حرية – (23/8/2021)
قالت مجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية إن تكتلا للمقاومة المعارضة لطالبان بدأ التبلور في ولاية بانشير (شمالي شرقي أفغانستان)، رغم الهجوم الخاطف الذي شنته حركة طالبان وأسفر عن انهيار الحكومة المركزية في العاصمة كابل.
وأفادت في تقرير أعده محررها لشؤون الأمن القومي روبي غرامر بالاشتراك مع مراسلها في وزارة الدفاع (بنتاغون) جاك ديتش- بأن ولاية بانشير -التي كانت يوما معقلا للتحالف الشمالي تحت قيادة الراحل أحمد شاه مسعود- هي أحد الأقاليم التي لم تسقط بعد في أيدي طالبان.
وأطلق التكتل الجديد -الذي يُعرف باسم “جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية”- صيحة استنفار لحشد المقاومة ضد حركة طالبان.
نجل مسعود من بانشير
ووفقا للمجلة الأميركية، فإن أحمد مسعود -نجل زعيم التحالف الشمالي أحمد شاه مسعود- أطلق نداءه ذاك في ثنايا مقال نشرته له صحيفة واشنطن بوست (Washington Post) الأسبوع الماضي، وجاء فيه “أكتب اليوم من وادي بانشير متأهبا لترسم خطى والدي مع المقاتلين المجاهدين الذين هم على استعداد مرة أخرى للتصدي لطالبان”.
ويشير بعض الخبراء إلى أن هناك جيلا بأكمله من الأفغان “ممن لم يعيشوا قط تحت حكم طالبان، وترعرعوا في ظل الحريات والازدهار الاقتصادي اللذين افتقر إليهما جيل آبائهم”، حسب تعبير فورين بوليسي. وتضيف المجلة في تقريرها أن هذا الجيل الجديد ربما يكون أكثر ميلا للوقوف في وجه “العهد الجديد لحكم” طالبان.
على أن “المسألة الجوهرية” التي قد تحدد مصير أي تحالف عسكري مناهض لطالبان هي تشكيل الحكومة الجديدة، فلطالما سعت حركة طالبان -حسب المجلة- إلى تقديم صورة “أكثر اعتدالا” عن نفسها على الساحة الدولية من “مظهرها السابق”، مع أن العديد من الخبراء والمسؤولين الغربيين يشككون في نجاحها في ذلك.
تقاسم السلطة
فإذا تمكنت طالبان من إبرام صفقة قابلة للتطبيق لتقاسم السلطة مع أصحاب نفوذ من الأفغان الآخرين -مثل الرئيس الأسبق حامد كرزاي وعبد الله عبد الله شريك الائتلاف في حكومة الرئيس أشرف غني التي أُطيح بها- فإنها قد تحد من قدرة المقاومة المسلحة ضد الحركة في الحصول على دعم أوسع.
أما إذا أحكمت طالبان قبضتها على السلطة وعمدت إلى القصاص بشكل عنيف من مسؤولي الحكومة الأفغانية السابقة، فإن بعض الخبراء يعتقدون أن أي جهة ستخلف التحالف الشمالي ستحظى بالتأييد، طبقا لفورين بوليسي التي تؤكد أن أي أعمال عنف مميتة قد تفاقم الأزمة الإنسانية المتردية أصلا، وتجعل المدنيين الأفغان عرضة للوقوع في مرمى النيران المتبادلة.
ومع ذلك، يقول تقرير المجلة إنه من غير الواضح ما إذا كان قادة الجبهة الناشئة سيحصلون على قوة بشرية ودعم كافيين لتشكيل مقاومة قابلة للاستمرار وقادرة على التصدي لطالبان، إذا لم تقم الولايات المتحدة بتقديم مزيد من الأسلحة والعون لهم.
يطلبون الدعم
ومرة أخرى، تقتبس المجلة من مقال أحمد مسعود في صحيفة واشنطن بوست قوله “إننا ندرك أن قواتنا العسكرية وخدماتنا اللوجيستية (من نقل وإمداد) لن تكون كافية، وستستنفد سريعا ما لم يجد أصدقاؤنا في الغرب طريقة لإيصالها لنا من دون تلكؤ”.
وكان أمر الله صالح نائب الرئيس الأفغاني أعلن أنه “الرئيس الشرعي بالوكالة” عقب فرار الرئيس غني من البلاد إثر اجتياح طالبان كابل. ويحدو حلفاء صالح -الذي يبقى مكان وجوده غير معروف- الأمل في أن يستطيع تنظيم حركة مقاومة قابلة للحياة من بانشير.
