حرية – (5/1/2022)
كشف صالحي عن مهمات لعبها “فيلق القدس” في مساعدة الثائرين على نظام القذافي عام 2011
فتح وزير الخارجية الإيراني الأسبق، علي أكبر صالحي، ملف الدور الإيراني في ليبيا، الذي يعتبر من أكثر أدوار التدخل الخارجي في البلاد غموضاً. فقد كشف، خلال تصريح أدلى به، عن مهمات لعبها “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني في مساعدة الثائرين على نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي عام 2011.
وإذ ركز صالحي على أدوار إنسانية لعبها الفيلق المثير للجدل في مساعدة جرحى الثوار الليبيين وقتها، فإن تقارير دولية عدة وحوادث كثيرة وقعت في الأعوام التالية، أبرزها القضية التي اشتهرت في ليبيا قبل سنوات باسم “خلية حماس”، تشي بأدوار أشد خطورة تقوم بها إيران في هذا البلد الغني بالنفط ويعيش فوضى أمنية وسياسية منذ عقد كامل. وقد حفزت تلك الظروف كثيراً من القوى الإقليمية للتنافس في ميادين مختلفة على أراضيه.
“فيلق القدس” في ليبيا
في التصريح الإيراني الرسمي الأول عن تدخل طهران في ملف الأزمة الليبية، كشف صالحي عن حضور “فيلق القدس” في ليبيا وتقديم خدمات لمجموعة لم يكشف عن هويتها تحت غطاء الهلال الأحمر الإيراني.
وقال صالحي، في مقابلة نشرتها صحيفة “خراسان” الإيرانية، إنه “خلال زيارته ليبيا في عام 2011، في خضم ثورة فبراير (شباط) التي كانت مشتعلة وقتها، رأى عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني تساعد جرحى الثوار الليبيين”.
وتابع أن “الفيلق كلف مرافقاً لمساعدة الهلال الأحمر الإيراني”، إلا أنه لم يكشف نوع المهمة التي كلف بها هذا المرافق، ولماذا استخدم “فيلق القدس” الهلال الأحمر الإيراني، أو الجهة التي ساعدها.
وأطلق صالحي هذا التصريح بالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية لاغتيال القائد السابق لـ”فيلق القدس” ذراع التدخل الخارجي للحرس الثوري قاسم سليماني، بالقرب من مطار بغداد.
واعترف صالحي بتدخل سليماني في تعيين السفراء في شمال أفريقيا، ودول معينة في المشرق العربي، موضحاً أنه “من أجل تعيين سفيري إيران في ليبيا وتونس، كان يجب أن يجتمع مع سليماني للتنسيق معه، وتم آنذاك تعيين بيمان جبلي، المدير الحالي لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، سفيراً لطهران لدى تونس، وحسين أكبري سفيراً لدى طرابلس، بعد موافقة سليماني على تعيينهما”.
ماذا تريد طهران من ليبيا؟
ويعتبر الأكاديمي الليبي مرعي الهرام أن “طبيعة الأهداف التي تسعى إليها إيران عبر وجودها في ليبيا تشبه إلى حد ما الأهداف من التدخل التركي، مع الاختلاف في حجم التدخل ونوعه من البلدين، ولكن يبقى الهدف وضع قدم في بلد يمتلك أطول شريط ساحلي مواجه لأوروبا، ما يعطيه أهمية استراتيجية مغرية لأسباب عدة”.
وأضاف “إيران وتركيا تحاولان صنع قاعدة لهما في ليبيا لاستخدامها ورقة ضغط على أوروبا في الملفات الساخنة بين كل هذه الأطراف، منذ زمن طويل، خصوصاً الملف النووي لطهران، ورغبة تركيا الملحة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”.
ويشير إلى أنه “بالتأكيد، ليست هذه هي الأهداف كلها من التدخل الإيراني في ليبيا، ولكنها قد تكون أهمها، إضافة إلى إغراء الثروات الليبية، ورغبة طهران في السيطرة على منفذ بحري ذي أهمية كبيرة، بعدما فرضت هيمنتها منذ سنوات على مضيق هرمز، ولا يخفى على أحد استخدامها له في صراعها مع الغرب”.
