حرية – (30/6/2022)
اعداد: الدكتور احسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي
سلطت دراسة جديدة، مبدأ التوازن لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وحول مدى إمكانية اعتمادها كقاعدة للعمل الخارجي.
وبحسب الدراسة التي نشرها موقع “تريندز”، أعدها الدكتور احسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي، الخميس (30 حزيران 2022)، “فقد اتخذت حكومة مصطفى الكاظمي مسارات مهمة على الصعيد الخارجي، عبر تحويل الساحة العراقية إلى منطلق للمشاريع الإقليمية الجامعة، وخلق حالة توازن إقليمي/ عربي مع الدور الإيراني في العراق؛ لذلك اتخذ العراق خطوات عديدة على المستوى الإقليمي”.
فضلاً عن “رؤية حكومة العراق وتحقيق أهدافها في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني من خلال زيادة التعاون مع دول الجوار، وتكثيف الحوارات لتخفيف التوترات الإقليمية، وعقد اللقاءات الثنائية بين الدول، ولعب العراق دوراً محورياً في طرح الحلول وجمع الفرقاء على أرضه”.
ووفقا للدراسة، “فقد اتسمت رؤية حكومة الكاظمي بالوضوح؛ نتيجة إدراكها أن تحقيق التوازن في علاقات العراق العربية والإقليمية، سيشكّل فرصة مهمة للحكومة من أجل تحقيق الاستقرار الداخلي في كل المستويات، وتحديداً على مستوى العلاقات مع قطبَي المعادلة الإقليمية في المنطقة، المملكة العربية السعودية وإيران، فضلاً عن استثمار البيئة الإقليمية الداعمة التي وفرتها المصالحة الخليجية، في تحقيق مزيد من التفاعل مع باقي دول الإقليم، وفي هذا السياق جاءت زيارة الكاظمي إلى المملكة العربية السعودية في 13 مارس 2021، وكذلك زيارته إلى إيران في 13 سبتمبر2021، وكان الهدف من هاتين الزيارتين تحويل العلاقة بين الطرفَين من حالة التنافس إلى حالة التعاون، ونتج عنها قبول الدولتين بأن يكون العراق وسيطاً لحل الخلافات بينهما، وهذا يعد من أهم مكتسبات سياسة التوازن الفاعل.
وتالياً نص الدراسة”:
مقدمة:
تعكس طبيعة ومواقف السياسة الخارجية لأي دولة صورة وقوة ذلك البلد لدى المجتمع الدولي وقدرته على التعاطي مع المتغيرات، وبما يتناسب مع المصالح العليا لتلك البلاد، لذلك تحتاج الدول إلى تحديد الأطر الاستراتيجية والمفاهيم العامة لفلسفة السياسة الخارجية كي تنفذ تلك السياسة من خلال دبلوماسية فاعلة وفق ثوابت دستورية وقانونية.
إن الحيز الجغرافي الذي يقع فيه العراق، سواء على مستوى الجوار العربي والإقليمي أو على مستوى منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن البيئة السياسية والمصالح الدولية التي أصبحت أكثر تداخلاً وتعقيداً، بحكم المتغيرات المتسارعة بين الدول الكبرى؛ كالحرب الأوكرانية الروسية وتداعياتها على العلاقات الدولية، وتصاعد الصراع الأمريكي من جهة والروسي الصيني من جهة أخرى، والملف النووي الإيراني وانعكاساته على منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط؛ ما يتطلب من صانع السياسة الخارجية للدول ومنها العراق، وضع مسارات واضحة لا تقبل التردد الدبلوماسي أو اتخاذ العاطفة أو الانتماءات الفرعية لتحديد بوصلة المواقف الخارجية.
تمثل السياسة الخارجية للعراق ما بعد 2003، إحدى الإشكاليات في النظام السياسي الديمقراطي الجديد، اذ تعرضت هذه السياسة لمحددات تختلف عما هو متعارف عليه في بقية الدول لرسم السياسة الخارجية، فاعتمدت في كثير من علاقات العراق الخارجية، فضلاً عن الأحداث التي مر بها العراق، على رؤية المسؤول عن تنفيذ السياسة العامة التي قد تخضع لاعتبارات عقائدية أو قومية أو حتى شخصية؛ ما جعل السياسة الخارجية للعراق فاقدة البوصلة.
تركز هذه الدراسة على مبدأ التوازن الذي اعتمدته الحكومات العراقية في علاقاتها الخارجية ما بعد إقرار الدستور العراقي في العام 2005، وقدرة هذا المبدأ في نقل العراق إلى مرحلة الاستقرار الخارجي وتحقيق مصالحه مع الدول الأخرى وبيان عوامل النجاح والإخفاق في اعتماد هذا المبدأ.
