حرية – 31/1/2022)
أنفقت من المال العام على رحلات بالطائرات والمروحيات الخاصة وتثير أسئلة بشأن الجدية في مكافحة التغيّر المناخي
كُشف عن أن العائلة المالكة أنفقت أكثر من 13 مليون جنيه سترليني (17.5 مليون دولار) على رحلات جرت على متن الطائرات والمروحيات الخاصة، خلال أقل من عشرة أعوام سبقت تحوّلها إلى رأس حربة أثناء قمة “كوب 26” المناخية في المطالبة بمكافحة أزمة التغيّر المناخي.
وفي “قمة غلاسكو للمناخ”، أطلق أفراد العائلة المالكة بمن فيهم الملكة والأميرين تشارلز وويليام، رسائل مدوّية وصارمة إلى قادة العالم بشأن التهديد الذي يطرحه التغيّر المناخي على كوكب الأرض. وقد علا صوت الملكة في حث أولئك القادة على التحرك فوراً والعمل “لإنقاذ أطفالنا وأطفال أطفالنا”.
في المقابل، كشف تحقيق أجرته صحيفة “اندبندنت” أن العائلة المالكة أجرت رحلات على متن طائرات ومروحيات خاصة كلّفت ملايين الجنيهات الاسترلينية التي جاءت من جيوب دافعي الضرائب خلال الأعوام الثمانية الماضية، ما استرعى اهتمام ناشطين بيئيين وضعوا ذلك الأمر تحت التدقيق. وأشار أحد أولئك النشطاء إلى أن الناس “يصدقون الأفعال أكثر بكثير من الأقوال”.
واستطراداً، جاء ذلك التدقيق في أعقاب انتقادات كثيرة طاولت قادة العالم والبعثات ممن اختاروا السفر إلى مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغيّر المناخ (كوب 26) الذي عُقد في غلاسكو أثناء نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت، على متن طائرات خاصة التي تُعدّ أكثر تلويثاً بـ14 مرة لكل راكب، بالمقارنة مع الرحلات الجوية التجارية، بحسب تقرير جديد. وكذلك اندرج رئيس الوزراء بوريس جونسون والأمير تشارلز بين الشخصيات التي استخدمت طائرات خاصة في حضور تلك القمة.
وفي التفاصيل، يرد أن تمويل السفر الرسمي للأسرة المالكة من أموال دافعي الضرائب عبر “الصندوق المنح الملكية”. وكشف تحليل شامل أعدّته صحيفة “اندبندنت” وتطرق إلى بيانات السفر ونُشر في الحسابات السنوية في ذلك الصندوق من 2013/2014 حتى 2020/2021، عن إنفاق 13.5 مليون جنيه استرليني (18 مليون دولار) في الأقل للسفر عبر استئجار طائرات ومروحيات خاصة. وتضمنت قائمة تلك الرحلات
– استخدام أمير ويلز ودوقة كورنوال رحلات مستأجرة خاصة خلال زيارات لمصلحة “مكتب وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث” إلى كولومبيا والمكسيك، جرت أثناء أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر 2014، في رحلات كلفت 446159 جنيه استرليني (601 ألف دولار تقريباً). وسافر الزوجان من مطار “بريز نورتون” للطائرات الخاصة إلى بوتيغا، ثم إلى مدن كارتاجينا ومكسيكو وكامبيش، قبل العودة مجدداً إلى مدينتي مكسيكو ومونتيري، والهبوط مجدداً على أراضي المملكة المتحدة
– إنفاق 210345 جنيه استرليني (284 ألف دولار) على رحلات خاصة مستأجرة أقلّت الأمير تشارلز إلى مسقط في يناير (كانون الثاني) 2020 لتأدية واجب العزاء لجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد بوفاة جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد. وسافر من إبيردين إلى مسقط قبل أن يتوجه إلى بلدة مارهام في مقاطعة نورفولك قرب ساندرينغهام.
