حرية – (2/6/2022)
الين الحاج
بعد توقف مفاوضات فيينا النووية منتصف آذار الماضي، بدا جلياً ارتفاع منسوب الليونة لدى إيران وتلاشى التشدد الذي طبع مرحلة ما بعد توقف المفاوضات فيما داخلياً، انفجر الشارع الإيراني عبر موجة احتجاجات تم قمعها بالقوة، تضاهي بحدتها موجة الاغتيالات لقيادات في الحرس الثوري.
وكان التصعيد سيد الموقف من الجانبين الإيراني والأميركي سابقاً إذ اتهمت ايران واشنطن بعدم التصرف بواقعية، واشترطت رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة.
أما الرسائل المتبادلة بين الطرفين عن طريق الاتحاد الاوروبي، فعجزت عن ضخ الأوكسيجين في عروق المفاوضات وكذلك فعلت زيارة مبعوث الاتحاد الأوروبي للمفاوضات النووية إنريكي مورا إلى العاصمة الإيرانية طهران منذ نحو أسبوعين أذ أن شيئا لم يتحرك رسميا على مستوى استئناف المفاوضات.
من ناحية ثانية، تجاوزت الليونة الإيرانية الملف النووي لتطال المفاوضات الجارية مع الجانب السعودي والتي انتقلت من مرحلة المفاوضين الأمنيين الى المستوى الوزاري من خلال اللقاء الذي سيعقد نهاية الأسبوع والمرجح في 29 الجاري بين وزيري خارجية البلدين. ومن المتوقع أن يستكمل الإجتماع الإيراني- السعودي البحث في نقاط تم الاتفاق عليها كما ستتظهر أولى معالمها إن لم يطرأ طارئ في اليمن بداية لينسحب بعدها على سائر دول المنطقة المعنية حيث النفوذ الايراني.
ليونة ظاهرية
وعن هذه الليونة تحدث المستشار والخبير القانوني في المفوضية الأوروبية والمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الدكتور محي الدين شحيمي لـ “جسور” حيث قال “لا يوجد ليونة واقعية لدى إيران وإنما ظاهرية فقط وهي جزء من الخطة أو التكتيك متوسط المدى لاحتواء المرحلة وتخفيف الخسائر وتقييم المكتسبات”.
وأكد أن “إيران تطمح بأي طريقة ممكنة للوصول إلى الاتفاق النووي من جديد لانه فاتحة لإلغاء العقوبات المفروض عليها وللتحرر اقتصادياً بعد أن شكل الوضع الداخلي عبئاً كبيراً عليها”
واعتبر أن الوضع الحرج على الصعيد الداخلي الإيراني، أدى إلى ارتفاع مستوى القلق لديها “أولاً بسبب اختراقها الأمني المتزايد ما يدل على ترهل كبير في منظومة الهيكل الأمني الإيراني، إضافة إلى النتائج الدستورية للانتخابات في العواصم العربية حيث نفوذها كبير، إذ أتت مفاجئة لها وطردت فكرها ولو بشكل جزئي”
أما السبب الثالث لقلق إيران يعود بحسب شحيمي “إلى تقدم المملكة العربية السعودية عليها بالنقاط على المسرح الدولي لكون الأخيرة أصبحت مركز قرار ودولة مخططة في السياسات الدولية والملفات الكبرى وليس فقط دولة حليفة من الصف الأول”.
تبديل الأولويات
متابعة إيران الدقيقة للتطورات ولنتائجها السلبية عليها، دفعتها لاعتماد الليونة وتبديل أولوياتها كما يشير شحيمي مضيفاً “كي لا تزيد المصاعب على نفسها فالملف النووي ليس محور الكون والعالم لا يرضى بامتلاك إيران السلاح النووي، وكذلك المملكة العربية السعودية”
بالتالي باتت أولوية إيران “تصب على الشأن الداخلي لتطال بشكل خاص مسألة نظامها الثوري وإلى كسب المزيد من النقاط من خلال الاتفاق النووي ما يمكنها من بعض المكتسبات الاقليمية سواء لملفها اليمني والعراقي واللبناني” .
أهمية الملفات العربية
وتعطي إيران أهمية كبيرة “للملفات العربية خصوصاً العواصم العربية التي تتجمع فيها ما يسمى بالأذرع العربية لما يسمى بالثورة الإيرانية خارج إيران” كما يشرح شحيمي أن الفترة دقيقة بالنسبة للسياسة الإيرانية، فهى تسعى إلى المحافظة على مكتساباتها السابقة وعدم التراجع في الملفات الأخرى وعلى رأسها الملف النووي إذ أن أدنى تراجع وأي خلل من شأنهما أن يؤديا إلى عودة الاضطرابات الأمنية الى مختلف الساحات”.
لهذه الأسباب كافة، يلفت شحيمي الى قرار إيران التعامل بطريقة القطعة وبحساسية واحتراز في هذا الموضوع خصوصاً لشعورها بالتأخر أمام المجتمع الدولي والوضع الإقليمي، فدول الخليج العربي أصبحت في مكان آخر مختلف وتقدمت المملكة العربية السعودية بالنقاط أكثر على السياسية الإيرانية”
كذلك أشار إلى “أن الحيثية السياسية الدولية والاقليمية مختلفة أما شبه الاختلاف بين السياسية السعودية والأميركية على طريق الحل ويسجل تقارب أوروبي مع المملكة وخصوصاً على صعيد السياسة الفرنسية ما انعكس نتائج مثمرة على الواقع اللبناني وعلى حقيقة اضطرار إيران أن تتعامل بطريقة لينة لتستفيد أكثر من الظروف كونها لا تناسبها حالياً”
والالتئام والتناغم بين دول مجلس التعاون الخليجي والوقف الخليجي والسعودي تحديدا من مستقبل الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وكل هذه التطورات تنعكس بطريقة أو بأخرى.