أولاً، الدبلوماسية المؤجلة:
شكلت لحظة التحول في النظام السياسي بالعراق عام 2003، مرحلة انتقالية للسياسة الخارجية والدبلوماسية؛ فمن عزلة دولية وقيود أممية وانكفاء دبلوماسي بسبب السياسات الخاطئة للنظام السابق إلى رعاية دولية وإقليمية لخطوات البناء الديمقراطي، فالولايات المتحدة المسؤولة عن التغيير عملت على دعم العراق ومؤسساته الناشئة لغرض إحداث فارق في صورة العراق الخارجية، وتم ذلك من خلال التأثير الكبير الذي استخدمته واشنطن على حلفائها في المنطقة أو على مستوى الدول والمنظمات الدولية، والذي تناسق مع دور إقليمي لإيران بهدف دعم حلفائها من القابضين الجدد على السلطة، فكانت أول دولة في المنطقة اعترفت بالنظام وبعملية التغيير، في مقابل ترقب وقلق عربي على الأمن القومي العربي؛ نتيجة التحول الدراماتيكي الذي حدث في النظام، ما قد يولد تداعيات تشمل العالم العربي، لذلك حاولت الطبقة الحاكمة في العراق رسم مسار أولي لبناء دبلوماسية قائمة على المصالح المشتركة مع الدول كافة وتثبيت الحوار كمنطلق للتفاهم حول جميع الملفات المشتركة أو العالقة، وخصوصاً مع دول الجوار.
ولم ينصبُّ اهتمام القائمين على التحول السياسي في العراق بشكل كامل على السياسة الخارجية أو وضع مفاهيم دبلوماسية جديدة يمكن أن تؤسس لمرحلة عمل خارجي يدعم عملية التحول في النظام السياسي رغم الانفتاح الدولي النسبي على العراق؛ وقد يعود ذلك إلى أن مجلس الحكم والحكومات المتعاقبة بعده وحتى إقرار الدستور العراقي 2005، كانت انشغالاتهم تتركز على التقسيم الطائفي والقومي لمؤسسات الدولة ومحاولات فرض الإرادات والسيطرة على الأوضاع، فضلاً عن محاولة البناء الداخلي بما يختلف عن النظام السابق. كما كان لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على مجمل القرار السياسي العراقي الداخلي والخارجي أثر في عدم بروز منهج بهوية عراقية؛ فأفرز ذلك الوضع عدم تبلور سياسة خارجية رصينة، فضلاً عن عدم تبلور أفكار سياسية متقدمة.
كما أن ضعف رجال السياسة الذين جاءوا بعد التغيير وحداثتهم، أعاق فهم بعضهم لطبيعة العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية للعراق؛ لذا فإن حالة الارتباك الدبلوماسي كانت هي البارزة بين عامي 2003 – 2005؛ ففي الوقت الذي كان من المفترض فيه رسم مسار للسياسة الخارجية يتسم بالثبات بحكم تغيير النظام السياسي، إلا أن الدبلوماسية وجدت نفسها غارقة بمرحلة بناء الثقة مع عدد من الدول، إذ يقول إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق (2005_2004) في مذكراته :
“عملنا على ضرورة تهدئة وطمأنة القوى الإقليمية التي كانت تخشى مما حصل في العراق من احتلال، وكذلك بهدف رفع عامل الخوف في المنطقة نتيجة وجود القوات المتعددة الجنسية من خلال إقناعها بأن العراق لن يسمح بالاعتداء على أي من دول المنطقة انطلاقاً من أراضيه”1.
إن إقرار الدستور في العام 2005، كان ممكن أن يكون دافعاً نحو رسم ثوابت السياسة الخارجية استناداً إلى ما جاء في النصوص التي أطَّرت علاقات العراق العربية والدولية، فقد أشارت المادة الثالثة: “إلى كون العراق عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية..”2، إلا أنها عكست مدى عدم الاتفاق على هوية النظام السياسي الجديد؛ فهل هو جزء من العالم العربي أم يقف كدولة محايدة تجاه محيطه العربي؟ الأمر الذي سبب مزيداً من القلق للمنظومة العربية وأصبح عائقاً نسبياً تجاه عودته بثقل كبير كدولة فاعلة في المنطقة عموماً أو على مستوى علاقاته مع الدول العربية، رغم الرعاية الأمريكية للعراق الجديد.
وقد أشارت المادة الثامنة من الدستور العراقي النافذ إلى مبادئ السياسة الخارجية للنظام الجديد، عبر مراعاة مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وإقامة علاقاته على أساس المصالح المشتركة3. وعلى الرغم من هذه المبادئ الدستورية، فإن المتصدّرين لتنفيذ السياسة الخارجية للعراق، خلال الفترة 2006 – 2014، لم يلتزموا بها فضلاً عن غياب المعايير العامة لفلسفة السياسة الخارجية في دستور 2005، وهذه العوامل كان لها بالغ الأثر في دخول العراق؛ ما يمكن أن نصفه بمرحلة التيه الدبلوماسي.