– سفر أمير ويلز ودوقة كورنوال في زيارة رسمية لمصلحة “مكتب وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث” إلى الهند وحضور اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث في سريلانكا في نوفمبر 2013 بواسطة رحلات خاصة كلفت 350413 جنيه استرليني (471 ألف دولار). غادر الزوجان من بريز نورتون إلى نيودلهي قبل الذهاب إلى ديهرادون والعودة مجدداً إلى نيودلهي، ثم التوجّه إلى مومباي وكوشي وكولومبو والدوحة، ثم العودة بعد ذلك إلى المملكة المتحدة
– إنفاق أكثر من 200 ألف جنيه استرليني (296.5 ألف دولار) على الرحلات الخاصة المتسأجرة لاصطحاب الأمير تشارلز في زيارة رسمية لمصلحة “مكتب وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث” إلى المملكة العربية السعودية وقطر وأبو ظبي والبحرين في فبراير (شباط) 2014. وتم إنفاق ما مجموعه 228426 جنيه استرليني (307 آلاف دولار) على الرحلات من بريز نورتون إلى الرياض والدوحة وأبو ظبي والبحرين والعودة مجدداً إلى بريز نورتون
– استخدام أمير ويلز ودوقة كورنوال رحلات مستأجرة خاصة بتكلفة 239710 جنيه استرليني (323 ألف دولار) في زيارة رسمية لمصلحة “مكتب وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث” امتدت على أربعة أيام إلى الولايات المتحدة في مارس (آذار) 2015. غادرت الرحلة من بريز نورتون إلى قاعدة “أندروز” الجوية ولويسفيل قبل أن تعود مجدداً إلى بريز نورتون.
وفي هذا السياق، ذكر الدكتور دوغ بار، كبير العلماء في منظمة “غرينبيس” في المملكة المتحدة، أنه “مقابل كل ميل تجتازه في السفر، تكون الرحلة الجوية أكثر تلويثاً بمرات عدة من وسائل النقل الأخرى، وكذلك تُعتبر الطائرة الخاصة أكثر تلويثاً بمرات عدة من الرحلة العادية المجدولة. تكمن التغييرات الحقيقية التي نحتاجها لإصلاح مشكلة الطيران في إرساء تغييرات هيكلية تتمثل في جعل المؤتمرات من بعد والسفر بالقطار، أسهل وأقل تكلفة وتحديد الأسعار بما يتماشى مع البيئة والمناخ. بيد أنه يتحتم على كل شخص يود أن يُنظر إليه على أنه مثل أعلى في حماية البيئة أن يدقق أكثر في استخدامه للطائرات الخاصة. حينما تستقلون طائرة خاصة لإلقاء خطاب بشأن التغيّر المناخي، فمن المؤكد أنه لن يكون محتوى الخطاب هو الذي يترك أثراً لدى الأشخاص”.
وأشارت أليثيا وارينغتون، الناشطة في الجمعية البيئية “بوسيبل” Possible إلى أنه “يمكن لموقف الأسرة المالكة من القضايا البيئية أن يعطي تأثيراً إيجابياً في أزمة المناخ. بيد أن الدعوات التي يطلقها أعضاء النخبة الفاحشة الثراء لاتخاذ خطوات طارئة بشأن الأزمة المناخية تتعرض للتقويض والنسف حينما لا تتناغم الخيارات الشخصية لتلك النخبة مع الخطابات التي يلقونها. يمكن أن تكون الطائرات الخاصة بين 5 و14 مرة أكثر تلويثاً من الطائرات التجارية (لكل راكب) وتصدر عنها انبعاثات ملوثة أكثر بخمسين مرة من القطارات. وكذلك تصدر المروحيات أيضاً انبعاثات أعلى لكل راكب بالمقارنة مع القطارات أو السيارات الكهربائية”. وأضافت، “يصدق الأشخاص الأفعال أكثر بكثير من الأقوال، وفي حال اختارت كبار الشخصيات العامة كالعائلة المالكة وسائل سفر أكثر استدامة، فمن شأن ذلك أن يرسي مثالاً إيجابياً في إظهار أهمية العمل المناخي للجميع”.
