محمد الكعبي
قبل أن تقرأ هذا المقال عليك أن تضع معايير ومفاهيم في ذهنك، بأنَّ لا مقصود في هذا المكتوب، إنه مجرد أحاسيس أنقلها بصدق لمن يرى في أهل الجنوب بعض الصفات السيئة والغاية من مقالي هذا هو التوضيح لا التفاخر أو الكتابة بنفس مناطقي كوني واحدا من أبناء مدينة الصدر .
عندما تقول إنك من مدينة الصدر، أو أصلك من الجنوب، سيكون الكلام نحوك مقززا ولا يحمل أيا من معاني الإنسانية : ( شروگي، رعاع), وهنا نتساءل: ما هو ذنبنا ولماذا نحن سيئون بنظر بعض الناس، هل ذنبنا أننا ولدنا فقراء، وعشنا كل أنواع الضيم والقهر، ماذا فعلنا حتى اصبح أهل بغداد ينظرون لنا بنظرة الشخص غير المتحضر، وأننا لسنا أبناء المدينة الأصليين، على الرغم من أنهم أيضا من الوافدين عليها؟ لكن التمييز يقع علينا وحدنا فقط .
النسبة والتناسب مفتاح الانصاف
لنعترفَ ونقول بأن في مدينة الصدر- وأخص هنا- فيها من الشواذ ومدمني المخدرات والقتلة ومن لديهم قلة الذوق وغيرها من الصفات او السلوكيات السلبية، لكن لنضع كل المناطق بميزان واحد ونحكم , سنجد بأن السلبيات التي ذكرتها موجودة في كل المناطق وهي حالة طبيعية في كافة المجتمعات لكن بنسبة قليلة, وذلك نسبة الى عدد سكانها، فمثلا المعدل الوسطي لسكان كل مدينة من مدن محافظة بغداد هو من 500 الى 100 الف نسمة، وفي هذه المناطق ستجد الشاذَّ والمدمن وقليل الذوق والمنحرف، الأمر طبيعي للغاية، وتكون هذه الظواهر بنسبة لا يتجاوزون فيها الـ100 فرد على سبيل المثال، فما بالك بمدينة الصدر التي يتجاوز عدد سكانها أربعة ملايين نسمة، ولو وضعنا معيار قسمتنا الافتراضية بأن يخرج من كل 100 الف نسمة 100 شخص، غير مرغوب به، فان 4 ملايين نسمة سيكون فيهم قرابة أربعة آلاف سيء، علما أن هذه القسمة لم تخضع لاستبيان او دراسة بل هي تقديرية وتوضيحية، لنسبة السكان قبال المسيئين
الشر يعم والخير يخص
هل تعلم أن في كل زقاق من أزقة مدينة الصدر أكثر من شهيد ضحى بنفسه من أجل البلد أو راح ضحية الأعمال الارهابية، هذه المدينة لم تدخر جهدا في الدفاع عن الوطن، وهذه أعلى قمة في الاحساس بالمسؤولية فهم لا يعشقون الموت بل هم مجبرون على ذلك.
