حرية – (16/6/2022)
لكَ الحمد إن الرزايـا عطـــاء ** وإن المصيبــات بعض الكـَـــرَم
كتب هذه الكلمات الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، بعدما استشرى المرض في جسده، وأفقده قدرته على الحركة، قبل أن يفارق الحياة شاباً، تاركاً وراءه إرثاً شعرياً خلد اسمه إلى يومنا هذا. تعالوا نروِ لكم قصة قصيدة “سفر أيوب”..
قصة قصيدة “سفر أيوب”
تعتبر قصيدة “سفر أيوب” من روائع الشعر الحديث، وقد حفظ كلماتها كثيرون في العالم العربي، بعد أن غناها الفنان العراقي سعدون جابر.
تروي القصيدة، التي كتبها الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، قصة إنسان راضٍ وحامد لله رغم معاناته الشديدة مع المرض.
وتعكس هذه القصيدة حكاية بدر شاكر السياب الشخصية مع المرض، وما تبعه من آلام جسدية؛ ففي عام 1961 بدأت صحة السياب بالتدهور، وبدأ يشعر بثقل في الحركة وآلام شديدة في أسفل ظهره.
تطورت تلك الآلام لتتحول إلى حالة ضمور في جسده وقدميه، كما بدت أعراض الشلل واضحة عليه؛ فأصبحت حركته صعبة للغاية، وبدأت رحلة البحث عن التشخيص والعلاج، فتنقل السياب ما بين بيروت ولندن وباريس، ليكتشف أخيراً أنه يعاني من مرض في جهازه العصبي، ولم تنجح جميع المحاولات للقضاء على هذا المرض وعلاجه.
وتزامن مرض السياب مع حالة مادية سيئة، زادت من تردي وضعه، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته، مع ذلك وعلى الرغم من كل تلك المتاعب التي كان السياب يمر بها، فقد كتب قصيدة “سفر أيوب” التي يحمد فيها الله على كل حال، بل يصف ما حل به من مصائب على أنها كرم وعطايا من الله، عز وجل، ويتحدث عن صبر النبي أيوب على مرضه وأوجاعه، وحمده الدائم لله رغم كل ما مر به.
مع الأسف، لم يجد السياب علاجاً لمرضه، وفي عام 1964، وبمساعدة صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي، سافر السياب إلى الكويت ليتلقى العلاج في المستشفى الأميري، حيث تكفل المشفى بتكاليف علاجه، لكن مرضه كان قد وصل إلى مرحلة خطيرة أعجزته عن الحركة، فبقي في المشفى إلى حين وفاته في العام نفسه عن عمر يناهز 38 عاماً، ثم نقل جثمانه إلى البصرة، ودفن في مقبرة الحسن البصري.
كلمات قصيدة “سفر أيوب”
لكَ الحـَمدُ مهما استطال البـــلاء
ومهمــا استبد الألـم
لكَ الحمدُ إن الرزايـا عطـــاء
وإن المصيبــات بعض الكـَـــرَم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
شهور طوال وهذي الجـِـــراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
ولكنّ أيّوب إن صاح صــــــاح
لك الحمد، إن الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمُ إلى الصدر باقاتــها
هداياكَ في خافقي لا تَغيــب
هداياكَ مقبولــة هاتها
أشد جراحي وأهتف بالعائديــن
ألا فانظروا واحسدونــي
فهذي هدايا حبيبي
وإن مسّت النار حرّ الجبين
توهّمتُها قُبلة منك مجبولة من لهيب
جميل هو السّهدُ أرعى سماك
بعينيّ حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك داري سناك
جميل هو الليل: أصداء بوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد، الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتبًا بعد ذاكَ الشفـــاء
من هو بدر شاكر السياب؟
من الجدير بالذكر أن بدر شاكر السياب هو واحد من أشهر شعراء العصر الحديث، كما يعتبر أحد مؤسسي الشعر الحر في الأدب العربي، وهو نمط يختلف عن قصائد النثر، فهو شعر موزون لكن متحرر من عدد التفعيلات التي تحدد شطر البيت في الشعر الخليلي.
ولد بدر شاكر السياب في قرية جيكور جنوبي العراق عام 1926، وفقد والدته عندما كان يبلغ من العمر 6 سنوات، وكان لوفاة أمه أثر عميق في حياته انعكس على أشعاره كذلك.
تخصص السياب في البداية باللغة العربية، ثم غير اختصاصه ليدرس اللغة الإنجليزية، وعُرف بميوله السياسية اليسارية.
وقد كان السياب أحد المناضلين في سبيل تحرير العراق من الاحتلال الإنجليزي، كما اشتهر بدعمه للقضية الفلسطينية، وبسبب مواقفه السياسية كان السجن مصيره.
بقي السياب فترة في العراق بعد خروجه من السجن ثم غادرها إلى إيران ومنها إلى الكويت، لكنه عاد لاحقاً إلى بلاده ليعمل هناك في مجال الصحافة.
وكان بدر شاكر السياب من المؤيدين للانقلاب على النظام الملكي في العراق، والذي قاده عبد الكريم قاسم عام 1958.
أما عن أعماله الأدبية فله عدة دواوين شعرية؛ بدأ بنشرها منذ عام 1947، منها أزهار ذابلة، وأساطير، والمومس العمياء، وحفّار القبور، وأنشودة المطر.
كما كان له مساهمات في ترجمة الكثير من الأعمال العالمية، وممن ترجم لهم السيّاب: الإسباني فدريكو جارسيا لوركا، والأمريكي عزرا باوند، والهندي طاغور، والتركي ناظم حكمت، والإيطالي أرتورو جيوفاني، والبريطانيان ت. س. إليوت وإديث سيتويل، ومن تشيلي بابلو نيرودا.