بدأت السياسة الخارجية العراقية في حكومة نوري المالكي الأولى ( 2006- 2010)، تتأثر بعوامل كثيرة من أهمها الأزمات الأمنية والصراع السياسي الداخلي، فضلاً عن ذلك كان للتنافس الأمريكي والإيراني على الأرض العراقية تأثير واضح على توجهات العراق في علاقاته مع الدول في المنطقة، فهو يقع في منطقة تتسم بالتعقيد والخلافات والتصادم، بالإضافة إلى أن الجوار الجغرافي للعراق معقد بتركيبته القومية وكثرة الأعراق المختلفة، فكان لكل ذلك أثره في عملية صنع القرار السياسي الخارجي.
فضلاً عن أن السياسة الخارجية لحكومة المالكي الأولى تأثرت بتوجهات سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنتها على القرارين الداخلي والخارجي بحكم كونها دولة احتلال وفق قرارات مجلس الأمن الدولي. كما أن دعمها لشخص المالكي وحكومته جعل السياسة الخارجية العراقية تنحاز بشكل كبير للتوجهات الأمريكية، إذ مهدت واشنطن من خلال ضغوط للعديد من المسارات الدبلوماسية مع حلفائها في المنطقة لغرض التقارب مع بغداد، فضلاً عن الاعتماد على ما يعرف بالدبلوماسية المتعددة التي أصبحت أداة مهمة لإيجاد حلول للصراعات على الأرض العراقية، خاصة أن طبيعة تلك الصراعات الإقليمية في العراق تعقدت بتفاعلها مع عوامل عرقية ودينية وبات من الصعب على الدولة العراقية بمفردها إنجاز حلول لها؛ ما اضطرها إلى اللجوء إلى ما يعرف بالدبلوماسية الموازية بالاعتماد على فتح قنوات اتصال شبه رسمية ومشاركة فاعلين متعددي الاختصاصات من أجل إقامة نماذج جديدة في حل النزاعات وتسوية الملفات مع الدول العربية، كالكويت وسوريا والأردن، ومع ذلك لم يحقق العراق تقدماً فارقاً في سياسته الخارجية أو في تحقيق مبادئها.
إن انسحاب القوات الأمريكية في عام2011، مع وجود تقارب، تحول إلى هيمنة بين حكومة المالكي الثانية ( 2010- 2014 ) وإيران، جعل العراق وسياسته الخارجية يتحول إلى دولة تابعة في دبلوماسيتها لإيران، وكثير من مواقفه تجاه الدول كانت صدى لدبلوماسية الخارجية الإيرانية وتوجهاتها في المنطقة، حتى وصل الأمر إلى اتهامات لدول عربية بدعم الإرهاب 4، الأمر الذي خلق حالة انكفاء للسياسة الخارجية وصلت إلى حد القطيعة مع دول عربية، وبالتحديد الخليجية منها، مع العراق نتيجة السياسة الخاطئة في التعاطي مع الدول.
وبالمحصلة، فإن السياسة الخارجية في العراق خلال الفترة (2003-2014) كانت مقيدة بين التأجيل المرحلي وفلسفة النظام السياسي المشوش بفقدان الهوية، وتأرجحت بين التوازن والعشوائية أو التبعية في القرارات دون النظر لمصلحة البلد، وتبعاً لمزاج الراسم لها وولائه.
ثانياً، السياسة الخارجية من العزلة إلى التوازن (2014-2018)
إن الانهيار الأمني المتمثل في تمدد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في يونيو 2014، وغياب الدولة بشكل كامل على المستويين الداخلي والخارجي، شكل لحظة تقييم للسياسة الخارجية العراقية، فحكومة حيدر العبادي (2014-2018) وجدت إرثاً كبيراً من القطيعة والانكفاء على الداخل، حتى الحليف الأمريكي الملزم باتفاقية الإطار الاستراتيجي بحماية النظام السياسي لم يقدم أي دعم أمني أو عسكري لبغداد، وهكذا بقية الدول الغربية والعربية، لذلك كان على صانع القرار إعادة رسم العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية والمجتمع الدولي بشكل خاص؛ بسبب المنحى السلبي الذي طال تلك العلاقات طيلة السنوات السابقة، وقد تطلب التحول عن هذه الفترة أن يمتلك صانع القرار ومخططو السياسة الخارجية قنوات جديدة تمكنهم من إدارة العلاقات الدبلوماسية وتغيير مسار السياسة الخارجية.
