حرية – (16/3/2022)
قالت مصادر مطلعة إن السعودية تجري محادثات جادة مع الصين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الدولة الآسيوية الكبيرة بعملة اليوان، وهي خطوة من شأنها أن تقلل من هيمنة الدولار الأميركي على سوق الطاقة العالمية.
ويمكن اعتبار خطوة كهذه تحولاً تاريخياً، فيما لو تمت، بسبب أن الخطوة تتم بين أكبر مصدر للنفط الخام إلى ثاني أضخم اقتصاد في العالم، يستهلك الكثير من الطاقة في صناعاته.
هذه الخطوة لم تطرح للمرة الأولى، فقد قدمت الصين مشروع عقود النفط المسعرة باليوان في عام 2018 إلى المصدر الخليجي، كجزء من جهودها لجعل عملتها قابلة للتداول في جميع أنحاء العالم، لكنها توقفت فجأة قبل أن تتسارع هذا العام على وقع مستجدات سياسية، رجح مراقبون أن تكون السبب في إحياء هذا المشروع.
دوافع سياسية
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” التي نشرت الخبر، وفقاً لمصادر سعودية، إن القرار يأتي مدفوعاً بتوتر العلاقات الذي لم يعد سراً بين الرياض وواشنطن، بسبب سياسات البيت الأبيض في المنطقة.
ولا تلقى رؤية الأخيرة السياسية في المنطقة، من الملف النووي والمفاوضات مع إيران إلى حرب اليمن لاستعادة الشرعية، أو حتى الالتزامات الأمنية تجاه “حلفاء أميركا التقليديين” رضا دول الخليج، والسعودية بالتحديد.
بالنسبة إلى الصين، أصبح استخدام الدولار خطراً أبرزته قدرة العقوبات الأميركية المدمرة على إيران وروسيا، بسبب استخدامهما الواسع للدولار في تعاملاتهما الخارجية.
وتشتري بكين أكثر من 25 في المئة من النفط الذي تصدره السعودية، وإذا ما تم تسعيرها باليوان فإن هذه المبيعات ستعزز مكانة العملة الصينية.
بالمقابل، نفى مصدر سعودي ذو صلة لـ “اندبندنت عربية” صحة الخبر، وقال إن الخبر “لا أساس له من الصحة، ولم يتم طرح الموضوع أو مناقشته”، مشككاً في مصادر الصحيفة الأميركية ومعلوماته.
ويبلغ حجم الصادرات السعودية من النفط الخام إلى الصين قرابة 1.76 مليون برميل يومياً، من أصل 6.2 مليون برميل تستهلكها الدولة الصناعية الكبرى يومياً، فيما انخفضت صادراتها إلى السعودية عند قرابة 500 ألف برميل يومياً وفق أرقام إدارة معلومات الطاقة الأميركية في ديسمبر (كانون الأول) 2021.
وتتم قرابة الـ80 في المئة من مبيعات النفط العالمية بالدولار، ويبيع السعوديون، المصدر الأكبر في العالم، النفط حصراً بالدولار منذ عام 1974، في صفقة عقدتها إدارة نيكسون تضمنت ضمانات أمنية لصالح السعودية.
لماذا الصين؟
على النقيض من ذلك، تضخمت واردات الصين من النفط على مدى العقود الثلاثة الماضية، بما يتماشى مع اقتصادها الآخذ في التوسع. وكانت السعودية أكبر مورد للخام إلى الصين في عام 2021، إذ اشترت منها 1.76 مليون برميل يومياً، تليها روسيا بـ1.6 مليون برميل.
هذه الموازين أدت إلى تفكير السعوديين في إعادة تعريف علاقتهم الاقتصادية، بحسب ما قاله المسؤول السعودي للصحيفة الأميركية، “لقد تغيرت علاقتنا بالولايات المتحدة، وكذلك الصين، فقد باتت أكبر مستورد للخام في العالم، وهم يقدمون العديد من الحوافز المربحة للسعودية”.
وفي إجابة عن سبب تفضيل الصين بهذا الامتياز، قال “إنها دولة مرنة، إنها تقدم كل ما يمكن أن تتخيله لنا”.
فيما نقلت عن مسؤول أميركي كبير عدم ترجيحه لأخذ الرياض خطوة كهذه.
بترويوان!
ويمكن فهم استبعاد المسؤول الأميركي الخطوة لوعي السعوديين بحجم الكلفة التي يمكن أن يخلفها، فمن المستبعد فيما لو تمت هذه الخطوة أن تطال كل الصادرات، فلا يزال السعوديون متمسكين بإجراء معظم معاملاتهم النفطية بالدولار. لكن هذه الخطوة قد تغري منتجين آخرين لا يتوافقون مع أميركا كثيراً بتسعير صادراتهم الصينية باليوان أيضاً، مثل روسيا وأنغولا والعراق.
والعلاقة الاقتصادية بين البلدين بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة تأخذ بعداً أمنياً، فبحسب شبكة “سي أن أن” الأميركية، فإن الصين ساعدت السعودية في إقامة مشروع لتصنيع صواريخ باليستية، ووفقاً للمعلومات فقد تم رصد عمليات نقل متعددة واسعة النطاق لتكنولوجيا الصواريخ الباليستية بين البلدين، اطلع عليها مسؤولون أميركيون في عدد من الوكالات من ضمنها مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض.
وتشير لقطات من الأقمار الاصطناعية تم بثها في ديسمبر الماضي، عبر الشبكة التلفزيونية الأميركية، فإن السعودية تقوم بالفعل بتصنيع صواريخ باليستية في موقع أنشئ مسبقاً بمساعدة صينية، وفقاً للخبراء الذين حللوا الصور والمصادر التي أكدت أنها تعكس تطورات تتفق مع أحدث تقييمات الاستخبارات الأميركية.
ورداً على سؤال بشأن إذا ما كانت هناك أي عمليات نقل لتكنولوجيا الصواريخ الباليستية الحساسة بين الصين والسعودية، وصف متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية العلاقة بين بكين والرياض بأنها قائمة على أساس “شراكة استراتيجية شاملة”، مشدداً على أن البلدين “يحافظان على تعاون ودي في كل المجالات، بما في ذلك التجارة العسكرية”.
وأضاف المتحدث باسم الخارجية الصينية، في حديثه إلى “سي أن أن” أن “مثل هذا التعاون لا ينتهك أي قانون دولي ولا يعزز انتشار أسلحة الدمار الشامل”.