حرية – (16/7/2022)
كشف تحقيق استقصائي لمجلة “بلومبرغ بزنس” الأميركية عن تعثر كبير في أعمال مدينة نيوم، نتيجة للصعوبات الشديدة التي التي يواجهها المصممون والمهندسون في تنفيذ الرؤى “المتغيرة” لصاحب فكرة المدينة، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وأعلن محمد بن سلمان عن فكرة المدينة عام 2017، وأنها ستكون في تبوك شمال شرقي المملكة، مبشرا بأنها ستحمل أفكارا معمارية وتقنية شديدة الابتكار.
وقالت المجلة إن المستفيد الأول من المشروع حتى الآن هم القائمة الطويلة من المستشارين الذين يتلقون مرتبات كبيرة قد تصل إلى 900 ألف دولار سنويا، فضلا عن امتيازات وخدمات عالية المستوى، حيث يعيشون في معسكر كبير بموقع المدينة المنتظرة مع عائلاتهم، وتتولى العمالة المهاجرة خدمتهم، بدء من تحضير الطعام وحتى غسيل الملابس.
إلا أن جهود هؤلاء المستشارين، قلما ينتج عنها شيئ ملموس، بحسب تعبير المجلة، وتحول العمل في نيوم إلى “فرصة توظيف مضمونة” لمصممين ومهندسين وغيرهم ممن يستنزفون موارد السعودية الغنية، مقابل تقديم تصورات لن ترى النور في الأغلب.
وأن الكثير منهم يذهب بنية جني أكبر كم من الأرباح قبل أن يأخذ كفايته ويرحل.
وتقول المجلة إن بعض أحلام مدينة نيوم واقعية ولها علاقة بالمستقبل الاقتصادي المنظور، مثل خطة بناء منشأة هائلة تتكلف 5 مليارات دولار لإنتاج وقود الهيدروجين للسيارات، كما أن رؤية بناء مركز اقتصادي هائل من العدم ليست مستحيلة، فمدينة دبي، مثلا، كان أغلبها صحراء قاحلة قبل 30 عاما.
لكن أغلب المشروعات المقترحة في المدينة “زائفة على أفضل تقدير”، بحسب ما نقلت المجلة عن آندي ويرث، المدير الأميركي الشهير في مجال الفنادق والسياحة، الذي عمل في نيوم عام 2020.
وقال للوكالة: “ما رأيته هناك هو غياب كامل للموضوعية والارتباط بالواقع”.
الشاطئ الفضي
كان أول مشروع كبير في مدينة نيوم هو بناء مدينة شاطئية شبيهة بشواطئ الريفيرا الفرنسية، على أن تتسع لخمسين ألف نسمة. ولجأت نيوم إلى شركة “لوكا دني” الإيطالية المتخصصة في تصميم اليخوت الفاخرة.
وبعد عدة جولات من التعديلات من لجنة رأسها ولي العهد السعودي، توصلت الشركة لتصميم “الشاطئ الفضي”، والذي كان من المفترض أن تحوي رماله رخاما مطحونا بحيث تعكس أشعة الشمس وتضيئ من بعيد.
قضى العاملون بالمشروع ساعات طويلة من أجل ملاقاة المواعيد المطلوبة، وتضمن المشروع حلبة سباق للسيارات الكهربائية و400 قصر يصل حجم الواحد منها 10 آلاف قدم مربع، ونادي لليخوت.
وفي الربع الأول من 2019، تم إلغاء المشروع فجأة بدعوى أنه “ليس طموحا كفاية”، بحسب موظفين سابقين. وتكرر هذا الأسلوب كثيرا مع العديد من المشاريع الطموحة، من أهمها مبادرة لبناء حقل للطاقة الشمسية بتكلفة 200 مليار دولا.
ويقول أحد المديرين الذين أشرفوا على تصميمات الشاطئ الفضي: “كانت هذه هي أقل فترة إنتاجا للعمل في حياتي، وأفضلها من ناحية المقابل المالي”، واصفا فترته بأنها كانت سلسلة متصلة من إعداد عروض مفصلة عن مشروعات طموحة عبر برنامج “باور بوينت” ثم إلقائها في سلة المهملات بعدها بأسبوع.
