حرية – (1/12/2021)
حمزة مصطفى
أوائل عشرينيات القرن الماضي الهتنا مس بيل “عن كل مكرمة” حالنا في ذلك حال قوم عمرو بن كلثوم, بنو تغلب حين إنشغلوا بقصيدته التي من أبياتها “الا لايجهلن أحد علينا .. فنجهل فوق جهل الجاهلينا .. ونشرب إن وردنا الماء صفوا ..ويشرب غيرنا كدرا وطينا.. إذا بلغ الفطام لنا وليد .. تخر له الجبابر ساجدينا”. وفي العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين شغلتنا الفتاة الشقراء “خاف تزعل إذا قلت عجوز” جينين بلاسخارت ممثلة الأمم المتحدة في العراق. إذن مكتوب علينا عند كل رأس مائة عام تطلع لنا إمرأة غربية شقراء حمراء مصقول عوارضها كما يقول صاحبنا الأعشى تلعب بينا “جولة”.
إمراة أخرى وإن كان دخولها طارئا على تاريخنا المعاصر لكنها شغلتنا طوال السنوات الثلاثين الماضية وهي السفيرة الأميركية في العراق إبريل غلاسبي. قصتها أثناء لقائها مع رئيس النظام السابق صدام حسين أخذت منا ومازالت “سير وسريدة” وذلك لجهة ما إذا كانت قد ورطت صدام في غزو الكويت أو أوحت له بذلك بطريقة ما. الحاصل أن غلاسبي دخلت هي الأخرى حالها في ذلك حال زميليتها مس بيل أوائل القرن العشرين وبلاسخارت أوائل القرن الحادي والعشرين مجال الجدل والنقاش الذي لاينتهي الى نتيجة عندنا دائما بسبب نظريات المؤامرة التي تسيطر في الغالب على رؤيتنا للتاريخ وطريقة تعاطينا مع أحداثه وتحولاته.
إذا “خلينا” مس بيل وغلاسبي “على صفحة” ودخلنا سياق الجدل بشأن منصب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق الذي تشغله حاليا جينين بلاسخارت فإننا حيال فرضية أخرى من فرضيات الرؤية المسبقة الى التاريخ وفي الغالب على طريقة “حب وإحكي وإكره وإحكي”. فمن يحب بلاسخارت ينظر اليها بوصفها موظفة أممية تؤدي دورها مثلما أداها من سبقوها بدء من البرازيلي ديميلو الذي قضى في أول تفجير طال بعثة الأمم المتحدة بعد شهور قليلة من سقوط بغداد وحتى يان كوبيش. ومن يكره بلاسخارت لهذا السبب أو ذاك فإنه ينظر اليها بوصفها مصدر كل الشرور والآثام والمشاكل والمصايب والطلايب التي نعانيها.
قصتنا مع بلاسخارت والتي تتوجت بإطلاق وصف “العجوز” عليها وهي السيدة التي لم تتعد الثامنة والأربعين من العمر بدأت مع تظاهرات تشرين الأول عام 2019 وبلغت ذروتها في الإنتخابات الأخيرة. فالمؤيدون لبلاسخارت ربما يضعونها في منزلة ملائكة الرحمة بينما الساخطون منها يضعونها في منزلة الشياطين. وكلا الرؤيتين تتسم بقصر النظر الى حد كبير. فلاهي أو من سبقها يمكن تصنيفهم على طريقة الزعيم عادل إمام “يبيض يسود” ولا هي يمكن أن تكون بديلا لنا إن كنا نحبها أو نمقتها. بلاسخارت أعلنت إنها تعاني من التنمر في العراق لاسيما بعد إطلاق تسمية “عجوز” عليها. ومع إنها ردت الصاع صاعين لمن يصنفها عجوز حيث أن أعمار هؤلاء أزيد منها بعشر سنوات, فإننا مازلنا ننتظر ماهي الخطوة التالية لها. هل يكفي الإعتذار مثلا؟ أم تصر على معرفة من صاحب هذا الوصف؟ هل تقبل نقيد الحادث ضد “البعض” أو “الطرف الثالث” في ظل تنصل الجميع عن إطلاق هذه التسمية؟ الخشية أن تصر عشيرة بلاسخارت على تزويجها ممن أول من أطلق عليها وصف العجوز. شئ جميل أن يكون نسيبنا .. إنطونيو غوتيريش.
مقالي في جريدة “الزوراء” اليوم