مطاردة اليورانيوم
ويرى الصحافي عمر الجروشي أن “التغلغل الإيراني في ليبيا بعيد كل البعد عن الأهداف السياسية والاقتصادية، فطهران تسعى خلف مطلبها الأول والأهم حالياً وهو اليورانيوم”.
ويقول الجروشي “كثيرون لا يعلمون بوجود هذا الكنز الثمين ضمن قائمة الثروات الليبية الواسعة التي تقف وراء التدخلات الخارجية فيها أخيراً، وكثيرون أيضاً لا يعلمون أن اليورانيوم كان سبباً مباشراً للحرب الليبية – التشادية في ثمانينيات القرن الماضي، التي شاركت فيها فرنسا، والخلاف لم يكن على جبل أوزو المهجور على الشريط الحدودي القاحل بين ليبيا وتشاد، بل على هذا المعدن الموجود فيه بكميات كبيرة”.
ويتابع “بالتأكيد، استخبارات دولة عميقة وبوليسية مثل إيران تعلم بوجود اليورانيوم في ليبيا، لأنها تلاحقه في كل مكان لاستكمال مشروعها النووي، الذي تسبب لها في صدامات كثيرة مع الغرب في السنوات الماضية، وحملة تضييق عليها لمنعها من الحصول على أي كمية ولو ضئيلة من اليورانيوم”.
حديث قديم
وكان الحديث عن طبيعة التدخل الإيراني في ليبيا قد تنامى منذ منتصف العام الماضي، بعد أن حذر تقرير تحليلي نشره موقع “ووتش أورشليم” الإخباري الإسرائيلي (بالإنجليزية) في أغسطس (آب) 2021، من امتداد مستقبلي محتمل للنفود الإيراني يشمل ليبيا ومصر وإثيوبيا.
وذكر التقرير أن “إيران بوصفها قوة عظمى إسلامية راديكالية ذات سياسة خارجية استفزازية ومندفعة، تسعى إلى ضم ليبيا ومصر وإثيوبيا إلى سيطرتها الممتدة من العراق لفلسطين ولبنان وسوريا والصومال واليمن”.
وأشار التقرير إلى أنه “بسبب امتلاك إيران إمبراطورية من الدول بالوكالة والجماعات الإرهابية التي ترعاها في جميع أنحاء المنطقة في الدول الست، جعلها متعطشة لإضافة مزيد من الدول إلى فتوحاتها، وهذه الدول ستكون ليبيا ومصر وإثيوبيا على الأرجح”.
وخلص التقرير إلى “تأكيد رغبة إيران في السيطرة على مناطق بحرية إضافية في شمال أفريقيا وجنوبها الغربي، في ظل سيطرتها على مضيق هرمز ومساعي الحوثيين التابعين لها للسيطرة على مضيق باب المندب، ما يعني أن السيطرة على قواعد في البحر الأبيض المتوسط ذات أهمية استراتيجية كبيرة لمشروعها التوسعي”.
في المقابل، لم تصدر طهران أي تصريح رسمي تعليقاً على هذا التقرير وتقارير أخرى سارت على نهجه.
خلية “حماس”
ويربط العديد من المراقبين للشأن الليبي بين وجود إيران الغامض في ليبيا والوجود المكشوف لحركة “حماس” فيها منذ سنوات، الذي ظهرت تفاصيله إلى العلن منذ إعلان السلطات الليبية في 2016 القبض على خلية فلسطينية تابعة للحركة، تقوم بنشاطات عدة غير شرعية مثل التجسس وتهريب السلاح.
وكانت المحكمة العسكرية في العاصمة طرابلس، فرضت في 21 فبراير 2019، أحكاماً مشددة على أربعة فلسطينيين تابعين لحركة “حماس”، اعتقلوا منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2016، وتراوحت بين 17 و22 عاماً، بتهم الضلوع في تهريب شحنات أسلحة إلى “حماس” في غزة، وتشكيل تنظيم أجنبي سري داخل ليبيا، وحيازة السلاح، والتآمر على أمن الدولة، في قضية أثارت جدلاً واسعاً وقتها.
واتهمت تقارير دولية عدة وقتها “حماس” بتلقى دعم عسكري من “حزب الله” اللبناني وإيران عبر شحنات أسلحة منطلِقة من ليبيا، أو تلك التي تمر عبر السودان، من خلال دفع رشى نقدية سخية لقبائل في مصر.