إن طرح مبدأ التوازن في علاقات العراق الخارجية كمبدأ فعلي، كان نقطة تحول في الدبلوماسية العراقية لتمكينها من إعادة ترميم نفسها، فضلاً عن أن طرح فكرة بناء جبهة دولية لمكافحة الإرهاب في العراق5، أسهما بشكل كبير في بداية العودة العربية والدولية للعراق. كما أن اعتماد الدبلوماسية العراقية في ظل حكومة العبادي الدبلوماسية التعاونية العالية المستوى لغرض تغيير القناعات السابقة للدول المقاطعة للعراق، فضلاً عن إنتاج تعريف جديد لمكافحة الإرهاب دفع لمزيد من التقارب مع العراق وتقديم الدعم بكل المستويات. وأمام هذه المعطيات حققت الدبلوماسية العراقية تقدماً نسبياً في استعادة الثقة العربية والدولية، فعادت السفارات للدول الخليجية والعربية إلى بغداد.
وكان التفاعل مع المحيط الإقليمي يتسم بالحياد من الخلاف الأمريكي-الإيراني أو الخلاف السعودي-الإيراني، مفضلاً عدم التدخل في الشؤون الداخلية للجوار الإقليمي أو أن يكون طرفاً منحازاً لأيٍّ من هذه الدول، مع إدراك صانع القرار أن أغلب الأطراف الإقليمية تمارس أدواراً في داخل العراق، وتسعى إلى خلق قنوات تستهدف من خلالها مصالحها القومية عبر توظيف التعددية المكوناتية وضعف التوافق الوطني.
إن التغير النسبي في السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2014 على مستوى المدركات والتوجهات والمواقف الخارجية أحدث فرقاً إلى حد ما، إلا أنه يظل تغيراً محدوداً ينسجم بوضوح مع قناعات النظام السياسي العراقي القائم وقواه المؤثرة على المستوى السياسي والديني والاجتماعي وامتداداتها وطبيعة تحالفاتها. كما كشفت الصياغة الدبلوماسية لحكومة العبادي، حيال البيئة الإقليمية والبيئة الدولية عن المدى الذي يمكن من خلاله لصانع القرار توظيف المقاربات الإقليمية لضمان الاستقرار السياسي والأمن الوطني من التهديدات، فحققت النجاحات النسبية الخارجية وأصبح العراق دولة يمكن الوثوق بها، فكان لاستثمار العراق رد الفعل الدولي تجاه تمدد تنظيم داعش بأراضيه في 10 يونيو 2014 لينطلق ببناء دبلوماسية مكافحة الإرهاب؛ لتكون مدخلاً لإعادة العراق إلى المنظومات العربية والدولية، فتم تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وضم أربعين دولة في أغسطس 2014، وهذا دفع العراق إلى الشروع في تنفيذ مبدأ التوازن في علاقاته الخارجية، فاستطاع أن يجمع بين واشنطن وطهران في حربه ضد تنظيم داعش، رغم كل العداء بينهما في المنطقة، كذلك مثّل توجه العراق نحو دول الخليج العربي ترجمة واقعية لعودته إلى منظومته العربية وتطبيقاً فعلياً لمبدأ التوازن في علاقاته الخارجية، فكانت زيارة حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق إلى المملكة العربية السعودية في يونيو 2017 وانبثاق المجلس التنسيقي العراقي – السعودي ثمرة لسياسة خارجية تمردت على الإرادات الضيقة الداخلية، كذلك أعاد العراق تموضع علاقاته مع دولة الكويت بالشكل الذي جعلها ترعى مؤتمراً للدول المانحة لإعمار العراق، ما بعد انتهاء الحرب على تنظيم داعش، فضلاً عن زيارات لدول عربية وإقليمية وغربية بهدف التفاعل بكل المستويات، وبما يثبت التوازن ويحافظ على سيادة العراق.
إن التزامات العراق الدولية وفق المادة الثامنة من الدستور دفعت حيدر العبادي إلى إعلان التزامه بالعقوبات الأمريكية تجاه إيران6، وهذا تسبب في أزمة سياسية داخلية من قبل حلفاء إيران أدت إلى نهاية حظوظه بالحصول على ولاية ثانية، بعد الفيتو الإيراني بعدم التجديد له7، الأمر الذي يعد مؤشراً على مدى فاعلية مواقف السياسة الخارجية وتأثيرها في تنصيب رئيس الوزراء العراقي من جانب، ومن جانب آخر كشفت عدم احترام إيران لمبدأ التوازن الذي عمل عليه العراق أو احترام التزامه بتعهداته في علاقاته الدولية؛ ما اعتبر مؤشراً على عدم صمود مبدأ التوازن كضابط للسيادة العراقية.
