حرية – (15/9/2021)
أربعة مرشحين لرئاسة الوزراء وصراع على الحصص
يلخص الكاتب محسد جمال الدين، نجل الشاعر مصطفى جمال الدين، السباق الانتخابي في العراق بالآتي، “طوال أربع سنوات يتقاسمون مغانم السلطة بمسطرة المحاصصة الطائفية، سنة وشيعة وكرد، ويدلعونها بالتوازن، إلا أنهم وقت الانتخابات يتسابقون بخطاب الدولة واللادولة! مار عليك هكذا كلاوات في الانتخابات العراقية؟” ومعنى “كلاوات” بالشعبي العراقي عمليات النصب المرتب، ولعل هذا التوصيف الذي استوقفني أقرب إلى واقع الانتخابات العراقية التي جرت لأربع مرات حتى الآن، وتنتظر كرتها الخامسة في الأسابيع المقبلة، لتداول مسميات الأحزاب والقوى التي تتبارى وتعمل أي شي وبأي ثمن للوصول إلى البرلمان، حيث ينتظرها مزيد من المميزات والرواتب والسيارات الجديدة وجيوش الحمايات، والوصول إلى المال العام في آخر المطاف.
انتخابات بذائقة عراق محتج
انتخابات هذا العام تتأرجح بين الإصرار على تنظيمها في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، كما أعلنها رأس الوزراء مصطفى الكاظمي لتكون مبكرة كما طالبت المرجعية الشيعية في النجف، وبين مطالبات بتأجيلها من جانب الحراك المدني، لا سيما قوى احتجاجات “تشرين” بدواع كثيرة، أبرزها حجة عدم توافر بيئة آمنة لإجرائها طالما أن السلاح المتفلت لم يُجمع في مشجب الدولة، كما يقول “باسم الشيخ المتحدث باسم حراك المعارضة، والتي أعلنت نفسها أخيراً كمعارضة ناعمة لا تريد إسقاط النظام الديمقراطي بل تعديله، معترضة على إجراء الانتخابات الآن لأنها متيقنة من احتمال تزويرها، بل هناك عدم وثوق في نتائجها، مع المطالبة بالتريث في تنظيمها إلى حين استكمال مستلزمات تأمينها كي لا تتكرر تجربة العام 2018 التي وصفت بالمزورة، كما تؤكد البيانات.
استعدادات وتحالفات وراء الكواليس
لكن هذا لم يمنع من قيام الائتلافات والتكتلات الرئيسة الثلاثة، الشيعية والسنيّة والكردية، من أن تعلن النفير العام المبكر في مقارها لاختيار مرشحيها وتبادل الزيارات بين قادتها لعقد تحالفات مسبقة لتقاسم المناصب وتوزيع الأدوار من جديد بلاعبين جدد، يطعمون مع لاعبين احترفوا لعبة الانتخابات السابقة وذاقوا منافعها، لكنهم مرتبكون بتغير قاعدة اللعب هذه المرة من الترشيح ضمن القوائم الانتخابية إلى الترشح الفردي الذي يعطي دوراً للمرشح الفرد باختياره مباشرة من جمهور يعرفه، وهو موجود بينه، وهذا يحرج كثيرين من غير الموجودين أصلاً في تلك البيئات، ويعتمدون على الترشح بقرار رئيس الكتلة والحزب أو التيار الذي يمثله ويجير له أصوات المقربين كما جرت العادة في الانتخابات السابقة كلها.
