حرية – (25/10/2021)
الفنان التشكيلي مصطفى أكرم: الرسم بالبكتيريا يعتبر أحد مظاهر الحداثة الفنية التي ظهرت في العصر الحاضر من قبل قلة من الفنانين من ذوي الاختصاص الطبي لصعوبة الجمع بين الفن والعلم بمكان واحد
رغم أن التحليلات الطبية والفن لا يلتقيان إلا نادرا، فإن مصطفى الياسري استطاع أن يصبح حلقة وصل بينهما لرسم لوحات تجمع بين العلم والفن باستخدام البكتيريا، مستفيدا من بيئة المختبر التي يعمل بها.
واقتحم الياسري عالم الرسم بالبكتيريا، الذي يعتبر فنا حديثا أخذ بالانتشار بين أوساط المهتمين بالطب والبكتيريا بعد عام 2000.
وحول بداياته وما الصعوبات والتحديات التي واجهها في عمله، يقول الياسري -مختص بالتحليلات المرضية- “أثناء عملي على مستعمرات البكتيريا التي تنمو على أطباق أجار الدم (Blood Agaer) جاءتني فكرة استخدام الأطباق التي لا يظهر عليها نمو للبكتيريا بالرسم والتجارب العلمية بدلا من إتلافها”.
وأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن تجربته الأولى كانت مع بكتيريا “المكورات العنقودية”، حيث قام برسم زهرة بطريقة مبسطة باستخدام الـloop (أنبوب رفيع ينتهي بحلقة صغيرة يستخدم لنقل البكتيريا) ثم أخذ عينة من هذه البكتيريا، ورسمها ثم زرعها على طبق الأجار (الأواني المستخدمة في التحليلات المرضية) لوحات فنية باستخدام البكتيريا. بعد ذلك وضع العينة المرسومة في حاضنة البكتيريا.
وأضاف أن الموضوع كان أشبه بالتحدي لأن النتائج لا تظهر إلا بعد 24 ساعة، فالأمر شبيه بالرسم في الهواء حيث لا يمكن مشاهدة الخطوط المرسومة، وهذا ما يحتاج إلى خيال واسع للرسم بطريقة صحيحة دون حدوث أي خلل في اللوحة.
في اليوم التالي، ذهب الياسري لإخراج العينة من الحاضنة ورؤية النتائج ليتفاجأ بنجاحها، الأمر الذي جعله في دهشة كيف تمكنت هذه الأحياء المجهرية بأن تنمو بالشكل الذي تم تصميمه لها.
مراحل الرسم
عند سؤال الياسري عن المراحل التي تمر بها أي لوحة يرسمها بالبكتيريا، يجيب بأن أي رسمة تمر بعدة مراحل أولها تهيئة الحاضنة المعزولة (fume hood)، والتي يتم العمل بداخلها وذلك بتعقيمها لتكون خالية من أي بكتيريا أو طفيليات ضارة ممكن أن تؤثر على مجرى العمل.
المرحلة الثانية، تكون بتحضير طبقين من أطباق زراعة البكتيريا (الأجار)، الطبق الأول يحتوي على العينات التي يعمل عليها، والثاني فيجب أن يكون نظيفا كي يبدأ الرسم عليه.
المرحلة الثالثة، تكون بتحضير أداة الزرع (loop) أنبوب صغير و(burner) وهي شعلة غازية أو نفطية يجب أن تكون قريبة من العمل لاستخدامها في تعقيم الأدوات وبشكل مستمر حتى انتهاء رسم اللوحة لتجنب نمو أي بكتيريا ضارة ممكن أن تسبب تلوثا وبالتالي تشويه الرسمة.
المرحلة الرابعة والأخيرة، وهي الأصعب حيث يتم الرسم بدقة متناهية وتركيز مستمر، لأنه يتم العمل دون التمكن من مشاهدة ما حوله معتمدا على التركيز العالي والخيال الفني.