ثالثاً، من التوازن إلى الدولة التابعة:
أعلنت حكومة عادل عبد المهدي (2018- 2019)، في برنامجها الحكومي عن سياستها الخارجية والتي تنص على الأولوية في علاقات العراق الإقليمية والتأكيد على عدم السماح بتدخل خارجي بشؤون العراق الداخلية8، إلا أن حقيقة التوجهات والمواقف كانت خلاف ما أعلن في ذلك المنهاج، فالحكومة شكلتها قوى موالية لإيران، وهي لا تؤمن بمبدأ التوازن في علاقات العراق الخارجية، بل أقدمت على عملية نسف دبلوماسي تدريجي لكل ما تحقق على مستوى العلاقة مع دول العالم؛ كسحب قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وتعطيل مقررات مؤتمر الدول المانحة الذي انعقد في دولة الكويت 2018، فضلاً عن تجميد عمل المجلس التنسيقي العراقي – السعودي، وإعلان حكومة عادل عبد المهدي عدم التزامه بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وهو ما هدد العراق بخطر شموله بالعقوبات الأمريكية؛ ما أشر إلى أن العراق متجه إلى قطيعة جديدة مع محيطه العربي والغربي، رغم تقاربه مع الأردن ومصر، فضلاً عن أن السياسة الخارجية انتقلت ليكون العراق دولة “جسرية” مكتفياً بنقل الرسائل بين الدول المتخاصمة دون أن يكون دولة وسيطاً، فقد أشار رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي أنه كان ينفذ رغبة قاسم سليماني بنقل رسائل إيرانية إلى المملكة العربية السعودية لغرض تسوية الخلافات9، دون أن يكون للعراق رأي أو أن يقدم أفكاراً لتقريب وجهات النظر بين الدولتين، وهذا يعد تراجعاً كبيراً في الأداء للسياسة الخارجية العراقية.
لم تتوقف سلسلة التراجع للسياسة الخارجية العراقية في حكومة عبد المهدي على مستوى العلاقة مع الدول، بل امتد ليشمل المنظمات الدولية، إذ كان لعملية القتل الممنهج للمتظاهرين ضد السياسات الخاطئة لحكومته وجعله العراق دولة تابعة لإيران، أثر في عملية التحول بنظرة المجتمع الدولي تجاه النظام السياسي في العراق، فاستخدام القوة المميتة والقمع والمطاردة ضد الناشطين وانتهاك حقوق الإنسان، كان أحد الأسباب التي دفعت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة “جنين بلاسخارت” إلى تقديم إحاطات لمجلس الأمن الدولي أثَّرت في هز صورة العراق الخارجية والقلق من تحوله إلى دولة استبداد جديدة، على الرغم من أن نظامه ديمقراطي، وظهر العراق دولة انحياز أكثر من كونه دولة توازن في علاقاتها الخارجية.
مما تقدم يمكن القول بحقيقة مطلقة إن الفاعل الخارجي مارس ضغطاً شديداً على السياسة الخارجية العراقية منذ عام 2010، عن طريق جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، كما حدث في مقتل قاسم سليماني من قبل واشنطن أو الرد الإيراني بقصف قاعدة عين الأسد العراقية، فضلاً عن محاولات طهران فرض هيمنتها على القرار السياسي الخارجي للعراق من أجل وضع حد للخطر الأمريكي في المنطقة؛ ما جعلها تؤدي دور الضاغط المباشر وغير المباشر في تسيير العلاقات العراقية-الأمريكية بعيداً عن تهديد مصالحها الاستراتيجية الإقليمية والدولية؛ لذلك ظهر العراق كبلد محكـوم بقيـود داخلية جعلت من عملية صـنع القـرار السياسـي الخـارجي معقـدة وغير متوازنة بفعـل تعامـل بعـض الأطـراف السياسـية في الحكومـة مـع تلـك الـدول ودفاعهـا عـن مصـالحها.
رابعاً، حكومة الكاظمي والتوازن الفاعل:
إن الظروف السياسية الداخلية التي جاءت بحكومة مصطفى الكاظمي، وتزامنها مع المتغيرات الإقليمية والدولية تجاه العراق، حتمت وجود نهج أو برنامج حكومي واقعي وقابل للتطبيق لغرض إحداث فارق في السياسة الخارجية، رغم أن مهمة الحكومة كانت تقتصر على الإعداد لإجراء انتخابات مبكرة، لكن مع ذلك فقد أشار برنامج حكومته إلى أنها ستعتمد على ثلاث ركائز في سياستها الخارجية وهي:
السيادة: إذ يرفض العراق أي مس بسيادته من أي دولة، ولا يسمح باستخدام أراضيه للاعتداء على جيرانه أو ساحة لتصفية حسابات إقليمية أو دولية.
