حرية – (14/6/2022)
على خلاف التوقعات، تتجه المواقف الأولية لزعماء الإطار التنسيقي إلى استغلال انسحاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بنوابه من البرلمان، لتشكيل حكومة على مقاس الأطراف الموالية لطهران في العراق.
توقع مراقبون أن يلجأ الصدر إلى تحريك الشارع دون استبعاد مواجهة مسلحة مع الفصائل المسلحة التي يمثلها الإطار التنسيقي
هذه المواقف تثير مخاوف كبيرة من الخطوة المقبلة للصدر، إذ لا يتوقع أن يكتفي الصدر بالمراقبة، وهو ما أشار إليه تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”
ويتوقع التقرير أن تنزلق الأزمة السياسية في البلاد إلى “نزاع مسلح” في ظل امتلاك طرفي النزاع ميليشيات سبق أن تورطت في أعمال عنف.
ويصف التقرير، الأزمة السياسية في البلاد بـ “الأشد” منذ الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003، لتمثل واحدة من أكبر التحديات لنظام الحكم الشيعي في العراق.
نص التقرير:
شهدت سبعة أشهر من الجهود لتشكيل حكومة جديدة في العراق اضطرابات يوم الإثنين الماضي بعد يوم من توجيه رجل الدين الشيعي القوي مقتدى الصدر لأعضاء البرلمان الموالين له بالاستقالة من المقاعد التي فازوا بها في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر.
والصدر، الذي أصبح واحدًا من أكبر القوى السياسية في العراق منذ ظهوره في عام 2003، ليس له دور رسمي لكنه يقود الكتلة الأكبر في البرلمان المؤلف من 329 مقعدًا. وقدم 73 مشرعًا من حركته استقالاتهم يوم الأحد بعد انهيار أشهر من المفاوضات التي أجراها الصدر لتشكيل حكومة ائتلافية مع شركاء سنة وأكراد.
يوم الإثنين، قال مرشح الصدر لمنصب رئيس الوزراء، جعفر الصدر، وهو ابن عم رجل الدين الشيعي والسفير العراقي حاليًا في لندن، في منشور على تويتر إنه سيسحب ترشيحه.
وانهارت المحادثات بشأن تشكيل حكومة وسط خلافات حول من سيكون الرئيس. وبموجب النظام البرلماني العراقي الذي تأسس بعد أن أطاح تحالف تقوده الولايات المتحدة بصدام حسين في 2003، يرشح الرئيس رئيس وزراء وكابينته ويجب أن يوافق عليهم البرلمان بعد ذلك لتولي مناصبهم. وأشار مقتدى الصدر الزئبقي إلى أنّه بتخليه عن المفاوضات، كان يضحي بالمكاسب التي حققتها كتلته بشق الأنفس في انتخابات العام الماضي حتى يمكن تشكيل حكومة
وقال الصدر في بيان إن “هذه الخطوة تعتبر تضحية من أجل الوطن والشعب لإنقاذهم من مصير مجهول”. وأضاف “إذا كان بقاء الكتلة الصدرية يشكل عقبة أمام تشكيل الحكومة، فإن جميع ممثلي الكتلة مستعدون للاستقالة من البرلمان”.
وجاء إعلانه تتويجًا لأشهر من الشلل السياسي الذي سلط الضوء على خلل النظام السياسي العراقي وتفتت الكتل السياسية الشيعية المتعددة. وقد حلت هذه الانقسامات بين الشيعة محل التوترات الطائفية بين الجماعات السنية والشيعية في السنوات الماضية كمصدر رئيس لعدم الاستقرار العراقي.
وشكل الصدر، وهو ابن رجل دين شيعي محترم اغتيل خلال نظام صدام حسين، ميليشيا في عام 2003 لمحاربة القوات الأمريكية بعد أن تحول الغزو الأمريكي للعراق إلى احتلال. كما قاتل قوات الحكومة العراقية في بغداد وفي مدينة البصرة الجنوبية قبل حل ميليشياته، المسماة جيش المهدي.
