرار ما جرى في حادثة “البو عيثة” واعتقال خلية الكاتيوشا التابعة لكتائب “حزب الله” في يونيو (حزيران) 2020.
وأجرى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي منذ ذلك الحين، سلسلة تغييرات في الهرم الأعلى للقيادات الأمنية.
في غضون ذلك، نفى وزير الدفاع العراقي جمعة عناد، إطلاق سراح قاسم مصلح، محذراً في مقابلة صحافية، من تكرار الاستعراض المسلح للحشد والفصائل المسلحة، الأمر الذي قد يؤدي إلى “قتال داخل المنظومة الأمنية”.
ولفت أن “عجلات فصائل الحشد الشعبي التي تحمل أسلحة أحادية لن تخيف الدولة والجيش”، مؤكداً أن القدرات العسكرية للدولة والجيش العراقي “تؤهله لمحاربة دول”.
ويرى رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر أن التغييرات في قيادة الأجهزة الأمنية “بانت ثمارها خلال الحدث الأخير، وهو الأمر الذي قوض مهمة الحشد الشعبي، في اقتحام المنطقة الخضراء وإرضاخ الحكومة من جديد”.
ويضيف “فوجئ الحشد بالقدرة العسكرية للكاظمي، خصوصاً الاعتماد على القوات الخاصة التابعة للجيش بدلاً من جهاز مكافحة الإرهاب”. ويقول إن تصريحات وزير الدفاع “تؤكد أن الجهود التي بذلت لتطوير قدرات الجيش بدأت تؤتي أكلها”.
ويوضح أن “الضغط الأميركي على إيران خلال الفترة السابقة أدى إلى تقليل قدراتها في إدامة قوة الميليشيات الموالية لها في المنطقة”.
ويعتقد داغر أن الكاظمي “سيكون أكثر قدرة على إثبات قوته في المرحلة المقبلة، وعدم إطلاق سراح المعتقل، يعني أنه استعاد زمام المبادرة”، مبيناً أن تلك المعطيات تعني وجود “جولات أخرى في الفترة القليلة المقبلة”.
وتشير مصادر خاصة لـ”اندبندنت عربية”، إلى أن كل القطاعات العسكرية بما فيها الطيران العسكري تلقت أوامر بالاستعداد للمواجهة، مبينة أن هذه الأجواء وصلت إلى الحشد الشعبي وأدت إلى انسحابه.
حراك غامض
من جهة ثانية، يرى ناشطون أن حراكاً غامضاً تقوده بعثة الأمم المتحدة في العراق، بتأثير من بعض موظفي البعثة من العراقيين في محاولة لتجاوز المطالبات بإنهاء فصل الإفلات من العقاب، فيما أشاروا إلى أن البعثة تحاول دفع الناشطين إلى إبعاد قضية الميليشيات عن الواجهة، والتركيز على قضية المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وفي ظل التساؤلات التي تشوب حراك البعثة في بغداد وما إذا كانت تجري اتصالات غير معلنة مع جماعات مسلحة، كان متطوعون عراقيون قد نظموا وقفة في العاصمة البلجيكية بروكسل ألقوا فيها كلمة باللغة الهولندية (اللغة الأم للمبعوثة جينين بلاسخارت) وجهوا فيها انتقادات شديدة لبعثة الأمم المتحدة في العراق.
وأشار البيان إلى أن “الإيجازات التي قدمتها البعثة برئاسة جنين بلاسخارت بعيدة كل البعد من الواقع وما يجري داخل ساحات الاحتجاج”.
وطالب الناشطون بـ”مراقبة عمل البعثة في العراق بعناية أكبر، أو تغيير طاقمها العامل في العراق بموظفين أكثر كفاءة وأقرب إلى الواقع”.
في غضون ذلك، أطلق مدونون عراقيون، حملة ضد بعثة الأمم المتحدة في العراق، متهمينها بـ”التواطؤ” مع النظام و”المشاركة في جرائم القتل والفساد”، مستخدمين وسم “يونامي شريكة القتلة”، فيما نشروا شعار البعثة بالمقلوب تعبيراً عن إدانتهم لمواقفها.