التوازن: إذ يتبنى العراق سياسة الانفتاح الإيجابي مع جيرانه وعمقه الإسلامي والعربي ودول العالم ويرفض سياسة المحاور.
التعاون: يسعى العراق لبناء منظومة متكاملة من المصالح المشتركة في علاقته الخارجية، ويسعى إلى الإسهام الفعال في حل الأزمات الإقليمية والدولية، ومكافحة الإرهاب، وغسل الأموال والجريمة المنظمة، وستقوم الحكومة بإعداد ملف مفصل استعداداً للمحادثات القادمة مع الولايات المتحدة لبحث العلاقة بين البلدين، ووجود قوات التحالف الدولي في العراق بما يحفظ المصالح العليا للعراق، ويحقق تطلعات شعبه، وبالتالي ملاحظة أن البرامج الحكومية المختلفة لجميع الحكومات ما بعد إبريل/نيسان 2003 تؤكد على المبادئ الدستورية ذاتها10.
كان أول التحديات على مستوى السياسة الخارجية لحكومة مصطفى الكاظمي، التي مُنحت الثقة في 6 مايو 2020، هي العودة إلى نقطة التوازن التي فقدها العراق في عهد حكومة عادل عبد المهدي، لاسيما وأن أحد مطالب المتظاهرين والمؤسسات غير الرسمية في العراق كان يدفع بأن يكون هناك استقلال للسياسة الخارجية، حيث وجدت قوى الثورة أن انحراف مواقف العراق واصطفافاته جعلته ساحة لتصفية الحسابات الخارجية؛ لذلك فإن إرضاء القوة الناعمة، التي تعد إحدى ركائز تشكيل السياسة الخارجية والتي كان دورها منعدماً في العراق على مستوى الحكومات السابقة، كان يجب أن يكون من خلال فعل دبلوماسي مختلف وترجمة حقيقية لطبيعة التوجهات الجديدة للكاظمي.
بدأت وزارة الخارجية العراقية بعد يونيو 2020، باستعادة زمام الأمور ومنع مراكز القوى الداخلية، التي تغولت على حساب المؤسسات الرسمية الصانعة للسياسة الخارجية، من التأثير في علاقات العراق مع الدول في الساحة الدولية، فبدأت سياسة العراق الخارجية تذهب باتجاه أن يكون العراق متقدماً في جميع التفاهمات والاتفاقات والتوازنات في إقامة العلاقات مع الدول الأخرى؛ ما انعكس ذلك بالإيجاب على مستوى أداء السياسة الخارجية للعراق، فكانت بغداد وجهة للعديد من وزراء الخارجية العرب، مثل وزراء خارجية كل من الكويت والأردن والمملكة العربية السعودية، وكذلك زيارات لوزراء خارجية أوروبيين من فنلندا وفرنسا واليونان إلى بغداد؛ لإجراء لقاءات دبلوماسية، وزيارة رئيس الوزراء المصري والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العراق. كما أولت الدبلوماسية العراقية أهمية خاصة للتواصل مع الجهات الفاعلة الإقليمية، كإيران وتركيا، والدولية كذلك.
وقد اتخذت حكومة مصطفى الكاظمي مسارات مهمة على الصعيد الخارجي، عبر تحويل الساحة العراقية إلى منطلق للمشاريع الإقليمية الجامعة، وخلق حالة توازن إقليمي/ عربي مع الدور الإيراني في العراق؛ لذلك اتخذ العراق خطوات عديدة على المستوى الإقليمي، حيث بدأ بالتحرك في بدايات عام 2021 نحو طهران والرياض وجمعهم في بغداد بمستويات معينة من التمثيل للوفدين، وكذلك التحرك باتجاه مصر وتركيا والإمارات والأتراك، واللقاءات الأولى كانت في بغداد، وتم جمع الإيرانيين والأردنيين في بغداد، ولم يتم الإعلان عنها ضماناً لنجاحها، ومن ثم تنتقل من المستوى غير العلني المخابراتي إلى المستوى العلني لوزراء الخارجية، فضلاً عن رؤية حكومة العراق وتحقيق أهدافها في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني من خلال زيادة التعاون مع دول الجوار، وتكثيف الحوارات لتخفيف التوترات الإقليمية، وعقد اللقاءات الثنائية بين الدول، ولعب العراق دوراً محورياً في طرح الحلول وجمع الفرقاء على أرضه.