ولم يتضح على الفور ما إذا كانت الاستقالات مجرد تكتيك تفاوضي من جانب الصدر أم قطيعة حقيقية مع السياسة البرلمانية. لكن انسحابه وإعلانه إغلاق معظم مكاتب التيار الصدري في جميع أنحاء البلاد أثار مخاوف من أنه قد يستبدل المفاوضات السياسية باحتجاجات مزعزعة للاستقرار في الشوارع – وهو أمر استخدمه من قبل كوسيلة للضغط.
“مع خروج الصدريين على ما يبدو من العملية السياسية الفعلية، فإن تاريخهم هو أنه عندما لا ينخرطون في السياسة، فإنهم يخرجون إلى الشوارع”، قال فيصل الاستشرابادي، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة إنديانا. “السؤال هو: هل هم في السياسة الانتخابية الرسمية أم أنهم يخرجون إلى الشارع بأسلحتهم؟”.
ويعتبر الصدر، الذي يقدم نفسه على أنه قومي عراقي، الزعيم السياسي الشيعي الأقل ارتباطًا بإيران. ويفتح انسحابه الباب أمام أحزاب أخرى مدعومة من إيران لإحراز تقدم في تشكيل حكومة.
ووصف محللون الاضطرابات السياسية التي أثارتها خطوة الصدر بأنها واحدة من أهم التطورات التي يحتمل أن تزعزع الاستقرار منذ انتخاب الحكومات العراقية التي يقودها الشيعة بعد الإطاحة بصدام حسين. وعلى الرغم من أن المسلمين الشيعة يشكلون أغلبية في العراق، إلا أن صدام حسين، الذي أعدم في عام 2006، اعتمد في الغالب على العرب السنة للحفاظ على سلطته.
ويرتبط المنافسون الشيعة الرئيسيون للصدر بالميليشيات المدعومة من إيران التي تشكلت في عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وهي الآن رسميًا جزء من قوات الأمن العراقية – على الرغم من أنها تخضع اسميًا فقط لسيطرة الحكومة.
“هذا تحد كبير للنظام الشيعي بعد عام 2003 لأن هذا هو في المقام الأول معركة سياسية بين الشيعة”، قالت رندة سليم، وهي زميلة في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن. وأضافت “كلا الجانبين مدججان بالسلاح الآن وقد أظهر الجانبان في الماضي استعدادًا للقيام بكل ما يلزم للحفاظ على النظام.
وقال محلل آخر هو زيد العلي مؤلف كتاب “الصراع من أجل مستقبل العراق” إن الانقسامات علامة على ضعف نفوذ إيران على السياسة العراقية. حاولت طهران منع الانقسامات بين الجماعات الشيعية العراقية التي يمكن أن تخفف من النفوذ الشيعي في عراق متعدد الطوائف والأعراق أو التي يمكن أن تسمح لأي جماعة شيعية واحدة بأن تصبح قوية للغاية.
وقال: “هناك قدر كبير من الانقسام في الطيف السياسي الشيعي، ولم تتمكن إيران من حل ذلك على الإطلاق”.
وقال عباس كاظم، وهو زميل بارز في المجلس الأطلسي مقيم في واشنطن، إنه حتى لو أدت الخطوة التي اتخذها الصدر إلى انتخابات جديدة، فإن ذلك لن يغير جذريًا المشاكل المستمرة في النظام السياسي الذي اعتمد، منذ عام 2003، على تقسيم السلطة بين مختلف التجمعات العرقية والطائفية.
والاستقالات نفسها لن تؤدي إلى إجراء انتخابات. وبدلاً من ذلك، فإن المرشحين الذين حصلوا على ثاني أكبر عدد من الأصوات في تشرين الأول/أكتوبر سيحلون محل الموالين للصدر في البرلمان، وفقا لخبراء القانون.
وقال خبراء دستوريون إن الاستقالات البرلمانية كانت سارية المفعول بعد قبولها من قبل رئيس البرلمان، السياسي السني محمد الحلبوسي، ولم تتطلب موافقة البرلمان.
وحذرت مؤسسة “الجدار” الإعلامية الموالية للصدر منافسي الصدر يوم الاثنين من أنهم يجب ألا ينظروا إلى الاستقالات على أنها أمر يجعل التيار الصدري غير فعال.
وقالت عبر تلغرام “إنهم ينسون أن أبواب الجحيم ستكون مفتوحة أمامهم وأن التيار الصدري قادر على إسقاط أي حكومة يشكلونها في غضون ساعات قليلة”.