حرية – (2/7/2022)
توقع وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، 3 سيناريوهات بشأن مآلات الحرب في أوكرانيا، التي تدور رحاها منذ 24 شباط الماضي، فيما حذر من المواجهة مع الصين.
وكان هنري كيسنجر اعتبر في منتدى دافوس الأخير، أنَّ الخط الفاصل بين روسيا وأوكرانيا يجب أن يعود إلى الوضع السابق، لأن مواصلة الحرب إلى أبعد من هذه المرحلة سيحولها إلى حرب لا تتعلق بالحرية، ولكن إلى حرب ضد روسيا نفسها.
وتعرض كيسنجر إثر هذه التصريحات التي تضمنت تلميحات بتنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها لروسيا إلى انتقادات كبيرة، خصوصاً من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وفي حوار مع مجلة “ذا سبكتاتور” الأسبوعية البريطانية، أجراه الصحافي أندرو روبرتس، أوضح كيسنجر أن “هناك ثلاث نتائج محتملة لهذه الحرب، جميعها لا تزال ممكنة”.
مآلات الحرب الأوكرانية
وقال كيسنجر: “إذا توقفت روسيا في موقعها الحالي الآن، فستكون قد احتلت 20% من أوكرانيا ومعظم دونباس، المنطقة الصناعية والزراعية الرئيسية، وقطاعاً من الأراضي على طول البحر الأسود. وإذا ظلت هناك، فسيكون انتصاراً، على الرغم من جميع الانتكاسات التي عانت منها في البداية. ودور الناتو لن يكون حاسماً كما كان يُعتقد سابقاً”.
وأضاف: “النتيجة الثانية هي محاولة إخراج روسيا من الأراضي التي احتلتها قبل هذه الحرب، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وبعد ذلك ستظهر مسألة الحرب مع روسيا نفسها إذا استمرت الحرب”.
وتابع: “النتيجة الثالثة، التي تحدثت عنها في دافوس -ووفقاً لانطباعي- يقبلها زيلينسكي الآن هي أنه إذا تمكن الشعب الحر من منع روسيا من تحقيق أي غزوات عسكرية، وإذا عاد خط القتال إلى ما كان عليه وقت بداية الحرب، فإن العدوان الحالي سيكون قد هُزم بشكل واضح. وسيُعاد تكوين أوكرانيا بالشكل الذي كانت عليه عندما بدأت الحرب، أي عند خط القتال القائم بعد عام”.
واعتبر كيسنجر أنه في هذه الحالة “سيُعاد تسليح أوكرانيا وتوثيق علاقاتها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إن لم تُصبح جزءاً منه. ويُمكن ترك المسائل المتبقية للمفاوضات، وسيكون الوضع مُجمداً لبعض الوقت. ولكن كما رأينا في إعادة توحيد أوروبا على مدى فترة من الزمن، فمن الممكن حلها”.
“إنجاز كبير للحلفاء”
وعندما أشار أندرو روبرتس، إلى أن جميع هذه النتائج لا تتضمن عقوبة حقيقة لبوتين على غزوه لأوكرانيا، ردَّ كيسنجر: “على العكس تماماً. إذا انتهت الحرب كما توقعت في دافوس، أعتقد أن ذلك سيكون إنجازاً كبيراً للحلفاء. فانضمام فنلندا والسويد سيقوي الناتو ويتيح إمكانية الدفاع عن دول البلطيق. وأوكرانيا ستمتلك أكبر قوة برية تقليدية في أوروبا مرتبطة بالناتو أو أحد أعضائه”.
وأضاف: كما أنه “سيُثبت لروسيا أن الخوف الذي عانت منه أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية من جيش روسي يتوسع في أوروبا عبر الحدود القائمة يُمكن منعه من خلال إجراءات الناتو التقليدية. ولأول مرة في التاريخ الحديث، سيتعين على روسيا مواجهة التعايش مع أوروبا ككيان، بدلاً من أن تكون الولايات المتحدة العنصر الرئيسي في الدفاع عن أوروبا بقواتها النووية”.
التقارب مع الصين
وبشأن السياسات الغربية تجاه الصين، قال كيسنجر إن “الولايات المتحدة -منذ عهد (الرئيس السابق دونالد) ترمب- كانت فيما يبدو تُنفذ سياستها تجاه الصين على أساس مبدأ مفاده أنه إذا أقمت تحالفات مع جميع الدول المحيطة بالصين، فإن ذلك سيقنع بكين بقبول قواعد السلوك التي وضعها الغرب”.
وأضاف: “لكن النهج الصيني يختلف عن النهج الأوروبي في وضع السياسات، فالنهج الأوروبي وضعته دول صغيرة نسبياً كانت تدرك تأثير الدول المحيطة بها عليها، وتطلب ذلك إجراء تعديلات مستمرة على ميزان القوى”.
وتابع: “تاريخ الصين على مدى آلاف السنين هو تاريخ دولة مهيمنة في منطقتها. وأدى ذلك إلى وضع سياسة خارجية تعتمد على فرض النفوذ من خلال حجم الإنجاز، وتعززها القوة العسكرية بالضرورة، دون السيطرة عليها”.
واعتبر أن السياسة طويلة الأجل مع الصين تحتاج إلى عنصرين: الأول هو القوة الكافية، حتى تكون مواكبة للقوة الصينية حيثما ظهرت بطريقة مهيمنة. ولكن في الوقت نفسه، وضع مفهوم يُمكن أن تجد فيه الصين نفسها تُعامل على قدم المساواة وكشريكة في النظام.
وعن تعامل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع الصين، قال كيسنجر: “يبدو أنها (إدارة بايدن) تحاول بدء حوار. ولكن الإدارة عادة ما تبدأه ببيان عن الظلم في الصين. والتركيز على قضية تايوان سيؤدي إلى مواجهة. لا أعرف ما ستنتجه المفاوضات التي يبدو أنها جارية، ولكن في الوقت الحالي، أعتقد أننا في مأزق”.
الخيارات النووية
وفيما يتعلق بأداء الإدارة الأميركية في المحادثات النووية مع إيران، قال كيسنجر: “لقد كنت متشككاً للغاية بشأن الاتفاق النووي الأصلي. واعتقدت أن وعود إيران سيكون من الصعب للغاية التحقق منها، وأن المحادثات ربما تكون قد أبطأت بناء القدرات النووية، ولكنها جعلتها أكثر حتمية. ودفع ذلك الدول في المنطقة، وخاصة إسرائيل -العدو الرئيسي لإيران- إلى اتخاذ ردود فعل قد تجعل الموقف أكثر اشتعالاً”.
وأشار إلى أن “المشكلة مع المحادثات النووية الحالية تكمن في أنه من الخطير للغاية العودة إلى اتفاق لم يكن كافياً في الأساس، وتعديله في اتجاه يجعله أكثر قبولاً للخصم”.
واعتبر أنه “لا يُمكن تحقيق السلام في الشرق الأوسط مع وجود الأسلحة النووية في إيران، لأنه قبل أن يحدث ذلك، ثمة خطر كبير يتمثل في اتخاذ إسرائيل إجراءات استباقية، لأن إسرائيل لا يمكنها انتظار أسلحة الردع”.