جدرانها الشائخة والمنهكة فيها رائحة الشباب لأنها لا تخلو من صور الشهداء، كما ان هذه المدينة في أي معركة يخوضها البلد أو أي انفجار ارهابي في بغداد تنال الحصة الأكبر، وأن أغلب شعراء بغداد ولاعبي الأندية والمنتخبات الوطنية وفي كافة المجالات الأخرى من مدينة الصدر، ولقد خرجت كثيرا من الموسيقيين والكتاب والمطربين والروائيين والصحفيين والمبدعين في كل المجالات ولا يسعني أن أذكر هنا الاسماء لأن القائمة طويلة، لكن ما يحزنني أن هذه الشرائح التي ذكرتها لا يذكرها الناقد لهذه المدينة، فالتركيز على السلبيات فقط ، لذلك يا سادة يا كرام نحن نتعرض إلى ظلم كبير
الحركات السياسية والفكرية وتأثيرها في المدينة
مدينة الصدر صارت شيوعية عندما لمع نجم الحزب الشيوعي في مرحلة ما، وصارت اسلامية بنضوج الافكار الاسلامية إبان نضوج حزب الدعوة، وحتى ثورة الشهيد الصدر الثاني (قدس)، وقد يخطر في ذهن القارئ بأن ما ذكرته هو يدل على تلون هذه المدينة وغير واضحة المبادئ، لا بالعكس أنا أتحدث عن مراحل زمنية متباعدة، وكل جيل كان متأثرا بما موجود من أفكار في زمنه، وهذا دليل على أنها مدينة مواكبة للحركات السياسية والفكرية الحاصلة في المجتمع في كل مرحلة زمنية مرت على هذا البلد، وهي منصهرة في المجتمع تتأثر وتتفاعل حالها حال بقية المدن والمناطق
التهميش والموت والفقر
أما التهميش فسكان هذه المدينة غالبهم من المهمشين، وهنا سوف استغرق بالكتابة لإضاءة هذا الجانب، وأبدأ بالتهميش على مستوى التعليم حيث أن هذه المدينة كانت مدارسها شبه إسقاط فرض من قبل الحكومات المتعاقبة، مثلا يوجد في الصف قرابة 50 طالبا، وتفتقر المدارس ألى مدرسين لأغلب المواد، ولكثرة الطلبة، يُعتمد نظام الدوام الثلاثي في مدارس المدينة، أي يكون الدوام 3 ساعات يوميا لا أكثر، وفي أيام الشتاء الممطرة، تغرق هذه المدارس بسبب مياه الأمطار ما تضطر الى تعطيل الدوام فيها لأسابيع، في حين تكون المدارس في المناطق الأخرى مجهزة بكل مقومات التعليم، ويكون التدريس فيها بشكل صحيح بنسبة كبيرة، وهنا ليس من العدالة، أن تهمش مدينة ما ثم تطالبها بأن يكون المستوى التعليمي لأفرادها متساويا مع أفراد مدينة أخرى موفر لها كل ما تحتاجه، وهنا يكون الخلل في الحكومات وليس بالفرد,
مثلٌ اخر للتهميش نجده في النظام الصحي فيها بحسب الأنظمة الصحية العالمية، بأن لكل 1000 مواطن طبيبا، ولكل 100 ألف نسمة مستشفى، في حين مدينة الصدر والتي وصل عدد سكانها الى 4 ملايين فيها مستشفيين فقط!! وفي صالة الطوارئ لكل مستشفى طبيبان فقط ؛ لذلك إن التهميش يولد الفقر، فإن لم تكن متعلما بشكل جيد، بالتأكيد ستكون ممن يعتمدون على قوتهم البدنية بدل العقلية في مصدر عيشهم، وهنا سيكون مصيرك معلوما وليس مجهولا ستكون حمالا او عامل بناء، وليس طبيبا او مهندسا، كما عملت الأنظمة السياسية على جعل رب الأسرة يعيش الظنك المادي، ما يجعل الأب يوجه الأبناء لترك المدرسة والتوجه نحو العمل لمعونته بتوفير لقمة العيش ورغم هذا التهميش إلا أنها مازالت مدينة حية تنتج ويخرج منها المبدعين كما يخرج اللؤلؤ من المحار
لذا الخلاصة من هذا الكلام، أبناء هذه المدينة ليسوا سيئين، بل هم أناس جار عليهم الفقر والأنظمة السياسية المتعاقبة، وعانى سكان هذه المدينة الجنوبي الأصل التهميش والحرمان، وفيها من الخصال الكثير من الاحسان، وكأنها شعر فرس عربي أصيل لونه أبيض ناصع، وفيه بعض الشعيرات السوداء، فلماذا تنظرون إلى الشعر الأسود القليل، ولا تنظرون إلى بياض الشعر الكثير والنازل على رقبة الفرس، علما هذا المقال لا أضع فيه أي شيء من فرض الرأي أو استنقاص من أي مدينة أخرى ، بل هو لإيضاح معاناتهم .. ولكم الحكم.