حرية – (15/6/2022)
حمزة مصطفى
نحتفل سنويا في مثل هذا اليوم منذ 153 عاما بعيد الصحافة العراقية. ففي مثل هذا اليوم قبل قرن ونصف صدرت جريدة “زوراء” على عهد الوالي العثماني المصلح مدحت باشا. كحال سواها من الصحف واجهت “زوراء” التي إستقر إسمها فيما بعد الى “الزوراء” حتى اليوم ظروفا وتحديات مختلفة طبقا لطبيعة كل عهد وكل عصر. فمن حيث العهود إرتبطت الزوراء وسواها من مئات الصحف العراقية التي صدرت في عهود ملكية وجمهورية مختلفة إزدهارا مرة وإنكسارا مرة وربما مرات. يشمل ذلك الإزدهار زيادة في كميات الطبع وتوسع من حيث الصفحات والملاحق والكوادر والمردود المالي سواء عبر الدعم حكوميا أم غيرحكومي أو من خلال الإعلانات. أما الإنكسار الذي قد يصل حد توقف إصدار الصحيفة أو إيقافها عنوة لأسباب مادية مرة وسياسية مرات. وطبقا للعهود التي مرت بها الصحافة العراقية وهي عهود طويلة جدا لجهة عمرها الطويل تختلف من حيث طبيعة أنظمة الحكم وسقف الحريات في كل عهد.
أما من حيث العصر أو لنقل العصور فإن الصحافة خضعت لكل معايير التقدم والتحول التي خضعت اليها كل مجالات الحياة على كل الأصعدة التي شملت كل المهن. فالصحافة بوصفها صناعة رأي عام هي بعكس المقولة الشهيرة “حكي جرايد”. الصحافة مثل سواها من المهن الأساسية الأخرى هي نوع من الصناعة الثقيلة التي تحتاج الى بنى تحتية تمثلها المطبعة بالنسبة للصحف والمجلات لاسيما الورقية والمكاتب والأستوديوهات بمختلف أنواعها بالنسبة للقنوات الفضائية وكذلك الإذاعات والآن توسعت البنى التحتية لتشمل الأقمار الصناعية فيما يتعلق بثورة المعلومات وصولا الى الإعلام الرقمي وتجلياته مثل السوشيال ميديا.
لذلك حين نحتفل بتاريخ الصحافة العراقية ممثلة بأول جريدة “زوراء” مازالت تصدر “الزوراء” فإننا لانريد البقاء في مساحة الحديث عن الصحافة الورقية وهل تبقى تقاوم أم لا. المسألة أبعد من ذلك بكثير. فعند الحديث عن الصحافة في كل أنحاء العالم فإن الصراع من أجل البقاء يكاد يكون حالة عامة في كل أنحاء العالم ويشمل كبريات الصحف العالمية. لا أريد تكرار الكلام بشأن أحقية من في البقاء.. الصحافة الورقية أم التلفزيون أم اليوتيوب أم باقي المنصات الرقمية التي بتنا نتعامل معها عبر جهاز واحد هو الموبايل بات يختزل كل شئ. الصحافة اليوم في مقدمة ناقلي الحقيقة خبريا “ليس مهما أن يأتي الخبر عبر صحيفة ورقية أم لقطة تلفازية أم معلومة أنتريتية” بل المهم هو السرعة والمصداقية فضلا عن كمية الإشباع المعلوماتي التي يتضمنها هذا الخبر أو التقرير أو القصة الخبرية. ولأن الصحافة ومنها صحافتنا العراقية عاصرت حروبا كثيرة وقدمت مئات الشهداء في سبيل الحقيقة والحرية فإن العبرة تكمن في كيفية التوثيق وتقديم الحقائق والمعلومات وهو مايعني إنك حيال عملية كشف حقيقي لما يدور حولك. من هنا فإن ماتعبر عنه مختلف وسائل الإعلام وعبر الأمم والعصور إنما يمثل الناقل الحقيقي للحقيقة بقطع النظر عما إذا كان هناك زيف أو تزييف أوربما كلام ليس له مصداقية على أرض الواقع. إنطلاقا من هذا كله فإن الصحافة التي هي صناعة رأي عام قبل أن تكون مجرد خبر عن زيادة راتب للموظفين أوتوزيع قطع أراضي للفئة الفلانية هي ليست “حكي جرايد” مثلما إختزلها في فترة من فترة الظلام الجهلة والمتخلفين. فالإعلام اليوم بأجياله الجديدة وتطور منصاته ورقيا كان أم رقميا هو القاطرة الوحيدة القادرة على حمل كل تناقضات عصرنا. ورجل الإعلام اليوم صانع رأي وحكاية وموقف وقد يكون شاهدا وشهيدا في الوقت نفسه.