حرية – (6/8/2021)
“كنت أسمع همساً يدور بين والدتي وصديقة لها تقطن على بعد شارعين من منزلنا، كن يتحدثن عني، وسمعت المرأة تقول لوالدتي (أعلم أنها صغيرة لكني مثلاً تزوجت في عمر 11 عاماً وأنجبت 9 أبناء أصبحوا اليوم رجالاً.. إن وافقت على زواجها من ابني فنسكمل الزيجة، وإن لم تقبلي فبنات المنطقة كثر)”، تقول “نور” (اسم مستعار).
تتحدث هذه الشابة عن تجربتها مع الزواج المبكر، وطلبت عدم ذكر اسمها ونشير لها في هذا التقرير باسم “نور”، مبينةً أن والدتها بعد تلك الجلسة مع صديقتها بدأت تردد على مسامع الأبنة التي كانت يومها بعمر 13 عاماً، عبارة مثل “أنتِ أصبحتِ في عمر عروس وجاهزة للبدء بتحمل مسؤولية بيت وعائلة”.
وتضيف أنها استغربت هذا الكلام من والدتها التي قالت لها أيضاً إن “الفتاة ليس لها إلا بيت زوجها حتى وإن كان عمرها 13 عاماً فقط”.
بعد أيام، عرفت “نور” أنها سترتدي بدلة الزفاف البيضاء والذي يؤجره محل قريب على منزلها، ثم انتقلت للعيش مع عائلة زوجها، الذي لم تكن تعرفه سابقاً، ووالدته وعدد كبير من النساء يعشن في المنزل ولا تعرف أياً منهن أيضاً”.
ولم يمض سوى شهر واحد، حتى عادت “نور” إلى أهلها مطلقة بعدما قال لها زوجها إنها “لا تصلح كزوجة” لأنها، كما تقول، كانت تميل للعب مع اخته الصغيرة طوال الوقت.
“3 من كل 10 نساء يتزوجن رسمياً وهنّ قاصرات”
وفقاً لوزارة التخطيط، فإن 3 نساء من كل 10 يتزوجن في المحاكم، وهنّ قاصرات، وتتوزع هذه الزيجات بين المناطق الحضرية والريفية بشكل متقارب، وتحتل ميسان المرتبة الأولى للمتزوجات دون سن الرشد تليها نينوى.
ويمنع القانون العراقي تسجبل زواج القاصرات رسمياً، لكنه لا يمانع ذلك إن كان الزواج بموافقة وحضور والد الفتاة.
“الحروب والفقر والنزوح أسباب رئيسة ولا فرق بين الريف والمدينة”
بان كاظم، وهي أخصائية نفسية، تقول ، إن السنوات السابقة أثبتت حقيقة أن هناك تقارباً في طرق تفكير العوائل في المدينة والريف فيما يخص قضية الزواج المبكر، بتأثير الحروب والفقر والنزوح وعدم وجود قوانين تحمي الفتيات من الزيجات المبكرة في المحاكم الشرعية.
من خلال اطلاعها، رصدت كاظم، أن فكرة “منع العار” تشيع وتستولي على تفكير العوائل الساكنة في أطراف المدن والمناطق الشعبية خاصة مع تطور التكنلوجيا والمشكلات التي “تواجهها” الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يدفع العائلات لتفضيل الزواج المبكر.
ولا يبدو لبان، أن الأرقام الرسمية الخاصة بنسب زواج القاصرات دقيقة، وتقول إن “النسب الحقيقية أعلى بكثير كون معظم هذه الزيجات تقع خارج المحاكم، أي عند رجال الدين”.
ولا تثبت الكثير من الزيجات رسمياً إلا بعد سنوات من الزواج، بانتظار بلوغ الزوجة السن القانوني، أو عند إنجاب الأطفال، وهذا كما توضح الأخصائية النفسية بان كاظم، يجعل جزءاً من حالات زواج القاصرات خارج الإحصاءات الرسمية.
“نسب زواج القاصرات المعلنة غير حقيقة، لأن معظمهم لا تسجل في المحاكم”
وفيات على أسِرَّة الطوارئ
لا يمكن للفتيات دون الـ16 عاماً، الولادة طبيعياً، فالحمل بهذا العمر لا ينفع معه سوى الولادة القيصرية، كما تقول الدكتورة نرمين الجاف، المختصة في الأمراض النسائية والتوليد وأمراض العقم.
