حرية – (26/6/2022)
تحتوي على مدخل أمامي مركزي كبير مزخرف بتصميم كلاسيكي (pinterest)
نشأت العمارة الجورجية في عهد ملوك إنجلترا الأربعة بدءاً من جورج الأول وحتى الرابع، وامتدت من عام 1714 إلى 1830، واشتهرت مبانيها في مدن مثل إدنبرة وباث ولندن وبريستول، والتي لا يزال كثير منها باقياً حتى اليوم، ثم جلبها المستعمرون الإنجليز إلى الولايات المتحدة، بشكل خاص إقليم نيو إنجلاند (منطقة تتكون من ست ولايات في شمال شرقي الولايات المتحدة)، وعلى الرغم من أن هذا الطراز يعود بجذوره إلى ما قبل الميلاد بمئات السنوات، إذ يعتمد على التصاميم الكلاسيكية للعمارة اليونانية والرومانية القديمة، فإنه، كان ولا يزال، أحد الأساليب المعمارية الأكثر ديمومة وشعبية في دول عدة حول العالم.
تلتزم العمارة الجورجية بالنسبة الذهبية كقاعدة عامة (غيتي)
فالعمارة الجورجية تمثل فئة متنوعة من الأبنية، تشمل القصور الريفية الإنجليزية الفخمة ومباني المنازل ذات الشرفات المميزة في لندن ودبلن، ومنازل المزارع الجنوبية في الولايات المتحدة، ومنازل نيو إنجلاند وغيرها.
أكثر من نمط
ولم يتألف الطراز الجورجي من نمط داخلي واحد فقط، بل خضع لتغييرات كبيرة مع الزمن، وهذا أمر مبرر، فنحن أمام نمط امتد أكثر من 100 عام، لذلك، قسم إلى فئات عدة، وتكيف مع الزمن ليناسب الإجراءات الاقتصادية المختلفة، وشمل أربعة أنماط فنية رئيسة: “البالادية” أو الجورجية المبكرة، و”الروكوكو”، و”النيوكلاسيكية”، أو أواخر العصر الجورجي و”الريجينسي”.
فالعمارة الجورجية بدأت عام 1714 في فترة كان لا يزال الطراز “الباروكي” رائجاً إلى حد كبير، وامتدت فترتها الأولى حتى عام 1745 وسميت بالعمارة “البالادية”، ثم، بحلول منتصف القرن السادس عشر، ابتعد الجورجيون عن قيود “البالادية”، وتناغموا أكثر مع “الروكوكو” الفرنسي الأكثر حرية ونعومة، إلى أن ظهرت الكلاسيكية الجديدة في أواخر العصر الجورجي نحو عام 1760 كرد فعل على “الروكوكو”، ثم في فترات الجورجية الأخيرة بين عامي (1790 – 1830) أصبحت التفاصيل المعمارية أبسط، والتصميمات الداخلية أكثر وضوحاً مع قطع جبس أقل زخرفية، وأطلق على هذه الفترة اسم “ريجينسي”.
النسبة الذهبية
وعلى الرغم من وجود فئات فرعية عدة للعمارة الجورجية، فإن ما يجمع بينها استخدام النسب المتوازنة والتناظر والترتيب والتسلسل الهرم، فتشتهر العمارة الجورجية بالبناء المنظم والمتناظر، أو المتوازن في أقل تقدير، وتميزها الارتفاعات المتناسبة والمداخل المركزية والتفاصيل الكلاسيكية، ويعد التناسب مفتاح العمارة الجورجية، فتلتزم الأبنية المصممة على هذا الطراز بالنسبة الكلاسيكية الأنيقة (النسبة الذهبية) كقاعدة عامة في تحديد حجم الأجزاء المختلفة للمبنى، وتطبق قواعد التصميم والتكوين الكلاسيكيين، فنجد البناء الخارجي متناظراً بشكل متطابق تقريباً في معظم التصاميم، بدءاً من المداخن التي تتوزع متناظرة على جانبي البناء وصولاً إلى العناصر والتفاصيل المعمارية الأخرى.