وفي سياق متصل، أشارت هيلينا بينيت، كبيرة المستشارين السياسيين في منظمة “غرين أليانس” (Green Alliance) إلى أننا “في المملكة المتحدة وفي أنحاء أوروبا محظوظون بامتلاكنا شبكة سكك حديدية شاملة. وهذا ما أظهره رئيس الوزراء حينما اختار السفر بالقطار إلى القمة المناخية كوب 26 في زيارته الثانية. يشكل السفر في طائرات خاصة أحد أكثر الأمور غير المستدامة التي يُقدم عليها. وفيما تحدث أفراد العائلة المالكة عن التغيّر المناخي، ينبغي أن يكونوا قدوة للآخرين من خلال الحد من السفر وتجنب الطائرات الخاصة في آنٍ معاً”.
يُشار إلى أن مبلغ الـ13.5 مليون جنيه استرليني (18.1 مليون دولار) يغطي ما يناهز 2000 رحلة، لكنه لا يشمل بعض الرحلات التي جرت عبر رحلات خاصة مستأجرة خلال الأعوام المالية الأربعة السابقة، ما يعني أن ذلك الرقم مرشح للارتفاع أكثر. وتضمّن تحليل صحيفة “اندبندنت” تكلفة الرحلات الجوية المستأجرة أو رحلات الطائرات المروحية التي جرى تحديدها بصورة حصرية. وبدءاً من 2017/2018، تتضمن تكاليف بعض الرحلات طرق السفر المنفصلة كالرحلات العادية المجدولة لطاقم العمل، لكنها لا تقدم جداول مفصلة عن ذلك.
وعلى نحوٍ مماثل، برزت أمثلة تفيد عن استخدام أفراد من الأسرة المالكة مروحيات خاصة للتنقل بين مقار إقاماتهم في أنحاء المملكة المتحدة نفسها. وفي هذا الصدد، صدر في التقرير السنوي الأخير لـ”صندوق المنح الملكية الاحتياطي” أن “ما يرِد في صندوق المنح الملكية يتضمن تكلفة الرحلات الرسمية التي أجرتها الملكة، أو أنها جرت بمعيّتها، إضافة إلى أفراد آخرين من العائلة المالكة. ويُصنّف تنقّل الملكة ودوق إدنبرة الراحل وأمير ويلز ودوقة كورنوال ودوق ودوقة كامبريدج بين مختلف المقار، [يُصنّف] في خانة الرحلات الرسمية”.
وعلى نحو مماثل، تنقّل أفراد العائلة المالكة أيضاً في سفريات استخدموا فيها رحلات جوية تجارية مجدولة أو عبر القطار الملكي، ما أثار تساؤلات حول سبب عدم استخدامهم لتلك الوسائل بشكل أكثر تواتراً كخيار صديق للبيئة. وإضافة إلى مبلغ 13.5 مليون جنيه استرليني، صُرفت مبالغ للسفر على متن طائرات تابعة لـ”سلاح الجو الملكي البريطاني” من نوع “فواياجير” RAF Voyager ورحلات على متن طائرة “بريتش إيروسبيس” 146 (BAe146).
صورة ترجع إلى تاريخ 06 فبراير (شباط) 2017، تظهر أفراد من وحدة المدفعية الشرفية أثناء إطلاق مدافع ملكية من مربض قرب “برج لندن”، طلقات تكريمية احتفاء بذكرى صعود الملكة إليزابيث الثانية إلى العرش. وستحتفي الملكة باليوبيل البلاتيني لتسلمها العرش قبل 70 سنة لتسجل رقماً تاريخياً في ذلك (أ ف ب)
وفي رسالة عبر تقنية الفيديو، حثت الملكة التي كان مقرراً أن تحضر القمة المناخية “كوب 26” لكنها أحجمت عن ذلك بعد أن نصحها الأطباء بالراحة، [حثت] قادة العالم على صنع “مستقبل أكثر أماناً واستقراراً” للكوكب. كذلك حثتهم على التحرك “من أجل أطفالنا وأطفال أطفالهم”، وكذلك سلّطت الضوء على تحذير سبق لزوجها الراحل الأمير فيليب أن أطلقه في خطاب منذ أكثر من نصف قرن، تطرق فيه إلى التلوث العالمي.
