حرية – (22/9/2021)
في ظل دعوة العراق الأردن للمشاركة في إعادة الإعمار، تكون بغداد قد اقتربت من عمان أكثر، وابتعدت خطوة أخرى عن طهران نحو محيطها العربي، فاللقاءات والزيارات والمواقف والتصريحات المشتركة بين البلدين تكثفت في الأسابيع الأخيرة، على نحو لا يروق للإيرانيين الذين يراقبون بصمت وحذر تشكل حلف أمني واقتصادي وسياسي بين عمان وبغداد إضافة إلى القاهرة.
فكل المؤشرات التي يمكن رصدها خلال الأشهر الماضية تشير بوضوح إلى أن بغداد تتحلل من علاقتها بطهران شيئاً فشيئاً، وتقترب من دول الجوار وتحديداً الأردن أكثر من أي وقت مضى.
وبموازاة ذلك، ثمة حماس شعبي للعلاقة مع بغداد، إذ يرغب 60 في المئة من الأردنيين بتقويتها وفقاً لاستطلاع رأي رسمي، كما يرغب 51 في المئة بتعزيز العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين.
ويأتي التقارب الأردني العراقي في إطار استعادة عمان دورها الإقليمي بخاصة بعد الزيارة الأخيرة للملك الأردني عبد الله الثاني إلى واشنطن، ولقائه الرئيس الأميركي جو بايدن، والاتفاق غير المعلن على مواجهة نفوذ إيران في المنطقة.
مشروع “الشام الجديد”
وكان مشروع “الشام الجديد”، وهو تحالف أمني اقتصادي بين الأردن والعراق ومصر قد تسبب في إزعاج طهران التي تخشى عودة بغداد إلى الحضن العربي مجدداً.
وعقدت الدول الثلاث قمماً عدة في محاولة لإحياء ما كان قائماً قبل الغزو العراقي للكويت تحت مسمى” مجلس التعاون العربي” آنذاك، رحبت طهران مكرهة بمشروع “الشام الجديد” لكنها رأت فيه تهديداً لسيطرتها على مقاليد الأمور في العراق، ولذلك حاولت جاهدة عبر ميليشياتها والمكونات السياسية التي تمثلها وتدين لها بالولاء في البرلمان العراقي إجهاض أي مشاريع قد تنبثق عن هذا التعاون.
ملامح التحالف
وأبرز ملامح هذا التحالف تزويد العراق مصر والأردن بالنفط، مقابل مشاركة الشركات المصرية والأردنية في عملية إعادة إعمار العراق، وتزويد العراق بالكهرباء، في ما يعرف بالنفط مقابل الإعمار، إضافة إلى استفادة مصر من فائض قدرات التكرير لديها، لتكرير النفط العراقي وتصديره إلى أوروبا، وستلعب الأردن دور الممر في معظم هذه المشروعات.
ومن شأن هذا المشروع أن يطيح برغبة إيران الانفراد بإعادة إعمار العراق، حيث ستتولى شركات مصرية وأردنية هذه المهمة، وظلت إيران لسنوات تحتكر تصدير مواد البناء وحديد التسليح إلى العراق، لكن ما يزعج إيران أكثر هو التنسيق الأمني والاستخباري بين الدول الثلاث.
والثابت أن طهران وحلفاءها لديهم تحفظ على أي دور ينافسهم على العراق، وبدا هذا واضحاً من خلال تأجيل القمة الأولى في بغداد بعد يومين من استعراض للقوة نفذته ميليشيات “ربع الله” الموالية لإيران وسط بغداد.
زخم أردني عراقي
آخر هذه المؤشرات، التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة في عمان خلال لقائه وفداً أمنياً عراقياً برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي، بقوله إن أمن العراق جزء لا يتجزأ من أمن الأردن.
الخصاونة تحدث عن استقرار الوضع في العراق بما يسمح بالتوجه نحو إعادة البناء والإعمار عبر الشركات الأردنية، ووقع العراق والأردن اتفاقات في مجالات متعددة منها ثنائية وأخرى ثلاثية إلى جانب مصر خلال أربعة مؤتمرات قمة عقدت بين الدول الثلاث، آخرها القمة التي عقدت في مصر في يونيو (حزيران) الماضي.
وقبل ذلك بساعات، كان الملك عبد الله الثاني يتحدث عن تعاون سياسي قوي مع العراق ومصر، وأعلن العراق، الأسبوع الماضي، الاتفاق مع الأردن على المباشرة بتشييد مدينة صناعية مشتركة على حدود البلدين، وبحث رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مع رئيس البرلمان الأردني عبد المنعم العودات، قبل أسابيع الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
إيران تعطل التقارب
وعلى الرغم من كل هذا الزخم في العلاقات بين الأردن والعراق، كان التباطؤ سمة بارزة ترافق تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بسبب تحفظات قوى سياسية عراقية حليفة لطهران، بخاصة حيال مشروع أنبوب البصرة – العقبة، باعتباره مناكفة لإيران التي وجدت نفسها أمام خطر الاستغناء عن شراء الغاز والكهرباء منها.
وشكت عمان مراراً من وجود تدخلات إيرانية تضغط في اتجاه عدم فتح الحدود العراقية مع الأردن، وإعادة العلاقات إلى طبيعتها، وشنت وسائل إعلام عراقية موالية لإيران حملة ضد الأردن، مطالبة بوقف الاتفاقيات التجارية بين البلدين، ووقف ضخ النفط العراقي إلى عمان بأسعار تفضيلية، فضلاً عن الربط الكهربائي بين البلدين.
المشهد العراقي
وأمام تحكم الأحزاب والقوى المقربة من إيران بالمشهد العراقي وقدرتها على تعطيل أي مشروع، يخشى مراقبون من تهديد آخر يتمثل في قصر عمر الحكومة العراقية ممثلة في مصطفى الكاظمي باعتباره الضامن لتنفيذ الاتفاقيات.
وقد حقق الأردن مكاسب اقتصادية جيدة من علاقته المتجددة بالعراق، كان أبرزها تمديد بغداد اتفاقية بيع النفط إلى عمان بأسعار تفضيلية، مع استمرار اعتماد المملكة على النفط العراقي كمصدر رئيس للتزود والتكرير، بعد توقف هذه الإمدادات لنحو خمس سنوات على إثر سيطرة تنظيم “داعش” على المنطقة الحدودية بين البلدين.