وقد اتسمت رؤية حكومة الكاظمي بالوضوح؛ نتيجة إدراكها أن تحقيق التوازن في علاقات العراق العربية والإقليمية، سيشكّل فرصة مهمة للحكومة من أجل تحقيق الاستقرار الداخلي في كل المستويات، وتحديداً على مستوى العلاقات مع قطبَي المعادلة الإقليمية في المنطقة، المملكة العربية السعودية وإيران، فضلاً عن استثمار البيئة الإقليمية الداعمة التي وفرتها المصالحة الخليجية، في تحقيق مزيد من التفاعل مع باقي دول الإقليم، وفي هذا السياق جاءت زيارة الكاظمي إلى المملكة العربية السعودية في 13 مارس 2021، وكذلك زيارته إلى إيران في 13 سبتمبر2021، وكان الهدف من هاتين الزيارتين تحويل العلاقة بين الطرفَين من حالة التنافس إلى حالة التعاون، ونتج عنها قبول الدولتين بأن يكون العراق وسيطاً لحل الخلافات بينهما، وهذا يعد من أهم مكتسبات سياسة التوازن الفاعل.
كان اللاعبون الدوليون ينظرون إلى العراق كما ينظرون إلى ليبيا وسوريا، ولكن السعي في إقامة مؤتمر بغداد وغيره من المؤتمرات والاجتماعات قد غير البوصلة باتجاه بغداد لتكون ساحة للاستشارات الدولية وجمع الأطراف المتخاصمة للحوار، وأخذت دول الجوار الإقليمي للعراق تنظر إلى أن هناك ساحتين للحوار والتفاوض في منطقة الشرق الأوسط إحداهما بغداد، لما تمتلكه من ميزة تتسم بالقبول من أغلب الدول المتضادة11.
شهد العراق حدثاً مهماً على مستوى السياسة الخارجية، اذ عُقد مؤتمر “قمة بغداد للتعاون والشراكة” في 28 أغسطس 2021، شاركت فيه تسع دول معظمها من الجوار الإقليمي للعراق، إضافة إلى منظمات عربية ودولية12، حيث نجحت بغداد في فتح مسار للعمل المشترَك في المحيط الإقليمي عبر الحوار بدلاً من الصراعات، على اعتبار أن استقرار العراق يعني استقرار المحيط الإقليمي والمنطقة بأكملها، إضافة إلى أداء دور الوسيط بين السعودية وإيران الخصمين الأبرز بالمنطقة وجمعهما على طاولة واحدة في بغداد، بعد قطيعة بينهما دامت سنوات، وقد حقق العراق بذلك على مستوى العلاقات الخارجية انسجاماً مع محيطه العربي والإقليمي، في مسعى منه لاستعادة دوره الإقليمي والدولي بفعل الانفتاح المتبادل بين العراق والدول العربية والإقليمية والغربية.
والحقيقة أن العراق، بوصفه أحد أكثر البلدان التي تتأثر بالتحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة، لعوامل سياسية واقتصادية وأمنية عديدة، وجدَ نفسه أمام وضع إقليمي صعب للغاية والسبب في ذلك هو حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي التي يعيشها العراق منذ عام 2003، إذ بدا متفاعلاً استراتيجياً مع أي تطورات سياسية تحيط به؛ ما دفعه إلى تبنّي خيارات إقليمية عديدة يطمح من خلالها إلى النأي بنفسه عن التحولات الحادة التي تشهدها البيئة الإقليمية. وفضلاً عن ذلك، اختار العراق عدم التدخل في الشأن الداخلي الخليجي، كما حاول جمع دول الإقليم حول مبادرات ومشاريع إقليمية عديدة؛ لإدراكه أن ذلك قد ينعكس إيجابياً على الداخل العراقي، حيث إن ثنائية التوازن الفاعل من شأنها أن تؤسِّس لفاعلية خارجية عراقية، فيما لو نجح الكاظمي بالعودة إلى رئاسة الوزراء مجدداً.
كذلك شكّلت البيئة الدولية إحدى أبرز الدوائر التي سعت حكومة الكاظمي لاستثمارها، من أجل تحقيق مزيد من المنافع الاقتصادية والدعم الدولي لتجاوز التحديات التي يواجهها العراق، فضلاً عن استثمار الرغبة الدولية في دعم جهود الحكومة العراقية حيال ترسيخ سلطة الدولة، وإسناد العملية الانتخابية، وتوفير الدعم للقوات الأمنية العراقية، ومن ثم وفرت هذه الرغبة الدولية فرصة كبيرة لحكومة الكاظمي بالتحرُّك السياسي الدولي على أكثر من صعيد، سواءً نحو منظمة الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو البنك الدولي، أو حتى حلف شمال الأطلسي.
