حرية – (18/6/2022)
أجرت السعودية والعراق مناورات عسكرية على الأراضي السعودية لأول مرة منذ هجوم النظام العراقي السابق على الكويت في 2 أغسطس 1990، تحت عنوان “الأشقاء العرب” في خطوة متقدمة للتنسيق العسكري والأمني بين البلدين تُبيّن بوضوح التوجهات الجدية لتعزيزها في جميع المجالات.
وأعلنت وزارة الدفاع العراقية أن قيادة الفرقة التاسعة من الجيش العراقي شاركت في تمارين المناورة البرية بين الجيشين السعودي والعراقي التي انطلقت في 13 يونيو (حزيران) الحالي، من مركز الأمير خالد بن سلطان لتمارين مركز القيادة، في شمال السعودية.
أما قائد المنطقة الشمالية في الجيش السعودي اللواء الركن صالح بن أحمد الزهراني، فقال إن “التمرين يهدف إلى تعزيز التعاون وتبادل التجارب العسكرية بين البلدين”. وأضاف أن “المناورات تأتي ضمن الخطة التدريبية المجدولة التي تنفذها القوات المسلحة السعودية مع قوات الدول الصديقة والشقيقة، بهدف رفع مستوى الجاهزية القتالية، وتبادل الخبرات والتجارب العسكرية الناجحة”.
نخبة من الضباط
من جهتها، ذكرت وزارة الدفاع العراقية في بيان أن المناورات تمت بمشاركة ضباط من الفرقة المدرعة التاسعة العراقية مع ضباط سعوديين على مدى 9 أيام، بهدف التدريب على التعامل مع منظومات القيادة والسيطرة بمختلف أنواعها، والتدريب على تطبيق إجراءات التدخل السريع للتعامل مع الأحداث.
وبيّنت الوزارة أن هذه المناورات تهدف إلى تعزيز سبل التعاون وتبادل الخبرات والتجارب العسكرية بين الجيشين، وسبل تعزيز التعاون من أجل رفع مستوى الجاهزية القتالية لدى البلدين.
وتعد الفرقة التاسعة من أقوى الفرق في الجيش العراقي حالياً، وكان لها دور مهم في الحرب على تنظيم “داعش”، والسيطرة على أغلب المناطق المتنازع عليها بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان في عام 2017، وتنتشر وحداتها حالياً في جبل سنجار على الحدود العراقية – السورية، والبصرة، وأطراف كركوك، وتتخذ من بغداد مقراً لها.
وتمتلك الفرقة التاسعة نحو 10 آلاف آلية، من بينها آلاف عجلات “الهامفي”، وآليات نقل الدبابات والشاحنات، ومئات المدرعات الروسية والأميركية، فضلاً عن 140 دبابة “أبرامز”، و90 دبابة “تي-90″، ونحو 600 دبابة من طراز “تي-72″، و”تي-55”.
قال قائد المنطقة الشمالية في الجيش السعودي اللواء الركن صالح بن أحمد الزهراني، إن التمرين يهدف إلى تعزيز التعاون وتبادل التجارب العسكرية بين البلدين (صفحة وزارة الدفاع السعودية على تويتر).
رسالة مهمة
وقال الباحث في المجال الأمني جمال الطائي، إن “المناورات بين الجيشين العراقي والسعودي رسالة للدول الإقليمية، وتمهيد لإنشاء منظومة الدفاع العربية”. وأضاف الطائي، أن “هذه المناورات أتت بمبادرة أميركية من قبل الرئيس جو بايدن، وتهدف إلى تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، كونه يرغب بتأسيس منظومة الدفاع الإقليمي تجاه إيران”، مشيراً إلى أنه “بالإمكان أن تشكل السعودية والعراق بدايةً لتأسيس التحالف الإقليمي العربي الذي تدعمه الولايات المتحدة”.