بروفات انتخابية قبيل موعدها
الائتلافات والتيارات المتنوعة إثنياً وطائفياً توصف عناصرها بالمثل الشعبي العراقي “وجوه متوالفة وقلوب متخالفة”، عملت ما يشبه بروفات لجمهورها حول الآلية الجديدة للانتخابات المقبلة، واختارت أشخاصاً تجدهم مقبولين من جماهير مناطقها أكثر من سواهم، وكان التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشاب السيد مقتدى الصدر أول من اختبر أشخاصاً من تياره الواسع في الوسط الشيعي لسبب رئيس، وهو تمكينهم من الحضور يوم الانتخاب جميعاً ومعرفة الأكثر قبولاً لدى جمهوره من نجوم التيار، الذين اعتادوا تقدم الصفوف في القوائم الشيعية، بل وأشاعوا هذه المرة بأنهم سيحصدون أصوات الأغلبية الشيعية المطلقة التي جعلت منافسهم الشيعي اللدود رئيس كتلة دولة القانون نوري المالكي يشتاط غضباً ويشكك في ما يقولونه، مرجحاً الفوز الساحق لتكتله استناداً إلى استطلاعات الرأي، كما قال الأسبوع الماضي في لقاء تلفزيوني، بعدما شكك في شرعية الانتخابات الماضية للعام 2018، وأكد عدم شرعية برلمانها لأنه لم يحقق النصاب التمثيلي المطلوب، وأشار إلى أن نسبة الاقتراع في تلك الانتخابات لم تتجاوز 18 في المئة من مجموع المؤهلين للانتخابات البرلمانية، وهي، بحسب كلامه، لا تمثل العراقيين، وذكّر باعتراضه حينها وتقديمه شكوى رسمية إلى المحكمة الاتحادية، لكنه اضطر إلى سحب شكواه “كي لا تحدث حرب أهلية”، على حد قوله.
صراع انتخابي على منصب رئيس الحكومة
بات الصراع على منصب رئاسة الوزراء الأكثر شدة وحماسة في المكون الشيعي الذي يمثل أكثر من 50 في المئة من المجتمع العراقي، وإذ ينتشر هذا المكون في عموم البلاد يتركز وجوده في المنطقتين الوسطى والجنوبية. وتفيد المعلومات بأن الترشيحات لرئاسة الوزراء تنحصر بين أربعة أشخاص من التكتلات الشيعية وفق نظام المحاصصة الحالي، وفي مقدم هؤلاء الكاظمي، الرئيس الحالي للسلطة التنفيذية، الذي اختير كمرشح تسوية من بين أربعة مرشحين آخرين لم يحققوا وقتها القبول المطلوب من الكتل، وقد كُلف رئاسة الحكومة على الرغم من رفض نوري المالكي الأمين العام لحزب “الدعوة” ورئيس كتلة “دولة القانون” الذي ذهب إلى إيران ليحسم منصب رئاسة الوزراء، كما كان يُظن، وعاد بخفي حنين كما يؤكد أحد النواب السنّة من حلفائه، لكن إصرار الصدر والمرجعية الشيعية في النجف رجح الكاظمي برضا أميركي وغض طرف إيراني، وقد ندمت طهران على ذلك حين قوض الكاظمي وجهازه الأمني سلطة الميليشيات الموالية لإيران، وكاد أن يطوقها ويحول دون إطلاق صواريخ الكاتيوشا في اتجاه المنطقة الخضراء والقواعد الأميركية، وتصدى للعديد من مصادر تمويل “الولائيين” بتفعيل عمل جهاز الاستخبارات الذي يديره مع الفريق أبو رغيف وبالتنسيق مع الأميركيين، كما يؤكد خصومه.
المرشح الثاني لرئاسة السلطة التنفيذية هو عدنان الزرفي، المحافظ الأسبق للنجف، الذي رُشح قبل الكاظمي لرئاسة الوزراء، وكاد أن يكون له ذلك لولا اعتراضات “الولائيين” ومن خلفهم إيران على ترشحه، على الرغم من أنه كان من أقطاب المعارضة العراقية بعد “الانتفاضة الشعبانية” مطلع التسعينيات، وهو أحد لاجئي معسكر رفحاء في السعودية بعيد تلك الانتفاضة عام 1991، لكنه هاجر لاجئاً إلى الولايات المتحدة واستقر في ميشيغان، وحصل على الجنسية الأميركية، ويصفه المقربون منه بأنه “مقدام” ويمتلك قدرة اتخاذ القرار بسرعة، لكن ظهوره مراراً بملابس عسكرية أميركية بداية العام 2003 جعل خصومه “الولائيين” يتوجسون من علاقته مع واشنطن، ويذهبون بعيداً في اتهامه بأنه أميركي الهوى، لا سيما رجالات إيران في العراق الذين حالوا من دون وصوله إلى رئاسة الوزراء.