مميزات
وشيدت المباني الجورجية أولاً من الطوب أو الحجر، ثم استخدمت الجص في فترات لاحقة، وجاءت التصاميم بواجهات بسيطة في النماذج المبكرة من هذا الطراز، بينما انتشرت السمات الزخرفية الكلاسيكية مثل الأقواس والأعمدة وغيرها من سمات العمارة الرومانية بشكل كبير في فترات لاحقة كفترة “ريجينسي”، وتزينت المداخل بالأسقف المثلثة المزدوجة الميلان أو ما تسمى القوصرة “pediment”، وبالنوافذ المروحية “fanlight windows” فوق الباب الأمامي المركزي، وهي نوافذ زجاجية نصف دائرية تسمح بدخول الضوء إلى الرواق الأمامي، كما تميزت هذه المباني بالنوافذ المتعددة الأجزاء التي تسمح بدخول الكثير من الضوء الطبيعي، وأكثر أنواعها شيوعاً “Sash windows”.
الوصف المعماري
وتحتوي هذه المنازل عادة على مدخل أمامي مركزي كبير مزخرف بتصميم كلاسيكي، وكتلة رئيسة مركزية كبيرة وموزعات أصغر حجماً تصل بين الكتلة الرئيسة والأجنحة المتناظرة، وتميل مخططات مساقط الأبنية الجورجية أولاً إلى تحديد موقع الغرف الرسمية بالقرب من المدخل على كلا الجانبين، ثم توزع المساحات غير الرسمية ومساحات الخدمة بعيداً عنها، وتحدد بشكل تتموضع فيه مساحات المعيشة في الطابق الأرضي، بينما تتوزع غرف النوم في الطابق الثاني متبعة النمط المحدد مسبقاً في الطابق الأرضي، مع أسقف مائلة تتنوع بدءاً من الأسطح “الجمالونية” إلى أسقف “جامبريل” أو الأسقف المنكسرة التي توفر مساحة أكبر للنوم، إلى الأسطح المنحدرة المتعددة الميول، وتتركز عليها المداخن في موقع مركزي بغرض الاحتفاظ بالحرارة.
منزل العمر
وظل هذا الطراز خارج تصنيفات الموضة والسائد من الاتجاهات طيلة فترة تطوره، فهو لم يكن يوماً بدعة أو موضة عابرة، فالمنزل الجورجي الذي لا يمسه القدم لن يصبح عتيقاً مع الزمن بل سيمتد لعشرات السنوات محافظاً على رونقه، وهذا ما توجه كنمط مفضل في البناء فهو يتجدد مع الزمن وتزداد شعبيته نظراً إلى ما يبثه من أمان وراحة في قلوب ساكنيه، وخيار مفضل لأولئك الذين يختارون البناء من اللبنة الأولى، كمنزل للعمر كله، فالمنزل المصمم على الطراز الجورجي يحاكي فترة من العمارة الكلاسيكية التي تحدد أسلوباً يظل مرغوباً على الدوام.
ويتركز جزء كبير من الجاذبية الدائمة للأسلوب الجورجي في قوته الهائلة التي تثير المشاعر، وتحرض الذاكرة لتستحضر التاريخ بكل ما يحمله من مكان وزمان وأحداث مرافقة، وهو حكاية امتدت من اليونان القديمة إلى بريطانيا المعاصرة، كجزء من سلسلة متصلة لثلاثة آلاف سنة من العمارة الكلاسيكية.
سر رواجه
والسر في رواجه حتى اليوم هو اعتماد مبادئه الأساسية على ما نبحث عنه في منازلنا اليوم، الأناقة الخاصة والتناسق اللطيف والبساطة في التصميم الداخلي والخارجي، إضافة إلى النوافذ الكبيرة والطويلة التي تسمح بدخول كثير من الضوء والشعور العام بالرحابة، فالمنازل المبنية على الطراز الجورجي تعكس إحساساً أكبر بالسخاء والاتساع في المساحة وتوفر الضوء الطبيعي الذي كان مفقوداً في الأساليب المعمارية التي سبقته، كل ما سبق يعكس نظرة مريحة ومحببة للعين، حتى لو لم يدرك صاحبها السبب العلمي لذلك.
وتتكيف المنازل الجورجية التي تبنى اليوم مع متطلبات عصرها واختلاف أذواق معاصريها، فتوفر مخططات عملية وفعالة وسهلة التحرك ومنطقية من حيث التكلفة، إضافة إلى المرونة في توزيع الغرف واختيار المناسب أو الأكثر تفضيلاً من عناصر ومميزات هذا الطراز.