وتبيّن الجاف في حديثها ، أن التوليد الطبيعي للفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن 16 عاماً، قد ينتهي بهن إلى تمزق الأجزاء الداخلية أو النزف الداخلي ومن ثم الموت، لأن الجهاز التناسلي بهذا العمر يكون صغيراً وغير مهيئ للحمل والولادة.
“شهدنا الكثير من هذه الحالات التي تصل إلى أقسام الطوارئ في المستشفيات”، تقول الدكتورة نرمين الجاف.
وتستذكر الجاف حالة شهِدتها شخصياً، وهي أن “امرأة جلبت فتاة بعمر 12 عاماً لطبيبة كي تساعدها في شرح طبيعة العلاقة الزوجية التي كانت الفتاة ترفض ممارستها مع زوجها بشكل قاطع، وكانت تعاني من صدمة نفسية واكتئاب”.
“قاصرات فارقن الحياة عند الولادة”
الذكور أيضا
لا يقتصر الزواج دون السن القانوني على الفتيات وحسب، فهناك ذكور يتزوجون بعمر أقل من 18 عاماً.
في الأيام الماضية، انتشر مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي، يوثق زواج فتى في الثانية عشرة من عمره من فتاة تصغره بعام واحد، ما أثار ردات فعل مستنكرة ومستهجنة.
والدة الفتى، ظهرت في المقطع وهي تقول إنها تريد رؤية أبناء ولدها هذا “قبل أن تموت”.
اللافت، أن الفتى “العريس” ذاته يقول، باللغة الدارجة، في المقطع المصوّر: “الما يتزوج عمره خسارة”، ويضيف “أود الزواج لأن والدتي تريد رؤية أطفالي قبل أن تموت. الزواج استقرار”.
ومن ضمن التعليقات أسفل المقطع، كتب شخص يدعى “مهدي عدنان”: “أحد أهم أسباب الانفصال وقبله المشكلات المستمرة داخل العائلة هو الزواج المبكر. بعد اعوام عدة سيشعر الفتى أنه تزوج مبكرً وأنه لم يسفعه الوقت لاختيار شريكة حياته وسيكون أمام خيار أن يطلق زوجته وتتشرد عائلة أو ان يتزوج إمراة اخرى وتبدأ سلسلة مشكلات لاتنتهي”.
أما “سمر” فكتبت تقول: “التخلف وصل مرحلة متطورة في العراق. اين حقوق الاطفال؟ أين حقوق الإنسان (..)؟”.
“زواج معلن لفتى بعمر 12 وعروسه أصغر منه بعام فقط”
قانون 1959 “لم يعد رادعاً”
في حديثه يشرح الخبير القانوني علي التميمي، طبيعة قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة (1959)، الساري اليوم.
“في الفقرة الأولى من المادة الثالثة من هذا القانون، يعرّف الزواج كالآتي: هو عقد بين رجل وامرأة تحلّ له شرعاً يراد منه إنشاء النسل والحياة المشتركة”، يقول التميمي، موضحاً أن “القانون حدد الزواج بأهلية الطرفين والأهلية تشترط أن يكون عمر المتقدم للزواج 18 عاماً وأكثر”.
لكن، هناك استثناءات، كما يبيّن هذا الخبير القانوني، ففي حال تأكدت المحكمة من أن المتقدم للزواج بعمر 15 عاماً صحيح جسدياً ونفسياً، فيمكن تسجيل زيجته رسمياً أو بموافقة الأب، أما شروط الزواج في المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية فهي “تمام الأهلية والعقل والبلوغ والرضى بين الطرفين”.
ويضع القانون عقوبات بحق من يزوّج من هم أقل من 15 عاماً خارج المحكمة، وهذه العقوبات تترواح بين الحبس لستة أشهر أو الغرامة المالية ومقدارها 200 ألف إلى مليون دينار عراقي (حوالي 600 دولار أميركي)، وهو ما يعتبره علي التميمي غير كافٍ لردع العائلات عن تزويج أبنائهم وبناتهم قبل بلوغهن السن القانوني، كما أن حقوق الفتاة تضيع إذا تطلقت قبل بلوغها السن القانوني.