ووأضح الياسري أن العملية تستغرق من ربع إلى نصف ساعة يقوم بعدها بوضع الطبق (الذي يحوي الرسمة) في الحاضنة البكتيرية للزراعة بدرجة حرارة ما بين 36 إلى37 درجة مئوية ولمدة 24 ساعة حتى تكتمل عملية نمو وزرع البكتيريا لتكون اللوحة جاهزة.
طبق الأجار هو عبارة عن وعاء غير عميق مصنوع من الزجاج أو البلاستيك ومزود بغطاء يستخدم لاستنبات الخلايا كالبكتيريا والفطريات.
الرسم والعلم
وتقول سالي أمير وهي تقنية تحليلات مرضية، إن البكتيريا عالم واسع مليء بالأسرار لأنها موجودة في كل مكان وبذلك تعتبر من أكثر الكائنات الحية انتشارا في الطبيعة، فهي موجودة على سطح جسم الإنسان وفي داخله وعلى هاتفه المحمول ومقبض الباب وفي الهواء، وغيرها ومن دونها يموت الإنسان، فليست كل البكتيريا ضارة، فالموجود منها بالجهاز الهضمي مثلا يساعد في تكسير الغذاء وتحويله إلى طاقة.
وأضافت أنه بسبب سهولة تداولها وسرعة نموها وقدرتها على التأقلم أصبح الرسم بالبكتيريا (فن الأجار) شغفا للعديد من طلاب العلم والمختصين بالأحياء المجهرية وذلك باستخدام البكتيريا والفطريات لرسم لوحات ذات طابع فني خاص رغم صعوبة إنجاز العمل، فهي تحتاج إلى شخص مختص بهذا العلم يعرف كيف ينسق البكتيريا ويوجه حركتها ونموها ضمن حدود يضعها.
من جهته يقول محمد ياسين وهو مختص بالأحياء المجهرية، إن فن الرسم على الأجار يختلف عن باقي الفنون فهو يحتاج لمختص بعلم الأحياء المجهرية والبكتريولوجي لكي يستطيع استخدام المناسب منها في الرسم دون أن يصيب نفسه بالعدوى.
وأضاف أن ما يميز هذا الفن هو أن الرسمة لا تظهر نتائجها إلا بعد وضعها في الحاضنة ليوم كامل، وعلى الرغم من المخاطر التي تحيط بهذا الفن فإن له فوائد كبيرة لطلاب العلم في توضيح فوائد البكتيريا ومضارها وتقديم المعلومة بأسلوب سلس وشيق.
الأجار فن الحداثة
وتعليقا على هذا الفن، قال الناقد والفنان التشكيلي مصطفى أكرم، إن الرسم بالبكتيريا يعتبر أحد مظاهر الحداثة الفنية التي ظهرت في العصر الحاضر من قبل قلة من الفنانين من ذوي الاختصاص الطبي لصعوبة الجمع ما بين الفن والعلم بمكان واحد.
وأضاف أن هذا الفن يحتاج إلى دقة وإبداع فني بمواد عضوية ومجهرية، وهو ما يشكل تحديا لرواده، معتبرا أن هذا يجسده مصطفى الياسري في لوحاته “التي بهرتني وأثارت تساؤلاتي كفنان وناقد من ناحية الدقة والجمالية والعلمية”.
المعرض الأول
تحت هذا العنوان، يعمل الياسري على الإعداد لمعرضه الفني العلمي التوعوي الأول (كما يصفه)، والذي سيضم مجموعة من أعماله ولوحاته التي رسمها بالبكتيريا وباستخدام طريقة جديدة لحفظها من التلف.
المعرض وحسب الياسري، يهدف إلى إيصال فكرة أن البكتيريا والطفيليات داء ودواء. وسيكون المعرض موسوعة علمية صغيرة تضم شرحا للبكتيريا وأنواعها والأمراض التي تسببها.