حرية – (29/6/2022)
في أحد أشهر أعمال الفنان السعودي أحمد ماطر، يتحوّل ظل مضخة وقود إلى رجل يمسك بمسدس ويصوّبه إلى رأسه، في انتقاد واضح للأثر الضار للنفط الذي تُعد بلاده أحد أكبر منتجيه ومصدريه في العالم.
ولسنوات عدة، لم يكن متاحاً أمام معظم السعوديين رؤية هذه القطعة الفنية المسماة “تطور الإنسان”، إذ اعتبر القائمون على المعارض الفنية المحلية أنها تتناول موضوعاً “حسّاساً” للغاية في المملكة التي يعتمد اقتصادها بدرجة كبيرة على النفط.
ويؤشر عرض هذه القطعة في معرض نُظم حديثا في الرياض، على تغيير كبير في البلاد.
ومع سعي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتغيير صورة المملكة المحافظة وجعلها وجهة فنية عالمية، يوفر المسؤولون فرصا غير مسبوقة لماطر وأقرانه.
وكُشف عن آخر هذه الفرص الاثنين، عبر إعلان مشروع لإبراز أعمال ماطر والفنانة السعودية منال الضويان، في سلسلة من التشكيلات الدائمة في الصحراء المفتوحة خارج العلا، وهي وجهة جذب سياحي جديدة في شمال غرب المدينة المنورة.
ويرى معارضو الأسرة الحاكمة في هذه المشاريع محاولة لتبييض سجل المملكة الحقوقي بخصوص إسكات المعارضين، وأشهرهم الصحافي جمال خاشقجي الذي اغتيل في أكتوبر 2018.
مع ذلك، يرحب فنانون مثل ماطر بارتياح بدعم الدولة بعد سنوات من محاولة الوصول إلى الجمهور السعودي وقيادة مشهد فني محلي نابض بالحياة.
وصرّح ماطر لوكالة فرانس برس في معرضه في الرياض “عادة ما أؤمن بإيجاد حركة ذات قاعدة شعبية تكون عضوية، لكن ماذا لو كان هناك دعم من أعلى إلى أسفل؟ هذا أفضل حتّى”.
وتابع “هذا هو التغيير. هذا هو الأمر الجديد”.
“وادي الفن”
ويهدف مشروع “وادي الفن” في العلا لتغطية 65 كيلومترا مربعا في الصحاري السعودية بنماذج حديثة من “فن الأرض”، الحركة الفنية الساعية لإخراج الفن من ضيق المعارض إلى رحاب الطبيعة.
وبالإضافة لماطر والضويان، تتضمن قائمة المساهمين عمالقة في فن الأرض مثل الفنان المجرية الأميركية أغنيس دينيس التي زرعت في ثمانينيات القرن الماضي وحصدت ما يزيد عن ثمانية آلاف متر مربع من القمح على مقربة من مقر بورصة “وول ستريت” في نيويورك.
ويندرج المشروع الجديد ضمن هدف أوسع لتحويل منطقة العلا، المشهورة بالمقابر الأثرية النبطية المنتشرة وسط جبال ووديان من الحجر الرملي، إلى مركز فني من الدرجة الأولى يتضمن منتجعات بيئية فاخرة ومسرحا ضخما مغطى بألواح عاكسة.
وقالت منظمة المعارض إيونا بلازويك، المنسقة السابقة لمعرض وايت تشابل في لندن، إن أعمال وادي الفن “على مستوى وطموح وهناك رؤية من ورائها. أعتقد أن الناس سيرغبون في المجيء لأجيال عديدة لزيارتها”.
وأوضحت الضويان، إحدى المساهمات السعوديات، لوكالة فرانس برس أنه حتى وقت قريب كانت أعمالها تنتشر خارج المملكة أكثر من داخلها، رغم رفضها فكرة أن للأمر علاقة بالرقابة.
وأردفت: “كنت أتحدث عن مواضيع صعبة للغاية عندما كانت الأمور مقيدة بشكل حقيقي هنا، وكانت أموري على ما يرام. نُشرت أعمالي في كل الصحف. لم أتعرض للرقابة مطلقا”.
وتابعت: “أنظر للخلف وأتساءل كيف حدث ذلك؟”.
وأوضحت إيمان الحسين، العضو غير المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أنّ طبيعة الأعمال المرئية للفنانين تمنحهم مساحة أكبر للتعبير مقارنة بما قد يتمتع به النشطاء السعوديون.
وقالت إن: “الفنانين قادرون على التعبير عن أنفسهم بحرية أكبر لأن أعمالهم الفنية يمكن تفسيرها بطرق مختلفة”.
ويبدو هذا صحيحا راهنا في السعودية، حيث تعتمد السلطات على الفنون للمساعدة على تغيير سمعتها المتشددة.
وبعد عقدين عرضت خلالهما أعمالها بشكل رئيسي للأجانب، تنعم الضويان الآن بموجة من الاهتمام المحلي.
وقالت: “تُعرض أعمالي باستمرار هنا. يُعاد اكتشافي من شعبي ومجتمعي. دأبوا على متابعتي عبر انستغرام. الآن يمكنهم بالفعل المجيء ومشاهدة أعمالي الفنية”.
وأضافت “بالنسبة لي، إنها لحظة جميلة لدرجة أنني اشعر بأني لا أزال صغيرة بما يكفي للاستمتاع بها”.
إرث من القيود
ولدى ماطر أيضا تجارب إيجابية عموماً مع السلطات السعودية.
ومع ذلك، فقد رأى كيف ألقت القيود المفروضة على حرية التعبير في السعودية بظلالها على صديق طفولته أشرف فياض، وهو فنان يقبع وراء القضبان في المملكة منذ ما يقرب من عشر سنوات.
واتهم فياض، وهو شاعر فلسطيني يعيش في السعودية، بالردة عام 2014 بعد أن اتهمه مواطن سعودي بالترويج للإلحاد.
وقضت محكمة سعودية بإعدامه في 2015، وخُفف الحكم إلى السجن ثماني سنوات بعد الاستئناف.
ويرى ماطر قضية زميله فياض بمثابة ارتداد إلى زمن أقل انفتاحا، ولا يعتقد أنّ قضيته كانت لتُعالَج بالطريقة نفسها إذا ما حدثت اليوم.
وقال: “لا تزال القضية مهمة للغاية لأن أشرف يجب أن يخرج” من السجن، معربا عن أمله في الإفراج عن صديقه قريبا.
وحاليا، يواصل ماطر عمله الفنيّ الذي يلامس السياسة، فيما يتضمن مشروعه لوادي الفن بناء أنفاق يمكن للزوار دخولها.
وبمجرد دخولهم، ستُعرض صور الزوار بتقنية الهولوغرام فوق الكثبان الرملية، في تأثير يشبه السراب.
وتكمن الفكرة في جعل الناس العاديين مركزا للمشروع، وهو مفهوم لا يتوافق بالضرورة مع الحكم الملكي.
وقال ماطر: “يتعلق النحت عادة بمعالم القوة”، وتابع: “وما أتحدث عنه هنا هو: القوة هي الناس أنفسهم”.