حرية – (14/10/2021)
مخيم الهول، مخيم خطير وفوضوي وبائس. وهو عبارة عن مدينة تتراص فيها الخيام وتكتظ بزوجات وأطفال وأسر المقاتلين الأجانب التابعين لتنظيم “الدولة الإسلامية”، كما يحيط به حراس مسلحون وأبراج مراقبة وأسوار من الأسلاك الشائكة.
يقع المخيم الصحراوي الفسيح على بعد أربع ساعات قيادة بالسيارة من المالكية، مروراً بمدينة القامشلي، وعلى مقربة من الحدود السورية التركية في شمال شرق سوريا.
ترتدي النساء داخل المخيم، العباءات السوداء والنقاب.
وهناك في إحدى الزوايا القريبة من سوق الخضار الصغير، تجلس مجموعة من النساء ينحدرن من أوروبا الشرقية، يحجبن عن أنفسهن أشعة الشمس الحارقة، ويرغبن في تبادل أطراف الحديث معنا.
سألتهن كيف انتهى بهن المطاف هنا.
لكنهن لا يتفوهن إلا بالقليل من المعلومات، ويلقين باللوم على أزواجهن في قرار السفر لآلاف الكيلومترات للانضمام إلى تنظيم الدولة، والعيش في ظل نظام عذّب وقتل واستعبد الآلاف. وجميعهن يتفقن على أن جريمتهن الوحيدة كانت الوقوع في حب الرجل الخطأ.
إنها قصة مألوفة تسمعها من زوجات مسلحي التنظيم، إذ يحاولن النأي بأنفسهن عن نظام كان واضحاً في وحشيته وأهدافه.
أما أزواجهن، فإما باتوا في عداد الأموات أو مسجونين أو مفقودين، وهن الآن عالقات هنا مع أطفالهن.
يُحتجز هنا حوالي 60 ألف شخص، بما في ذلك 2500 من أسر مقاتلي التنظيم الأجانب. يعيش الكثيرون هنا منذ هزيمة الجماعة الجهادية في آخر معاقلها في الباغوز في محافظة دير الزور، عام 2019.
الحيطة والحذر يغلبان على أحاديث النساء اللواتي يخشين من أي زلة لسان، قد تكون عواقبها عليهن وخيمة إن لم تكن مدمرة.
ليس الحراس هم من يشعرن بالقلق بشأنهم، بل النساء الأخريات، إذ لا تزال المتشددات منهن يفرضن قواعد تنظيم الدولة داخل المخيم.
كنا هناك في ساعات الصباح الأولى، وكان قد تم العثور على امرأة مقتولة.
عمليات قتل يومية
يعتبر العنف والتطرف في المخيم قضية رئيسية بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد والمسؤولة عن إدارة المخيمات.
يعترف عبد الكريم عمر، وهو وزير الخارجية الفعلي للإدارة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا، بأن تنظيم الدولة لا يزال يحكم في الهول. ويقول إن النساء المتشددات مسؤولات عن الكثير من أعمال العنف.
“هناك عمليات قتل يومية، يحرقن الخيام عندما لا يتبع الناس أيديولوجية التنظيم، ويزرعن هذه الأفكار المتطرفة في عقول أطفالهن أيضاً”.
ويوجد في المخيم أطفال من كل بقاع الأرض، جلبهم آباؤهم من آسيا وأفريقيا وأوروبا إلى سوريا، للعيش في ظل تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ثمة القليل مما يستطعن فعله، فليس باليد حيلة.
أثناء قيادتنا للسيارة عبر الأقسام الأجنبية في المخيم. بدأ بعض الأطفال الصغار برمي الحجارة علينا، تحطمت نافذة السيارة الجانبية، وبالكاد نجا الحراس منها. هذا أمر طبيعي.
أما الأطفال الآخرون فبدوا مستسلمين تماماً؛ يحدقون في الفراغ وهم يجلسون خارج خيامهم. لقد عانى معظمهم من أهوال لا يمكن تخيلها، وتنقلوا باستمرار مع محاولات مسلحي التنظيم اليائسة الدفاع عن الأراضي التي استولوا عليها في كل من سوريا والعراق.
لم يعرف الكثيرون شيئاً سوى الحرب، ولم يجلسوا في المقاعد المدرسية قط، ويعاني البعض من إصابات واضحة.
رأيت صبياً كان يشق طريقه عبر تضاريس متعرجة بساق مبتورة. جميعهم تعرضوا لنوع من الصدمة والخسارة، مع فقدان معظم الأطفال لأحد والديهم على الأقل.
للتعامل مع العنف المتزايد في المخيم، هناك عمليات تمشيط أمنية منتظمة. وهذا ليس كل شيء.
كما يُنظر إلى الأولاد الأكبر سناً على أنهم تهديد محتمل، لذا بمجرد بلوغهم سن المراهقة، يتم نقلهم إلى مراكز احتجاز آمنة بعيداً عن عائلاتهم.
