حرية – (27/6/2022)
تخطط الصين لاستغلال منجم نحاس شرق كابول يعد الأكبر في العالم .
على بعد حوالى 40 كيلومتراً جنوب شرقي كابول، تقع مدينة ميس أيناك البوذية الكبيرة الأثرية الغارقة بين قمم صخرية والمهددة بالاختفاء كلياً، إذ تخطط مجموعة شركات صينية لاستغلال منجم نحاس فيها يعتبر من الأكبر في العالم.
آثار المدينة الغارقة بالصخور
ومدينة ميس أيناك الواقعة في مقاطعة لوغار، كانت منسية طوال عقود قبل أن يكتشفها صدفة عالم جيولوجي فرنسي في مطلع ستينيات القرن الماضي، وتمت مقارنتها ببومبيي الإيطالية وماتشو بيتشو البيروفية لحجمها وأهميتها التاريخية.
وتقع آثار هذه المدينة التي تمتد على مساحة 1000 هكتار على جبل مرتفع تشهد جوانبه البُنيّة على وجود النحاس.
في العام 2007 وقعت الشركة الصينية العملاقة للتعدين “ميتلاروجيكال غروب كوربوريشن”، التي تترأس ائتلافاً عاماً حمل اسم MJAM لاحقاً عقداً بقيمة ثلاثة مليارات دولارات لاستغلال النحاس على مدى 30 عاماً.
اختفاء المدينة
وأثارت المخاوف من اختفاء مدينة كانت تعتبر من أبرز المراكز التجارية وأكثرها ازدهاراً على طريق الحرير، تعبئة دولية. واضطر تحالف MJAM إلى السماح بعمليات تفتيش في الموقع وبتأخير فتح المنجم على أثر ذلك.
وبعد 15 عاماً من توقيع العقد، لم يتم إنشاء منجم بعد، بسبب التأخير الناجم عن غياب الأمن والخلافات بين بكين وكابول في شأن البنود المالية في العقد.
لكن المشروع عاد إلى سلم أولويات الطرفين بعد انتهاء الحرب في أفغانستان واستيلاء “حركة طالبان” على السلطة في كابول منتصف أغسطس (آب) الماضي واضطرارها إلى البحث عن مصادر جديدة للتمويل للتعويض عن المساعدات المالية الدولية المجمدة.
ملتقى الثقافتين “الهلينية” و”الهندية”
ويقول عالم الآثار باستيان فاروتسيكوس، العامل لدى شركة “ايكونيم” Iconem الفرنسية الناشئة المتخصصة في رقمنة مواقع التراث الثقافي المهددة بالانقراض بتقنيات ثلاثية الأبعاد، في حديث مع وكالة الصحافة الفرنسية، إنه “على الرغم من أعمال النهب التي طاولت ميس أيناك في مطلع القرن، تبقى “واحدة من أجمل المواقع البوذية وأجمل المواقع الأثرية” في العالم.
وكانت ميس أيناك الواقعة عند التقاء الثقافتين الهلينية والهندية مدينة مترامية الأطراف منظمة حول استخراج النحاس والاتجار به، وهو نشاط يعتقد أن الرهبان البوذيين شاركوا فيه.
وتعود الاكتشافات إلى الحقبة الممتدة من القرن الثاني حتى القرن التاسع بعد الميلاد، لكن قد تكون المدينة شهدت نشاطاً في فترة زمنية أبكر بعد، إذ عُثر فيها على فخار من العصر البرونزي (3300-1200 قبل الميلاد) أي قبل نشأة البوذية في القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد.
واكتشف علماء الآثار أديرة بوذية وستوبا (نصب ديني بوذي) وحصوناً ومباني إدارية ومساكن، إضافة إلى مئات التماثيل واللوحات الجدارية والخزفيات والعملات والمخطوطات.
ويلفت فاروتسيكوس إلى أن هذا المشروع كان من “أكبر مشاريع علم الآثار في العالم” مطلع 2010.