استطاع العراق إعادة بوصلته تجاه المجتمع الدولي، ونجح في رسم صورة جديدة عن سياسته الخارجية التي طمأنت إلى حد بعيد المجتمع الدولي بعد أن كانت تتأكل بسبب تغول السلاح المنفلت، كذلك عبر العراق في مواقف كثيرة عن نيته في تصحيح المسار تجاه المجتمع الدولي، بما يسهم في حفظ السلم والأمن الدوليين وعدم التدخل في سياسة المحاور لطرف ضد آخر، في مقابل أن يدعم المجتمع الدولي جهود العراق في استعادة دوره الرئيسي في الساحة الدولية والإقليمية، وكذلك في المنظمات الدولية، وقدم العراق محطات عديدة عن سعيه لاحترام القوانين والأنظمة الدولية، وأبرز هذه المحطات تلك التي قدم فيها وفاءه لالتزامه بقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالديون المترتبة عليه لدولة الكويت، لغرض استكمال متطلبات خروجه من الفصل السابع.
خاتمة
إن مبدأ التوازن في السياسة الخارجية العراقية الذي اعتمدته الحكومات العراقية بعد عام 2003، لم يحقق نجاحاً أو فارقاً كبيراً في تعزيز مكانة العراق في محيطه العربي والدولي، فلطالما تم النظر إلى ذلك المبدأ على أنه محاولة لعدم إغضاب المتخاصمين والفاعلين من الدول في الداخل العراقي، كما أنه كان يعبر عن عدم القدرة على اتخاذ المواقف التي تتناسب وانتمائه وثوابته، أو حتى ما يمكن أن يحقق مصالحه وفق ما جاء في الدستور.
قد تكون دبلوماسية التوازن في العراق مبررة في السنوات الأولى لبناء النظام السياسي الجديد، لكن الاستمرار عليها واعتمادها كمنهج ثابت لسبع حكومات عراقية، تحت مبرر حساسية الوضع الجيوسياسي للعراق، وأن المنطقة تعيش تصادم مصالح الدول الفاعلة فيها، يعبر عن مستوى الجمود لصانع السياسة الخارجية وعدم قدرته على إنتاج مسارات يمكن من خلالها أن تحفظ سيادة العراق، فقد تعرض نتيجة هذا المبدأ إلى انتهاك كامل من الدول الإقليمية، كإيران وتركيا، دون أن يكون هناك رد فعل دبلوماسي رادع للعراق تجاه هذه الدول، حتى وصل الأمر إلى أن يعاقَب العراق أو أي طرف داخله يتخذ موقفاً خارجياً ضد أي منهما، مثلما حدث مع حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق.
كذلك، فإن العراق وبعد كل هذه السنوات من اعتماده مبدأ التوازن ما زال خاضعاً للمؤثرات الخارجية بشكل أكبر بكثير من بقية الدول التي تمتلك مقومات الحصانة الخارجية من تلك المؤثرات، وحتى المواقف الخارجية على مستوى المؤتمرات المشترك فيها والمنظمات التي هو جزء منها، يظهر أن هامش الاستقلالية التي تتمتع بها السياسة الخارجية العراقية مازال محدوداً، فمجمل المشاريع العربية والإقليمية والتفاعلات الدولية، التي قامت بها حكومتا حيدر العبادي ومصطفى الكاظمي، كانت مبنية بالأساس على ردود الأفعال إلى حد ما، وحتى في حالة ممارسة الفعل واجهت الحكومتان ضغوطاً داخلية حادة من الزعامات والكتل السياسية الحليفة لإيران أو سوريا أو تركيا الشيعية والسنية والكردية، وهو مؤشر مهم لفهم الطبيعة التي تُدار بها السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003.
إن البناء لما فوق مبدأ التوازن الذي اعتمدته حكومة مصطفى الكاظمي في عام 2021، يمكن أن يكون قاعدة صلبة للعمل الخارجي، لتحقيق تحولات مهمة على الصعيد الدبلوماسي، والانطلاق لاعتماد مبدأ جديد في السياسة الخارجية بعيداً عن سياسة التوازن الهش التي لم تحقق للعراق ذلك التقدم، واستمر حبيس القلق من أي موقف يتخذه.
يمتلك العراق فرصة كبيرة لأن يعتمد سياسة خارجية ومنهجاً جديداً يدير فيه علاقاته من خلال عدة مسارات؛ منها: نظرية (الدبلوماسية الضامنة (والتي يمكن أن تُبنَى وفق ثوابت احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية من الدول الأخرى كركن أساسي في إقامة أي علاقة ثنائية، فليس من المعقول أن يفكر صانع القرار للسياسة الخارجية بالتوازن، مع دولة تنتهك سيادته وتصادر قراره الداخلي والخارجي.
كذلك، فإن اعتماد سياسة خارجية أساسها (التحالف) مع دول الارتكاز العربي سيحقق للعراق مساحة قوة خارجية وتفاعلاً أكبر على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية كافة”.