حرية – (2/11/2021)
يبدع النحات العراقي أسعد سلمان الصياد منذ سنوات في صناعة نماذج مصغرة للسفن التراثية والحديثة التي تبحر في شط العرب بمحافظة البصرة، من خلال إعادة تدوير أبواب الخشب القديمة وغيرها.
ونجحت إبداعات الصياد في لفت أنظار الكثيرين داخل البصرة وخارجها، بسبب جمال إتقانها ودورها في الحفاظ على جزء مهم من تراث تلك المدينة العريقة.
تراث البصرة
وفي حديثه مع الجزيرة نت، يقول الصياد إنه بدأ العمل منذ الصغر وكانت بداياته بالنحت على الطين والحجر، وسنة 2010 بدأ في صناعة السفن التراثية لكونها جزءا من تاريخ مدينة البصرة من الأهوار وشط العرب والخليج العربي.
ويضيف بأنه صنع عدة أنواع من السفن الشراعية، منها بوم السفار والشوعي والسنبوك والبتيل والجالبوت والبغلة، إضافة إلى البلم العشاري وأبلام الصيد وكل سفينة يختلف سعرها عن الأخرى بحسب حجمها وتفاصيلها.
وعن الأدوات المستخدمة في صناعة النماذج الفنية يقول “أستخدم أدوات النجارة والعدد اليدوية، وبعض العدد صنعتها بنفسي لصعوبة توفرها، واستخدمت عدة أنواع من الأخشاب في الصناعة، وأفضلها الأبواب القديمة من الخشب الصاج لكونها مرت عليها فترة من الزمن وتحملت الظروف المناخية وأثبتت جودتها”.
ويدير الصياد مشروعه من ورشة صغيرة داخل منزله، لعدم حصوله على أي دعم، معربا عن طموحه في توسيع مشروعه لكونه جزءا من تاريخ وتراث جميع دول الخليج.
ويشير إلى أنه استخدم مواقع التواصل لنشر أعماله وتسويقها مثل فيسبوك وإنستغرام، ويطمح بإيصالها إلى المجتمع بشكل أكبر داخل وخارج البلاد، والمشاركة في معارض دولية، وإقامة متحف ملاحي بالبصرة يجمع كل ما يخص التراث من الهور للخليج.
ويلفت إلى أن بعض معارفه ساعدوه في تسويق أعماله التي وصل بعضها إلى خارج العراق، مثل الكويت والإمارات وغيرها.
إبداع فريد
من جانبه، يقول الدكتور مجيد حميد الجبوري أستاذ الأدب والنقد المسرحي، وهو أحد زبائن الصياد “تابعت أعمال هذا النحات المتخصص بالنحت على الخشب، وهذا النوع من أصعب فنون النحت لأنه يتطلب دقة متناهية وتعاملا معقدا مع مادة خام هي غير طيعة في عملية النحت”.
وينوه بحديثه للجزيرة نت إلى أن “هذا العمل يتطلب مهارات فنية وليس مهارة واحدة، إذ على النحات أن يكون بارعا في عملية حفر الخشب، وأن يكون بارعا في عملية هيكلة الشكل وخطوطه الأساسية والثانوية، وعليه أن يكون ذا عين بارعة في التقاط وتجسيد التفاصيل على مادة الخشب. لذا فإن كثيرا من النحاتين يتجنبون فن الحفر على الخشب لصعوبته ودقته واحتياجه لصبر طويل على النحات أن يتحلى به”.
ويرى الجبوري أن إبداع الصياد لمجسمات السفن لا يعد صناعة أو حرفة بقدر ما هو إبداع فني وجمالي يرقى إلى مستوى الأعمال الفنية، ويخرج من خانة التصنيع ليدخل علم الإبداع وفضاءاته الواسعة.
وحول أهمية الأمر يقول إن صناعة السفن الخشبية بدأت بالانقراض تدريجيا، حيث غزت السفن المصنعة من الحديد والألمنيوم البحار. لذا فإن ما يبدعه الفنان (الصياد) يعد مهما جدا من ناحية الحفاظ على تراث صناعة كانت تشتهر بها عوائل بصرية وبخاصة في منطقتي أبي الخصيب والفاو، لذا فإن ما يفعله هذا الفنان يُعد بحق تذكيرا وحفاظا على تراث شعبي ومحلي يستحق الرعاية والدعم والإشادة.
مهارة دقيقة
ويؤكد النحات أحمد السعد، رئيس جمعية الفنانين التشكيليين في البصرة، أن المهارة التي يمتلكها الصياد لافتة للنظر، وهي حرفة ترتبط بإتقان النجارة والمتابعة الدقيقة لأشكال السفن القديمة.
ويبيّن للجزيرة نت بأن الصانع حتى يكون دقيقا عليه أن يمتلك ثقافة واطلاعا واسعا على أشكال السفن بشكل علمي، وإلا فالمسألة تصبح تزيينا لا أكثر، ولا يمكن اعتماد هذه المجسمات في المتاحف، بل تصلح فقط للاقتناء الشخصي.
ويوضح نقيب التشكيليين بأن دعم المواهب واجب الدولة وأصحاب رؤوس الأموال، والأهم من الدعم المباشر هو توفير فرص لعرض منتجاتهم وعرض أبواب التسويق وتبني التعريف بمثل هذه الفنون وهذا التاريخ.
ويشدد السعد على أهمية هذه الأعمال في الحفاظ على التراث لأنها شواهد على طبيعة عمل جزء من أفراد المجتمع وطريقة عيشهم، وما برعوا فيه من صناعة تستعمل للنقل والصيد والتجارة.
ويعرب عن اعتقاده بأن كل شيء يعتمد على الفرد، والموهوب الحقيقي يجب أن يمتلك إرادة للاستمرار وتطوير موهبته بالتسلح بالثقافة أولا ثم إيجاد الطرق التي يبرز ويسوق منتجاته خلالها، وعدم الاستهانة بموهبته والإصرار عليها.
ضرورة الدعم
ويبدي الجبوري أسفه الشديد لعدم وجود مؤسسات أو جهات رسمية تهتم برعاية الشباب خاصة بعد 2003، وذلك لأن من يقود هذه المؤسسات والجهات الرسمية، بما فيها مؤسسات الدولة الثقافية، هم منشغلون في التنافس على الكراسي دون الاهتمام الجدي والفاعل في الثقافة، لذلك يلاحظ أن عددا كبيرا من مؤسسات المجتمع المدني هي التي أصبحت من يقوم بهذه المهمة.
ويدعو جميع المثقفين والنقاد والباحثين ومنظمات المجتمع المدني للنهوض بجدية لرعاية مثل هذه المواهب المتفردة والنوعية والنادرة، كما يطالب الموهوبين الشباب بألا يخذلهم الإهمال من قبل المؤسسات الثقافية الرسمية.
وشدد الجبوري على ضرورة تسويق إبداعات الموهوبين الشباب، ويمكن أن تسهم القنوات الإعلامية ووسائل التواصل والاتصال المختلفة في الترويج التسويقي لإبداعات الشباب، كما يمكن لمنظمات المجتمع المدني، الثقافية منها بخاصة، أن تعمل على عرض وتسويق تلك الإبداعات خارج العراق: أولا لمردودها المالي الذي سوف يدفع الشباب الموهوبين على مزيد من التواصل والعطاء، وثانيا لأنه يقدم صورة مشرقة عن عراق الحاضر الذي شوهته صور المفخخات والجريمة والسلاح المنفلت والفساد.