حرية – (19/6/2022)
شاهد حي على عظم الحضارة الإسلامية وتحصيناتها الدفاعية وتطويره يواجه قلة التخصيصات المالية ونقص الخبرات
شاهد على عظم الحضارة العباسية من حيث التحصينات الدفاعية لصد الغزوات ولا سيما في القسم الشرقي لبغداد (أرشيف بلدية الرصافة)
لا يزال جزء من سور بغداد المدور وأحد أبوابها يقف شاهداً على مرور العصور (الباب الوسطاني)، وهو أحد الأبواب التاريخية التي أنشئت في العصر العباسي المتأخر في زمن المستظهر بالله، الخليفة الثامن والعشرين من خلفاء الدولة العباسية، وأكمل بناءه ابنه الخليفة المسترشد بالله.
يقول الباحث في التراث البغدادي، معتصم المفتي، إنه شرع ببناء السور وأبوابه سنة 512 هجرية، وكان السبب في تسميته الباب الوسطاني توسطه المسافة بين باب المعظم وباب الطلسم، وقد عُرف أيضاً بـ”باب خراسان”، لأنه يطل على البلدان الشرقية، ويذكر المفتي أن الباب كان يترك مفتوحاً للقوافل القادمة من جهة الشرق، منذ بداية النهار وحتى أذان المغرب، ويغلق بعد ذلك، وتنتظر القوافل القادمة بعد هذا الوقت خارج أسوار المدينة قبالة الباب حتى صباح اليوم التالي.
أسماء الباب
وسمي الباب أيضاً باب الظفرية في العصر العباسي، نسبة إلى محلة الظفرية التي كانت تقع مقابل الباب من الغرب، و”ظفر” هو اسم لشخص من مماليك الخلفاء العباسيين، وأطلق عليه أيضاً في العهد العثماني “آق قابي”، أي الباب الأبيض.
وتابع المفتي، “لم يُعجَب العثمانيون باسم الوسطاني. فبعد عدد من التغييرات في تسمية الباب لم يتبقَ سوى اسمين ما زال يُعرف بهما، هما الوسطاني والظفرية. ويقع الباب كما هو معروف بالقرب من ضريح الشيخ (شهاب الدين عمر السهروردي)، ولا تزال (المقبرة الوردية) موجودة”.
وأضاف المفتي، “استُخدم الآجر في بناء الباب الوسطاني وزخرفته كمادة أساسية، وثبتت قوة مقاومتها طيلة القرون الماضية، ما يوضح مقدار عناية العباسيين بهذه المادة، واستخدامها حتى في الأبنية العسكرية”.
وقد أعجب كل الرحالة العرب والأجانب الذين جاءوا لزيارة مدينة بغداد، بتصميم الباب وجودة بنائه، إلا أن هذه المنطقة فقدت كثيراً من ملامحها الجميلة خلال العقود الماضية، بسبب الإهمال الذي طاولها حتى أواسط ثلاثينيات القرن الماضي.
وتابع، “رممت مديرية الآثار المبنى، وعملت على صيانته، ومن ثم تم تحويله إلى متحف للأسلحة القديمة، وافتتحه رسمياً في 10 من مايو (حزيران) 1939 ساطع الحصري، مدير الآثار آنذاك، واقتصرت معروضات المتحف على مجموعة مختلفة من البنادق والأسلحة والمدافع والسيوف والدروع والرماح وما إلى ذلك من الأسلحة القديمة الأخرى”.
آخر أبواب بغداد
عن الدور التاريخي للموقع، ذكر وزير الثقافة والسياحة والآثار حسن ناظم، أنه لم يتبقَ من بوابات بغداد الرئيسة في الجانب الشرقي، سوى الباب الوسطاني أو ما يعرف حالياً بباب خراسان، وسمي بذلك لأنه كان مقابلاً لطريق “الوسطاني” المؤدي إلى حدود الإمبراطورية الفارسية. ويعد من أهم المعالم التاريخية لمدينة بغداد، لأنه يمثل الحقبة العباسية المتأخرة، وشاهد على عظم الحضارة العباسية من حيث التحصينات الدفاعية لصد الغزوات الخارجية، ولا سيما في القسم الشرقي لمدينة بغداد.
وبين ناظم، “تُدعى هذه الأبواب (الباب الشرقي)، و(باب الطلسم) الواقعة عند مقبرة (الغزالي) و(الباب الوسطاني)، و(باب السلطان الأعظم) التي سميت فيما بعد (باب المعظم)، وأزيلت من هذه الأبواب بوابتان في العصر الملكي بهدف توسعة بغداد، فيما تم تدمير باب الطلسم في العهد العثماني عندما استخدمه العثمانيون مقراً لخزن السلاح في تلك الفترة”.
