حرية – (28/4/2022)
خلال فترة العنف الطائفي بعد شباط عام 2006، كان السؤال الذي نبدأ به يومنا قبل التوجه للعمل، كسكان للعاصمة بغداد هو “هل سنعود إلى المنزل هذه الليلة”؟ ورغم هذا، لم يتخلّ مُعظمنا عن الحلم، بالدولة التي كنا ننتظر رؤيتها بعد العام 2003. كان هنالك رأيان، يقول الأول أن البلد “في حالة حرب”، ولذا فإن كل شيء مؤجل ومجمّد باستثناء حركة البنادق، بينما يقول الثاني أننا “في حالة حرب” ولذا علينا الانتباه، كي لا تجرفنا أجواء الحرب للتنازل عن حقوقنا البشرية للعيش في دولة، لا غابة. وزارة الداخلية، التي تسلّم وزيرها منصبه في حزيران 2006، أي بعد 4 أشهر من التطاحن الأهلي، تمكنت تدريجياً من فرض حزام الأمان، وطرد حفنة كبيرة من المسيئين، والعمل على تحسين صورة الشرطي التي لم تكن تمرّ بأفضل حالاتها. واحدة من حُجج السائقين، التي تنتمي إلى الكوميديا السوداء حينها، كانت أن حزام الأمان قد يعيقنا أثناء الخروج من السيارة فيما لو انفجرت مفخخة في الجوار، لكن التعليمات كانت صارمة.اعتادت الحواشي تاريخياً، على التملق للمسؤولين وان تصور لهم بأن الدنيا “قمرة وربيع”.. لكن في تلك الأثناء، كنّا نخبر وزير الداخلية، أن الناس لا يشعرون بالأمان حين يشاهدون قوّات الداخلية أو غيرها، وأن المواطنين لم يعودوا يميزون بين المسلحين مهما كان زيّهُم، وأن تغيير هذا الانطباع الشعبي هو التحدي الحقيقي للوزير، وأن عليه تأجيل اعتماد التقارير التي تصله من البطانة مؤقتاً على الأقل.لستُ بصدد تزكية الوزير جواد البولاني، الذي قرر اتخاذ مساره السياسي الجديد وفق قناعاته، لكن جولة صباحية في فوضى عاصمتنا كانت كفيلة أن تُذكّرني بخلطة “النجاح النسبي” للوزير البولاني.آمن الوزير بأهمية اعتراضات الصحفيين والنشطاء وركاب وسائقي سيارات الأجرة، ولم يعتبرها ثرثرة معادية، بل استثمر ما يسمعه، وأصغى إليه، ولم يعمل لإسكات المعترضين والمعارضين والناقمين.أما العنصر الثاني لنجاحه “النسبي مرة أخرى” فهو أنه تدرّج رسمياً في الدولة العراقية، وقاد مؤسسة ينتمي إليها ويفهمها، ولم يهبط بالبرشوت من الأعلى إلى الكرسي.والسبب الثالث، هو أنه رفض الاستسلام لفكرة أن البلد في وضع استثنائي وأن عليه التنازل، بل استمر في محاولة فرض الأشياء الصحيحة، حتى وسط عاصمة تفجرها يومياً 10 مفخخات، فما حجّة الجماعة اليوم في تبرير هذه الفوضى؟