وفي غضون ذلك، حضر الأميران تشارلز وويليام القمة. وأشار دوق كامبريدج، وهو الثاني في ترتيب خلافة العرش، إلى أن التغيّر المناخي يشكل تهديداً وجودياً يفوق وباء كورونا أهمية “إلى درجة أنه قد يتوجب علينا خوض ما يشبه الحرب”.
وفي الخطاب الذي ألقاه دوق كامبريدج خلال فعاليات القمة المناخية، أشار إلى أن “أبرز مسألة نواجهها” تكمن في “كيفية إصلاح كوكبنا”. وأعقب ذلك بتعليقات انتقد فيها الرحلات إلى الفضاء (سباق الفضاء) وصرّح لمنصة “بودكاست” على قناة “بي بي سي” (BBC) بـ”أننا بحاجة إلى أن ينصبّ تركيز بعض من أعظم عقول العالم على محاولة إصلاح هذا الكوكب، وليس السعي إلى إيجاد المكان التالي (غير الأرض) للذهاب إليه والعيش فيه”. وأضاف أنه “ليس مهتماً بتاتاً” في الذهاب إلى الفضاء البعيد وأشار إلى “المسألة الرئيسة” المتمثلة في بكلفة انبعاثات الكربون في رحلات الفضاء.
وفي سياق متصل، أضاف مات فينش، مدير سياسة المملكة المتحدة في حملة النقل والبيئة، “يشكل السفر بالطائرات الخاصة أحد أكثر وسائل النقل انبعاثاً للكربون، إذ تُصدر رحلة على متن طائرة خاصة تستغرق 4 ساعات كمية غازات الدفيئة ذاتها التي يصدرها شخص عادي في المملكة المتحدة خلال عام بكامله، عند قياس ذلك على أساس الاستهلاك. بالتالي، يتوجب على قادة العالم كافة أن يقدموا مثالاً للآخرين، ويتجنّبوا استخدام الرحلات الخاصة حينما تكون الرحلات التجارية متوافرة”.
واعتبرت كايت هويت، رئيسة السياسة في اتحاد بيئة الطيران Aviation Environment Federation، “من الواضح أن الأسرة المالكة لديها مسائل أمنية تأخذها في الاعتبار حينما تخطط للسفر. بيد أن الخيارات التي يتبنّاها كبار الشخصيات، على غرار أفراد الأسرة المالكة، بوسعها أن تترك تأثيراً كبيراً في مواقف الشعب، إذ يُنظر إلى السفر على أنه أمر مرغوب به بشدة وينهض به كبار القوم”.
وفي ملمح متصل، ذكر متحدث باسم “قصر باكنغهام” [مقر العائلة المالكة] أن “الغالبية الساحقة من الرحلات التي جرى التركيز عليها حصلت بطلب من الحكومة، بالتالي حُضّرت تلك الرحلات على أساس إرساء أفضل توازن بين الناحية الأمنية من جهة والفاعلية والحد من إزعاج المسافرين العاديين من جهة أخرى. تلتزم العائلة المالكة دعم الحاجة لمعالجة التغيّر المناخي بشكل تام، وتجري زيارات إلى الخارج وتُلبي دعوات لحضور المناسبات تمثيلاً للمملكة المتحدة. ولذا، قاد أمير ويلز شخصياً حملة الانتقال إلى استخدام وقود طيران أكثر استدامة، وصرح أيضاً بأنه لن يسافر قبل الخريف حينما سيُنجز اتفاق على استخدام وقود مستدام من قبل وزارة الدفاع”.