الانتخابات وليس السلاح أولوية البعثة الأممية
من بين الاعتراضات التي يتحدث عنها الناشطون، إغفال البعثة قضايا عدة من بينها ملف الميليشيات والإفلات من العقاب والجرائم المرتكبة بحق المحتجين وعمليات الاغتيال.
في السياق ذاته، يقول الصحافي والناشط محمد عزيز، إن “البعثة الأممية تغيب قائمة طويلة من مهامها وتكتفي بقضية واحدة متمثلة في الحث على الاشتراك في الانتخابات المقبلة، وهذا الأمر هو الذي يثير التساؤلات والشكوك بشأنها ويحفز حالة الغضب الشعبية إزاءها”.
ويضيف “هناك مذبحة تمارس على العراقيين منذ عامين، في المقابل تكتفي البعثة بالحديث عن ضرورة الاشتراك في الانتخابات”، واصفاً البعثة بأنها “تعيش في جزيرة معزولة عن الواقع العراقي”.
ويتابع أن “البعثة الأممية تتجاوز جذور المشكلة في البلاد والتي تتعلق بأسباب اتخاذ خيار مقاطعة الانتخابات وترتبط بعمليات القمع والاغتيالات وسلاح الميليشيات”، لافتاً أن “مجموعة ناشطين أعدوا قائمة بأكثر من 30 عملية اغتيال ونحو 20 محاولة فشلت خلال فترة وجيزة، في حين لم تكن الأمم المتحدة حاضرة في هذا السياق”.
ويتحدث عزيز عن أنباء يتداولها صحافيون وناشطون مفادها بأن “نفساً مهادناً لإيران وفصائلها المسلحة يدار من قبل البعثة في بغداد”.
ويلفت أن أحداث 26 مايو (أيار) مثلت “انقلاباً واضحاً على الدولة من قبل الحشد الشعبي باسمه وصفته وعجلاته، لكن هذا الأمر لم يحظ باهتمام كبير من البعثة التي يبدو أن أوساطاً داخلها ترى إمكانية تمرير سيناريو كهذا”.
إخفاق البعثة الأممية في التحرك لحسم الإشكالات العراقية، على حد وصف عزيز هو الذي دفع النشطاء إلى “التكفل بحملات تتعلق بمحاسبة القتلة، فيما يذهب آخرون إلى المطالبة بإلغاء وجود البعثة في بغداد لأنها لم تقدم شيئاً”.
ويطرح الناشطون قائمة طويلة من التساؤلات والشكوك بشأن عمل البعثة، حيث يشير عزيز إلى أنها تتعلق بـ”محاولة فهم طبيعة العلاقة بين أعضاء من البعثة والحشد الشعبي وقياداته، فضلاً عن شكوك أخرى فيما يتعلق بتصورات البعثة بشأن مستقبل البلاد والعلاقة مع إيران”.
ويتساءل، عن مدى إمكانية أن تكون البعثة “متأثرة بموظفين داخلها يسعون إلى تطبيع وضع الحشد الشعبي، وغض النظر عن أي خطوة انقلابية يقودها في المستقبل”.
ويختم أن “بلاسخارت تلخص مهمتنا في التواصل مع الجميع، لكننا نحتاج توضيحاً في هذا السياق، فكيف يمكن أن يتواصل الطرف الأممي مع طرف انقلابي شن حملات تحريض أودت بحياة كثير من العراقيين”.
في المقابل قالت بلاسخارت، إن “أي قضية اعتقال يجب أن تأخذ مجراها كما هو الحال مع أي عراقي، وبالتأكيد لا ينبغي لأحد أن يلجأ إلى استعراض القوة”.
وأضافت في تغريدة على حسابها في “تويتر”، “مثل هذا السلوك يضعف الدولة العراقية ويزيد من تآكل الثقة العامة، يجب احترام مؤسسات الدولة في جميع الأوقات، فلا أحد فوق القانون”.