حرية – (5/1/2022)
حمزة مصطفى
على غير عادته إستيقظ المدعو الروائي لاحقا فيودور دوستويفسكي مبكرا صباح الجمعة الماضي ليجد رسالة نصية على هاتفه النقال تتحدث عن جريمة. جريمة؟ ما الجديد؟ إبتسم قبل أن يرتشف فنجان قهوته التي بات يعدها له عامله البنغالي بعد أن صار أحوال إثر نشر روايته “الجريمة والعقاب”. عاد ليتساءل من جديد قبل الدخول في التفاصيل .. هل من جديد في عالم الجرائم بعد جريمة بطلي راسكولينكوف؟ بقي صافنا حائرا بين عنوان الخبر جريمة غامضة في منطقة جبلة شمال شرق بغداد تؤدي الى مقتل عائلة كاملة من 20 شخصا بينهم طفل عمره 15 يوما, وبين خياله الذي وصفته ثلاثة قرون (التاسع عشر والعشرون والحادي والعشرون) بأنه من أعظم الأخيلة الروائية.
إهتز فنجان القهوة حين إنتهى صاحب “الجريمة والعقاب” التي توجته روائيا لايشق له غبار من هول مفاجأة العنوان. عاد لينظر الى نسخة أصلية من روايته سلمت بإعجوبة من القرصنة في شارع المتنبي وعينه على التفاصيل بعد أن أدرك إنه ربما يكون قد أخذ غفل أو ربما كان على نياته. هل يعقل ذلك؟ ماذا أقول من الآن فصاعدا للناشرين في مختلف اللغات؟ كيف أبرر ماحققته من “خبصة” في عالم النقد في كل أنحاء العالم؟ توكل دوستوسفسكي على الله ودخل في تفاصيل الخبر. ضابط إستخبارات لديه مشكلة عائلية مع صهره يخبر الأجهزة الأمنية عن وجود إرهابيين في منزل عمه. ولأن الخبر مركب فإن العم مثلما تقول الروايات متهما بالإرهاب وفي حال لم تكن الأدلة كافية فإن التهمة الجاهزة الأخرى هي تجارة المخدرات. توقف دوستويفسكي قليلا ليستعيد بعض تفاصيل روايته التي شغلت ومازالت 3 قرون وسال نفسه .. ماذا فعل بطلي راسكولينكوف؟ نسي للوهلة الأولى الثيمة الرئيسية ثم سرعان ما إستعاد توازنه قائلا قتل المرابية العجوز إيفانوفا؟ طيب لماذا قتلها؟ والله نسيت التفاصيل .. تدرون قبل أكثر من 150 سنة. إستمر في التفاصيل. داهمت القوة المنزل وحطمته على كل من كان بداخله. من كان بداخله؟ 20 جثة متفحمة لأب وأم (جدان) وأبناء وبنات وحفدة وأسباط كان أصغرهم لم يتعد يومه الخامس عشر.
هال دسوتيفسكي ما رأى؟ نظر الى النسخة الأصلية من روايته “الجريمة والعقاب” التي ملأت الدنيا وشغلت الناس لمجرد راسكولينكوف قتل إيفانوفا لكي يسرق أموالها. هرع الى الريموت كونترول بحثا عن فضائيات تكشف له السبب الرهيب لقتل هذه العائلة بينما صرخ في عامله البنغالي طالبا منه عمل أركيلة معسل أبو التفاح بعد أن باغتته التفاصيل. أي جريمة وأي عقاب؟ أيعقل إنني إستحوذت على عقول البشربة برواية كل جريمة بطلها قتل إمراة مرابية لأنه كان فقيرا ولا سبيل له غير إرتكاب تلك الجريمة وتحمل عواقبها. وصلت الأركيلة. طلب دوستويفسكي من العامل التوقف لكي يقرأ له الخبر. أخذت خدود العامل البنغالي الصفراء تحمر وتخضر باحثا عن نوع العقاب لمثل هذه الجريمة. صرخ دوستويفسكي صرخة مدوية ومزق الجريمة والعقاب ورقة ورقة حين وصل الى العقوبة.. إقالة قائد الشرطة. العامل البنغالي إنسحب بإرتباك مرددا مع نفسه .. لا ربطت.