وقف التدخل
وأوضح الطائي أن “هذه المناورات على الرغم من محدوديتها، فإنها تعطي رسالة سياسية وإعلامية مهمة”، مبيناً أن “بايدن مدد قانون الطوارئ بالعراق باتجاه أي دول تتدخل بالشأن العراقي، بخاصة أن هناك تدخلاً تركياً من خلال القصف المستمر للأراضي العراقية، ومحاولة أنقرة إعادة أمجاد الدولة العثمانية من خلال ضم محافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين إلى تركيا”.
وأشار الطائي إلى أن “الولايات المتحدة أدركت أن الحكومات المتعاقبة في العراق غير جادّة في تأسيس دولة ذات سيادة وتعزيز النظام الديمقراطي، لأن كل تلك الحكومات تعمل وفق مصالحها الخاصة”، لافتاً إلى أن “واشنطن تعيد حساباتها في العراق وهي عازمة على إنشاء نظام دفاع إقليمي تجاه إيران”.
تعاون مهم
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي علي البيدر، إنه “من الممكن أن يحقق العراق استفادة من التعاون الأمني مع السعودية في تأمين الحدود المشتركة”، مرجحاً إمكانية أن يكون العراق عنصراً مهماً في المنظومة الأمنية العربية والخليجية”. وأضاف البيدر أن “السعودية تعمل على إعطاء العراق بعض التجارب والخبرات، للاستفادة منها في تأمين الحدود المشتركة بين البلدين، والتي بدورها ستعمل على تحصين الأمن القومي السعودي”.
ولفت البيدر إلى أن “الرياض تحاول إرجاع بغداد إلى المنظومة العربية من جوانب عدة، ومنها الأمنية، بعد أن وجدت أنه ذهب بالعمق الإيراني”، مشيراً إلى أن “العقلية الخليجية بدأت تبحث عن المشتركات، ونحن كعرب لدينا كثير من المشتركات التي يمكن أن نرتكز عليها، ومن بينها الجوانب الأمنية”.
قلق مشترك
وتابع البيدر، أن “هناك جماعات مسلحة تقلق الطرفين، وهناك (داعش)، وكذلك التهديدات الإيرانية، وترى السعودية أنه من الضروري أن يكون العراق بمستوى عالٍ من المسؤولية لدرء هذا الخطر”، مؤكداً أن “هناك توجهاً من قبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لخلق حالة من التوازن في العلاقات مع دول الخليج لاستعادة مكانة العراق بعد أن تأثرت ضمن المنظومة العربية عقب عام 1991”.
واستبعد الباحث السياسي أن تكون هناك “رغبة سعودية في أن يكون العراق ضمن منظومة أمنية عربية في الوقت الحاضر”، لكنه أشار إلى التطور في العلاقات العراقية – السعودية، لا سيما في مجال الربط الكهربائي، فضلاً عن وجود مشاريع مجتمعية ونشاطات رياضية.
ولم يستبعد البيدر أن يكون للعراق “دور في صناعة القرار في الجوانب الأمنية، لا سيما مع وجود جهاز لمكافحة الإرهاب متمكن، ويعمل بطريقة احترافية، وحصل على مركز متقدم عالمياً”، لافتاً إلى أنه “من الممكن أن يكون العراق بشكل تدريجي ركناً أساسياً في المنظومة الأمنية العربية والخليجية، لما يتمتع به من إمكانات مالية وبشرية وموقع جيوسياسي”.
وشهدت العلاقات السعودية – العراقية خلال السنوات الماضية تطوراً في الجانب السياسي، إذ عادت السفارة السعودية إلى بغداد لأول مرة، في عام 2015، بعد إغلاقها عقب حرب الكويت، فضلاً عن الزيارات المتبادلة بين الطرفين وافتتاح منفذ عرعر الحدودي قبل نهاية عام 2020، بعد إغلاق دام لنحو 3 عقود، وسماح الرياض للمعتمرين العراقيين بالدخول براً إلى الأراضي السعودية، بعد أن كان ذلك محصوراً بالرحلات الجوية.