في غضون ذلك، صرح سفير أفغانستان لدى طاجيكستان زاهر أغبر لوكالة رويترز بأنه لا يستطيع القول إن طالبان كسبت الحرب، بل الرئيس أشرف غني هو من تخلى عن السلطة، مضيفا أن بانشير وحدها “بقيادة الرئيس أمر الله صالح” هي التي تقاوم.
بانشير وبدخشان
ونقلت المجلة عن بيل روغيو -وهو باحث كبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن- القول إن ولايتي بانشير وبدخشان المجاورة ظلتا تاريخيا معقلا للمقاومة المناهضة لطالبان.
وتابع “إذا استطاع (أمر الله) صالح تعزيز قبضته على بانشير واستعاد كل ولاية بدخشان أو أجزاء منها لتكون بمثابة شريان حياة خارجي لقواته، فمن الممكن أن تدوم مقاومتهم (لطالبان). ويبقى السؤال: من سيقدم لهم الدعم؟”.
وطالب عدد من المشرعين في الكونغرس الأميركي إدارة الرئيس جو بايدن بمد يد العون لأحمد مسعود. وأشارت فورين بوليسي إلى أنه من غير الواضح بعد ما الذي ستفعله وزارة الدفاع (بنتاغون) تجاه مبلغ 3.3 مليارات دولار الذي سبق أن رصدته كدعم للجيش الأفغاني “الذي انهار في غضون أسابيع أمام هجوم طالبان”.
طالبان قوية بالشمال
ونسبت المجلة إلى تقرير استخباراتي حصلت عليه رويترز أن حركة طالبان استطاعت -عقب هجومها الخاطف- وضع يدها على كم من المعدات العسكرية الأميركية، من بينها أكثر من ألفي مركبة مدرعة و40 طائرة.
وإجمالا، فقد عززت طالبان مواطن قوتها الأساسية في الولايات الشمالية، حيث كان أحمد شاه مسعود يمتلك أسباب القوة فيها.
ولعل تعزيز طالبان قوتها هناك -كما تزعم المجلة- سيمنحها القدرة على إخماد أي انتفاضة محتملة. ويرى الخبير في مجموعة الأزمات الدولية إبراهيم باهيس أن طالبان لها وجود “قوي للغاية” في الشمال، مشيرا إلى أنها اجتاحت كابل مؤخرا لأسباب أمنية، ومن ثم “فلن يكون هناك عتاد كافٍ لسد النقص لدى المقاومة على المدى الطويل ضد عدو أكبر منها مثل طالبان”.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) أوردت الأربعاء الماضي أن إدارة بايدن أوقفت إرسال شحنات كبيرة من الأموال إلى أفغانستان عندما كانت طالبان على مشارف العاصمة كابل، كاشفة عن أن الجزء الأكبر من احتياطات البنك المركزي الأفغاني -البالغ 9 مليارات دولار- مخزنة خارج البلاد، وأن حركة طالبان ما تزال مدرجة في قوائم عقوبات العديد من الدول الغربية.
موارد طالبان
وفي السياق، نقلت فورين بوليسي عن ديفيد باتريوس -الذي قاد الجيش الأميركي وقوات حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) في أفغانستان في الفترة من 2010 حتى 2011- أن طالبان ستعتمد على قدرتها في توليد إيرادات، زاعما أن ذلك سيتأتى لها من زراعة الخشخاش “التي طالما ظلت تحت سيطرتها”.
ويستدرك باتريوس قائلا إن طالبان إذا استطاعت جذب استثمارات من الخارج فقد تضمن الأمن الذي زعزعته هي في الماضي، لا سيما أنها تملك تريليونات من الدولارات في شكل معادن في الأرض.
لكنه مع ذلك يعتقد أن نظام الحكم الذي من المرجح أن تنتهجه الحركة والقائم على “السيطرة المركزية القوية” يتطلب ميزانيات بمليارات الدولارات التي ربما من الصعب أن تحصل عليها مع مغادرة منظمات العون الممولة من الخارج للبلاد.
وتساءل القائد العسكري الأميركي المتقاعد: كيف لطالبان تعويض ذلك من دون مساعدات من الولايات المتحدة واليابان وأطراف التمويل الخارجي؟
على أن مشاكل الحكم المستجدة بالنسبة لطالبان لن تتوقف عند ذلك الحد، كما يقول خبراء ومسؤولون سابقون، ذلك أنها اعتادت على القتال بوصفها حركة متمردة، بيد أن الحفاظ على “جيش نظامي” سيكون أكثر كلفة.