مدينة “ذا لاين”
أما ويرث فكان قد عمل على مشروع ضخم لتحويل بعض جبال المملكة في منطقة نيوم إلى منطقة مفتوحة للتزلج على الجليد. وقال ويرث أنه بعد دراسة المطلوب، شعر بالقلق الشديد من الآثار البيئية الهائلة لمثل هذا المشروع، الذي يتطلب تفجير أجزاء كبيرة من المكان، لبناء بحيرة صناعية ضخمة.
وقال ويرث: “لم يكن بإمكاننا حتى أن نقدر تكاليف المشروع.. كنا نضع مبان فوق جبال لا نعرف طبيعتها الجغرافية”، وكان من ضمن المطلوب أن يتضمن المشروع فندقا ضخما يسمى “الخزانة” داخل واد صناعي.
“التطميم المطلوب كان أشبه بمحاولة بناء منجم تعدين مفتوح”، بحسب قول ويرث، الذي ترك العمل في المشروع بعد 5 أشهر من توليه الوظيفة.
وفي 2021، ظهر ولي العهد بنفسه على التلفزيون السعودي ليتحدث عن “ذا لاين”، وهي مدينة أفقية من المفترض أن يسكن بها مليون نسمة، وأن تكون خالية من السيارات، ويستطيع سكانها الانتقال من مكان إلى آخر خلال 5 دقائق فقط، مستعينين بقطارات سريعة تحت الأرض.
وقد بدأ العمل فعليا في مدينة “ذا لاين”، لكن تحقيق الرؤية المبدئية يتطلب تحريك 20 مليون طن من الصخور، وقد أدرك المسؤولون عن المشروع، سريعا جدا، مدى صعوبة تنفيذه لأمر واقع.
وقال عاملون سابقون بالمشروع لبلومبرغ إن تكلفة بناء البنية التحتية المدفونة تحت الأرض سيتكلف أضعاف البنية التحتية التقليدية، وأن تكلفة بناء المشروع فعليا قد تتخطى ترليون دولار. كما ذكر الموظفون أن الرؤية الأصلية للمدينة المكونة من عدد من المبان منخفضة الارتفاع المتصلة ببعضها البعض تحت الأرض لم تعد مطروحة، وأن الرؤية تركز الآن على بناء مبنيين كبيرين طويلين يتصلان ببعضها البعض تحت الأرض، يبلغ طول كل منهما ارتفاع مبنى الإمباير ستيت، لكنهما أفقيين على الأرض، بدلا من رأسيين.
رؤية من الخيال العلمي
وألقت المجلة الضوء على تأثر رؤي المدينة بروايات وأفلام الخيال العلمي، مما دفع بالمدينة لتوظيف العديد من الروائيين ومصممي أفلام هوليوود وغيرهم لدراسة جماليات أفلام مثل “بليد رنر” و”جوني ميمونيك” وحتى فيلم مارفل الشهير “بلاك بانثر”.
وطبقا لبلومبرغ، فإن نيوم قد يسمح فيها بشرب الخمور، على عكس باقي المملكة، كما قد يكون بينها وبين باقي المدن “حدودا إلكترونية”، أي أن دخول المواطنين لها يحتاج إلى تصريح عبور، وأن لها إطارا قانونيا خاصا بها.
وعلق نظمي النصر، المدير التنفيذي لمدينة نيوم، على العديد من نقاط التحقيق، مؤكدا للوكالة أن العالم سيرى “تصميما ثوريا” لمدينة ذا لاين حين يعلنوا عن الشكل النهائي.
وأكد نصر أن نيوم تقيم موظفيها بناء على إنجازهم للخطط الموضوعة، وأن حجم وضغوط العمل الكبيرة هو الذي قد يدفع بعضهم للرحيل قبل نهاية عقده.
ولفتت المجلة إلى أن عددا من الموظفين يؤمنون حقا بالرؤية المستقبلية لنيوم. ونقلت عن جان باترسون، وهي بريطانية كندية ترأس قسم التخطيط الرياضي، أنها تتصور أحفادها يعيشون في المدينة، حيث يستيقظون من النوم، فتتولى مجسات إلكترونية قياس حالة أجسادهم، وتقترح عليهم الطعام الأنسب لهم للفطور، ثم ينزلون من بيوتهم حاملين حقائب مضادة للبلل، ويعومون للمدرسة في طرق مائية.
وأكدت أن التقنيات المبتكرة الموجودة في نيوم ستضمن حياة طويلة وصحية لقاطنيها.