وشهدت البوابة عدداً من أعمال الصيانة والتأهيل منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي، كان آخرها الأعمال التي أجريت عليه عام 2013، عندما تربعت بغداد عاصمة للثقافة العربية. وكان هنالك مشروع لتأهيل الباب والمنطقة المحيطة بها قبل 2003، من أجل تشييد متنزهات وحدائق وربط الباب الوسطاني باتجاه المنطقة المفتوحة تحت جسر محمد القاسم المواجه لمقبرة (السهروردي)، وعد مشروعاً حكومياً متكاملاً لتأهيل هذه المنطقة، لكن الظروف التي توالت على البلد حالت دون تنفيذه.
على خلفية الموضوع، تحدث أحمد الخوام، مدير عام بلدية الرصافة، حيث يقع المعلم ضمن حدودها، قائلاً، “يقع الباب الوسطاني ضمن المحلة 135 مقابل محرمات طريق المرور السريع، وسبق وأن طورت دائرتنا المنطقة المحيطة بمحرمات الباب لعمل حديقة عامة بمساحة 5 دونم تتصل بحدود المنطقة الأثرية، وسيجت حدودها، واقترحت تطوير محرمات المنطقة الأثرية، لكن توقف العمل بها بسبب القبور القديمة قدم المكان”.
وتابع الخوام، “لإحياء المنطقة يتوجب رفع القبور وإخلاء الأرض المتمثلة بإزالة البيوت العشوائية المتجاوزة، وفتح طريق لها عبر شارع الجهاد ومدخل كلية طب الكندي. ووصل إلينا الرد من ديوان الوقف السني في فبراير (شباط) 2021، بأن مجلس الأوقاف الأعلى قرر عدم شرعية رفع القبور في موقع الباب الوسطاني إلا بموافقة ذويهم، ولأن هذا الموضوع يأخذ أبعاداً اجتماعية، فضلاً عن أن عدد هذه القبور يقدر بالآلاف، لذا يعد المساس بها خرقاً لقانون الآثار العراقية، لأن عمرها يزيد على مئات السنين”.
صيانة مستقبلية وتجاوزات فردية
حظي هذا المَعلَم باهتمام وزارة الثقافة ودائرة الآثار، وقد أدرج في مخطط الصيانة المستقبلية، وخطط لتأهيله مثل المواقع الأخرى كـ(طاق كسرى) و(المدرسة المستنصرية) و(القصر العباسي) لأنها تعد من الشواخص الأثرية المهمة التي تمنح بغداد ملامح وعبق مرحلة ما قبل الإسلام والفترة العباسية عبر مختلف مراحلها التاريخية. وعبر وزير الثقافة قائلاً إن “العائق الرئيس الذي يقف أمام تنفيذ المشروع يكمن في قلة التخصيصات المالية، ولأن إتمام أعمال الصيانة تستدعي صرف مبالغ كبيرة، نحن نتطلع لأن تتفهم الحكومة الأهمية التي يمثلها هذا المعلم، وأن تأخذ على عاتقها توفير ما يلزم لاستقطاب السائحين والزوار وجعله قِبلةً لمحبي الآثار”.
مدير عام دائرة المجاميع السياحية في وزارة الثقافة والسياحة والآثار محمد العبيدي يقول، “يمكن أن يكون الباب الوسطاني مَعلماً سياحياً مهماً، فقط إن تم توجيه الاهتمام بالمنطقة المحيطة به”. ويضيف، “قدمت دراسة إلى وزارة الثقافة والسياحة والآثار لإجراء عملية تنقيب مهمة في المنطقة، شاركت فيها هيئة السياحة وأمانة بغداد الدوائر المعنية بالموضوع، لجعله أسوة بالأمكنة السياحية الآثارية المعروفة، إلا أن التجاوزات الفردية الحاصلة في الموقع، حالت دون الشروع بذلك”.
ويذكر العبيدي عدداً من المقترحات التي رفعت في شأن المعلم الأثري المذكور تتلخص بافتتاح شارع معبد يوصل إلى الموقع مباشرة ويربط بإنارة كافية، مع تزويد المنطقة بأكشاك لبيع التذكارات الخاصة بالنصب الأثري، فضلاً عن توفير كل مايحتاج إليه السياح من الأمور اللوجيستية.
ويؤكد العبيدي، “نحن بحاجة إلى خبرات فنية ودعم مادي ولوجيستي، ونضمن أن تتحول هذه المواقع الأثرية إلى قِبلة للسياح، وكانت لنا تجارب سابقة في ثمانينيات القرن الماضي لمواقع كـ(خان مرجان) و(المتحف البغدادي)، وغيرهما”.
شذى العاملي