والمرشح الثالث هو قاسم الأعرجي، وزير الداخلية الأسبق ومستشار الأمن القومي الحالي، وكان من النشطاء في “فيلق بدر” الذي يقوده محمد باقر الحكيم، لكنه حين عودته من إيران أظهر تعاطفه مع جميع الأطياف العراقية بعد خوضه الانتخابات، وعمل في عدد من الإدارات في محافظة واسط المحاذية لإيران، وتميز بذكائه وتمرسه بالعمل في الأوساط الشبابية والطلابية منذ كان في الاتحاد العام لشباب العراق قبيل سقوط نظام صدام حسين، والتحاقه بالمعارضة العراقية نهاية حرب الخليج الأولى، وهو دائم الحركة ويحظى بدعم “الولائيين” من كتلة “الفتح” رفاق دربه أيام المعارضة.
وتولى الأعرجي العديد من المناصب بعد سقوط نظام صدام حسين، وتلقى دورات عدة في فنون الحرب خصوصاً حرب العصابات، ويحظى بقبول معظم الأوساط السياسية، مما منحه تولي أعلى منصب أمني في البلاد.
أما المرشح الرابع في الائتلاف الشيعي فهو النائب محمد شياع السوداني، وزير العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة حيدر العبادي، ووزير الصناعة والتجارة بالوكالة، حتى شغل منصب وزير حقوق الإنسان ومحافظ مدينته الجنوبية ميسان، وتميز بعد أن استقال من ائتلاف “دولة القانون” وحزب “الدعوة” بزعامة المالكي قبيل ترشحه للمنصب إثر استقالة عادل عبدالمهدي.
وعلى الرغم من تخصصه في العلوم الزراعية، لفت الانتباه في إدارته العديد من المواقع الحكومية والبرلمانية ومحاربة الفساد التي كلف بملفها، وكان موضع ثقة من الإدارات التي تولاها.
الظاهرة البشعة
ويواجه هؤلاء الذين يُعدون الخط الثاني لمعارضة نظام صدام حسين عقبة قوية، تتمثل في إصرار المالكي على تقديم نفسه مرشحاً لقيادة التكتل الشيعي مدعوماً هذه المرة من الكرد والعديد من النواب السنّة، لكنه يواجه مؤسستين ترفضان التجديد له، وهما المرجعية الشيعية التي أطلقت شعار “المُجرب لا يُجرب”، وخصومه الصدريين الذين لم ينسوا مهاجمته لهم في البصرة في عمليات “صولة الفرسان” التي قوضت نفوذهم.
ويواجه المالكي أيضاً ملف الموصل وتمكن تنظيم “داعش” من السيطرة على ثلث الأراضي العراقية، إذ كان المالكي آنذاك في منصب القائد العام للقوات المسلحة.
وإجمالاً فالانتخابات المقبلة ستجرى في موعدها بوجود كل عناصر الصراع في الأوساط والإثنيات العراقية التي تتأثر بمرجعيات إقليمية حيناً ودولية أحياناً، مع رفض شعبي يتنامى لخيار الدولة البرلمانية ونظامها الذي جلب الظاهرة الأبشع التي أطاحت بأداء الدولة العراقية، وهي الفساد المستشري الذي تعدى الاقتصاد والتجارة إلى الفساد السياسي، متمثلاً بآلاف الملفات في لجان النزاهة الحكومية والبرلمانية، وعدم رضا الشارع على ما أنتجته المحاصصة السياسية التي لم توزع الأدوار في السلطة، بل وزعت المال العام الذي أبقى المواطن بلا عمل وأمل.