ومنح ائتلاف MJAM ثلاث سنوات لعلماء الآثار الذين ركزوا على المنطقة المهددة بشكل مباشر من المنجم، لإجراء عمليات الحفر في كامل الموقع، فيما كان الأمر يلزم عدة عقود ليحصل.
لكن تم تمديد المهلة، إذ منع الوضع الأمني الصينيين من بناء المنشآت المخطط لها، واكتشفت آلاف القطع منها ما نقل إلى متحف كابول ومنها ما تم حفظه في أماكن قريبة من ميس أيناك.
وفي ظل نظام “طالبان” السابق فجرت الحركة تمثالي بوذا في باميان في الـ 11 من مارس (آذار) 2001، لكن “طالبان” تقول اليوم إنها مصممة على حماية اكتشافات مدينة ميس أيناك.
ويقول المتحدث باسم وزارة المناجم والنفط عصمت الله برهان، “من واجب وزارة الإعلام والثقافة أن تحمي” الآثار المكتشفة.
لكن حتى لو بدا خطاب حكومة “طالبان” صادقاً، فإن العديد من الآثار ضخمة جداً أو هشة جداً لكي تنقل إلى أماكن أخرى، ويبدو أنها ستختفي.
ويحبذ الصينيون استغلال المنجم على السطح على التعدين الباطني، مما يؤدي إلى إحداث ثغرة كبيرة في الجبل ستؤدي إلى طمر كل بقايا الماضي.
وإذا تم اعتماد التعدين السطحي فيكمن الحل الوحيد في “مواصلة التنقيب لأطول فترة ممكنة وبأكثر طريقة شاملة ممكنة” و “نقل كل ما يمكن نقله” قبل بدء التعدين، بحسب فاروتسيكوس.
لكن سيعتمد القيام بذلك على “التعاون الدولي والتمويل”، بحسب قوله.
موارد معدنية بتريليون دولار
وتملك أفغانستان موارد معدنية هائلة (نحاس وحديد وبوكسيت وليثيوم والأتربة النادرة) تقدر قيمتها بأكثر من تريليون دولار.
وتريد “طالبان” تسريع العملية إذ تأمل بجني أكثر من 300 مليون دولار سنوياً من ميس أيناك في وقت تبلغ فيه موازنة الدولة 500 مليون دولار للعام 2022.
ويلفت برهان إلى أن “طالبان” شددت هذا الأسبوع أمام ائتلاف MJAM على “ضرورة أن يبدأ المشروع وألا يؤجل”.
وأشار إلى أن “المحادثات اكتملت بنسبة 80 في المئة تقريباً”، فيما لا يزال هناك فقط “نقاط فنية” تجب معالجتها، ومن المتوقع أن تتم معالجتها قريباً.
التضحية بالتاريخ مقابل الرهانات الاقتصادية
وتطالب “طالبان” باحترام العقد الذي يضمن بناء محطة توليد للطاقة الكهربائية تزود المنجم وكابول بالكهرباء، إضافة إلى إنشاء خط للسكك الحديد باتجاه باكستان”.
وتشدد الحركة على أن يحول النحاس محلياً وأن تكون اليد العاملة أفغانية.
وتتردد الصين التي يحتاج اقتصادها بشكل كبير إلى النحاس في تلبية هذه المطالب. ولا تزال MJAM التي لم ترد على وكالة الصحافة الفرنسية، تطالب بخفض المدفوعات المستحقة عليها.
وتطرح أيضاً مخاوف في شأن التداعيات البيئية لهذا المشروع، فاستخراج النحاس هو عملية ملوثة وتحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، غير أن مقاطعة لوغار قاحلة.
وبحسب برهان، تولي طالبان “اهتماماً حازماً” بهذه القضايا وستضمن أن يفي الائتلاف بالتزاماته في هذا المجال.
وتكون أفغانستان بذلك على وشك التضحية بجزء من تاريخها، لكن الرهانات الاقتصادية جعلت مصير ميس أيناك يبدو محتماً منذ فترة طويلة.