يقول عمر: “عندما يبلغون سناً معينة، يشكلون خطراً على أنفسهم والآخرين، لذلك لا خيار أمامنا سوى بناء مراكز إعادة تأهيل لهؤلاء الأطفال”.
ويقول إنهم يبقون على اتصال بأمهاتهم من خلال الصليب الأحمر الدولي.
“كل يوم يكبر أكثر”
إلى الشمال من الهول يوجد مخيم “روج” المقسم بأسوار سلكية.
هذا المخيم أصغر من الهول ويضم هو الآخر زوجات وأطفال مقاتلي التنظيم.
ووتيرة العنف هنا أقل. إنه المكان الذي تعيش فيه العديد من النساء البريطانيات، بما في ذلك شميما بيغوم ونيكول جاك وبناتها.
التقيت بمجموعة من النساء من جزيرة ترينيداد وتوباغو الكاريبية، التي سجلت أعلى معدلات التجنيد في تنظيم “الدولة الإسلامية” في نصف الكرة الغربي.
إحداهما لديها ابن يبلغ من العمر 10 سنوات.
أخذت أطفالها للعيش في ظل النظام المتشدد، وبعد مقتل زوجها، ظلت هي وأطفالها تحت حكم النظام حتى النهاية.
لقد سمعت عن فصل الأولاد الأكبر سناً وهي الآن خائفة من أن يحدث هذا لطفلها.
كلما تقدم في السن، كلما زادت مخاوفها.
وتقول: “أجلس وأفكر به وهو يكبر كل يوم، أعتقد أنه ربما يأتي يوم ويأخذوه بعيداً عني”.
قتل زوجها في غارة جوية.
وبالقرب كان ابنها يلعب كرة القدم مع شقيقه الأصغر وشقيقته، أخبرني أنه سيفتقد والدته إذا ابتعد عنها.
نظام الصرف الصحي هنا مسألة أساسية، حيث توجد مراحيض خارجية ومقصورات للاستحمام ومياه شرب مشتركة من الخزانات، وهو أمر يشكو منه جميع الأطفال.
يوجد في المخيم سوق صغير يبيع الألعاب والطعام والملابس.
وتتلقى العائلات طروداً غذائية شهرياً، ويتم توفير الملابس لأطفالهم.
يعيش البعض في ثكنات عائلية مدمجة.
وفي ظل تنظيم الدولة، شارك عدد قليل من النساء زوجاً واحداً، وجعلهن هذا الرابط يتحملن ويشاركن في رعاية الأطفال والأعمال المنزلية.
دمار وقصف وحرب
يذهب العديد من الأطفال إلى مدرسة مؤقتة تديرها منظمة إنقاذ الطفولة.
تقول سارة رشدان، من مكتب فريق الاستجابة السورية التابع للمجموعة: “نسمع الكثير من القصص وللأسف، لا توجد واحدة منها إيجابية، ولكن نأمل أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم وعيش طفولة طبيعية وأن يتمتعوا بصحة جيدة”.
“لقد رأينا الكثير من التغيير السلوكي. رأينا أنهم كانوا يرسمون صور الدمار والقصف والحرب، لكننا الآن نرى أنهم يرسمون صوراً أكثر إيجابية تعبر عن السعادة والزهور والمنازل”.
ولكن، ليس من الواضح كيف سيخرج هؤلاء الأطفال أو ما يخبئه المستقبل لهم.
تنظر بعض الدول الغربية إلى زوجات مقاتلي التنظيم الأجانب على أنهن تهديد للأمن.
وتنكر العديد من النساء أنهن يشكلن أي خطر أمني.
ومع ذلك، هناك تردد بينهن في مناقشة ضحايا التنظيم (آلاف النساء الإيزيديات اللائي استعبدهن التنظيم أو المعارضين له الذين تم تصويرهم على أنهم زنادقة)، الذين قاتلوا أو قُتلوا في معارك ضد التنظيم.
ومن الشائع أن تقول النساء إنهن لم يشاهدن أي دعاية عنيفة للتنظيم على الرغم من العيش في ظل “الخلافة”، وتزعم كثيرات منهن أنهن غير مدركات لعمليات قطع الرؤوس والمذابح والإبادة الجماعية التي ارتكبتها الجماعة.
إنه الامتناع المنتظم للنساء اللواتي انضممن إلى هذا التنظيم، وغالباً لا تصمد هذه الحجة عند التدقيق في أقوالهن.
إنهم منفصلون عن العالم الخارجي، وقليل منهن يفهن كيف يُنظر إليهم في بلدانهم الأصلية.
تقوم بعض الدول الأوروبية مثل السويد وألمانيا وبلجيكا بإعادة بعض الأطفال وأمهاتهم.
لكن مع تدهور الوضع في المخيمات، تحث السلطات الكردية المزيد من الدول على إعادة مواطنيها.
يقول عمر “إنها مشكلة دولية ولكن المجتمع الدولي لا يتحمل واجباته ومسؤولياته تجاهها، وإذا استمرت الأمور على هذا النحو، فسنواجه كارثة لا يمكننا التعامل معها”.