حرية – (10/11/2021)
عاتكة الخزرجي شاعرة ومعلمة عراقية، ولدت في بغداد، ونشرت لها أعمال أدبية أبرزها “أنفاس السحر”، و”أفواف الزهر”، و”مجنون ليلى” (الصحافة العربية)
شعرها قويّ رصين التزمت فيه الطريقة العمودية الأصيلة وغلب عليه الحزن والتفجّع والألم. ونزعت إلى التصوّف فنظمت في الزهد والعشق الإلهي قصائد من عيون الشعر
تعد عاتكة الخزرجي من أبرز شاعرات العراق في العصر الحديث، ضم شعرها بين قوافيه روح بغداد وعشقها وصوفيتها وشوقها للماضي وصبابتها للحاضر، مع أنها نهلت من ثقافات مختلفة في دار المعلمين في بغداد ومن سفرها خارج البلاد.
ولدت الخزرجي في بغداد عام 1924 وتوفيت في 9 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1997. رعتها أمها عقب وفاة والدها بعد 6 أشهر من ولادتها (وكان متصرف لواء الموصل)، ونشأت في بيت مليء بالدفء والحنان العائلي، أدخلتها والدتها المدرسة في حداثة سنها فاستمرت في دراستها وأثناء ذلك برزت موهبتها العالية في الشعر العربي.
بدأت الخزرجي كتابة الشعر في سن الـ14، وحصلت على بكالوريا الفنون في معهد المعلمين العالي في بغداد، ثم تسلمت وظيفتها كمعلمة. سافرت إلى باريس عام 1950 والتحقت بجامعة السوربون وحصلت على الدكتوراه في الأدب العربي عام 1955.
وبعد عودتها إلى بلدها عينت مدرسة في قسم اللغة العربية بدار المعلمين العالية (كلية التربية – جامعة بغداد)، ثم أستاذة للأدب العربي الحديث في كلية التربية بجامعة بغداد، وبقيت في عملها حتى أحيلت إلى التقاعد في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
سمات شعرها
نشرت الخزرجي مجموعة من أعمال الشاعر عباس بن الأحنف عام 1954، كما نشرت عملاً عن الشاعر إسماعيل صبري. وأصدرت ما يقارب 10 كتب ما بين الشعر والمسرحية والنقد والتحقيق منها دواوين شعرية “أنفاس السحر” القاهرة 1963، و”لألأء القمر” عام 1975، و”حياة العباس بن الأحنف وشعره” (بالفرنسية) وترجم إلى العربية ونشر عام 1977م في بغداد، ولها مسرحية شعرية باسم “مجنون ليلى”.
وقد حصرت أدبها وشعرها في الأدب العربي فقط، لكن في شعرها نزعة تقليدية لتأثرها بالعباس بن الأحنف والمتنبي، وكان الطابع القصصي أبرز ما يتسم به شعرها.. وفيه نغمة وموسيقى رائعة. ويجد القارئ في شعرها قوة المعنى وترابط الأبيات. ونجده في قصيدتها “أمي” التي تقول فيها:
أمّا هواك فلست من أنساه يوما إذا نسي المحب هواه
أواه ! لو تدرين ما فعل الجوى بحشاشة عزت عليها الآه
يدري الورى خبري ولا من لائم فهواك ما يدعو إليه الله
ومن قصائدها الصوفية:
عشقتُكَ يا ربّ عِشْقَ الذليل
لـمولى جليـل عزيـز المكــان
وكم عند بابك طال الوقـوف
وطاب لديك الهــــوى والهوان
وأنتَ جميلٌ تُحبُّ الجمـال
فأنّى تجلّيـت كـان افتــتـان…
فوجهُك قِبلتُنـا في الصــلاة
وذكرك تسبــيحنـا كلّ آن…
أحِبّكَ فوق الهوى والفتون
وما أنا إن قلتُها مُعربــه
وماذا يقول بك العاشقـون
وعن بغداد، قالت:
بغداد أن أزف الوداع وصاح بي داعي الرحيل مناديا بنواك
وشددت من فوق الحشا واستعبدت عينان لم تدر البكا لولاك
لولاك يا بغداد ما اخترت النوى وتركت أمي والحمى لولاك
الشاعرة الحالمة
يقول الباحث دكتور سيار الجميل عن ذكرياته معها في كتابه (نسوة ورجال) “إنها الحالمة عند الغسق الرائع عندما تصفو الحياة من وعثائها.. وهي صاحبة الصوت الرخيم في غناء الشعر.. وتموسقه بهدوء ورقة”.
وقال عنها الكاتب صدام فهد الأسدي “الشعور الصوفي أو ذو النزعة الصوفية بات هو السمة التي تميز شعرها الراقي في مخاطبتها للرمز سواء كان الغائب الحاضر من الوطن، وهو الحب الأكبر وتتوسع دوائر هذا العطاء الوجداني لتشمل كل نبض القلب عند شاعرتنا نابع من القلب والوجدان. إنها المرأة المتمرسة في صنع أجيال من المبدعين”.
ووصفها أحد طلبتها الدكتور نجاح كبة في حديثه للجزيرة نت قائلا “أهم سماتها احترام العلم والصرامة في تقديس الدرس الأدبي. وكانت عاتكة تحب العزلة من أجل المناجاة، وتذكر بأنها عرفت الله ومن ثم عرفت نفسها عبر وحدتها التي تصفو نفسها فيها للأقدار.. وكان لذلك تأثيره في ينبوع صفائها بذكرها الله كثيرا في قصائدها، وكأنها في محراب تصوفي لا أول له ولا آخر”.
وعنها قال الناقد الراحل دكتور صفاء خلوصي إن “شعرها قويّ رصين التزمت فيه الطريقة العمودية الأصيلة وغلب عليه الحزن والتفجّع والألم. ونزعت إلى التصوّف، فنظمت في الزهد والعشق الإلهي قصائد من عيون الشعر”.
ويقول الناقد علي الفواز للجزيرة نت “من الخطأ أن نقرأ الحاضر بعيون الماضي لأن آراء ذلك الزمن جاءت وفق نسق ثقافي كان سائدا آنذاك.. والخزرجي حافظت على القصيدة باعتبارها قصيدة خيالية، حافظت على وضوحها وتركيبتها”.
ويستدرك “لذا من الظلم بحقها أن نقول اليوم ما لا يتفق وزمانها.. لأنه كان جزءاً من النسق الثقافي آنذاك. هذه القضية لم تكن مسألة فنية بحتة بل هي جزء تاريخي داخل الثقافة العراقية والعربية حين تفككت الكثير من المركزيات ونقل الثقافة من الاتحاد السوفيتي وأوروبا إلينا”.
وعنها أيضا تقول الشاعرة آمنة عبد العزيز للجزيرة نت “كان صوت الخزرجي رخيما في غناء الشعر وكانت تموسقه بكل هدوء ورقة حتى تحيل المكان إلى بستان وافر الظلال تشدو به البلابل والطيور. وراحت تسمّي نفسها “ابنة الآلام والشعر والحب”.