حرية – (28/7/2022)
استعرض تقرير أمريكي، اليوم الخميس، كيفية “انتهاء” فكرة “الناتو الإقليمي” بدءاً من مواقف الدول المعنية بها وأبرزها العراق والسعودية، فيما قارنت طهران هذه الفكرة “الميتة”بخطط (الشرق الاوسط الكبير) و(صفقة القرن).
وأوضح معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط (ميمري) الأمريكي في تقرير “كيفية نشوء فكرة (الناتو الإقليمي)، ومواقف الدول المعنية منها، وكيفية خفوتها تدريجياً، من خلال التطمينات والرسائل الإقليمية المتبادلة مع طهران، بما في ذلك الدور الذي لعبه العراق من اجل التهدئة وتوضيح النوايا، خاصة بين إيران والاردن، وتصريحات رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي”.
مبادرة فاشلة
وتحت عنوان “مبادرة فاشلة لتأسيس حلف شمال الاطلسي في الشرق الاوسط”، ذكر “ميمري” المعروف بقربه من الاوساط الاسرائيلية النافذة في واشنطن، أنه “فيما قبل زيارة الرئيس الامريكي جو بايدن الى السعودية لحضور قمة جدة للأمن والتنمية في 16 تموز/يوليو 2022، نشرت وسائل الإعلام العربية والدولية تقارير عديدة تدعي ان أحد القضايا الرئيسية التي ستناقش في القمة، تتعلق بانشاء تحالف عسكري اقليمي ضد إيران، والمفترض ان يضم اسرائيل الى جانب دول عربية (معتدلة)، بينها السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن”.
وأشار التقرير إلى ان “هذه المبادرة كان يشار اليها الى انها (الناتو الاقليمي)”، مبيناً ان” التصريحات التي ادلى بها الملك الاردني عبد الله الثاني في مقابلة في 24 حزيران/يونيو مع قناة تلفزيونية امريكية، أنه سيكون أول من ينضم الى مثل هذا الحلف، عززت من حدة الجدل حول هذه القضية”.
وتابع التقرير الامريكي أن “الدول العربية بدأت مع اقتراب قمة جدة بالتوضيح سواء بشكل رسمي او من خلال تصريحات صريح او عبر مقالات صحافية، انها لا تعتزم الانضمام الى تحالف عسكري اقليمي ضد ايران”.
وذكّر التقرير بـ”تصريح رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قبل توجهه الى قمة جدة، عندما قال ان العراق ليس طرفاً في أي تحالف في المنطقة، وأنه يحافظ على سياسة متوازنة تجاه جيرانه ومحيطه”.
كما ذكّر بتصريح أنور قرقاش، مستشار رئيس الإمارات، بأن “بلاده لن تنضم الى هذا التحالف، وأنها في المقابل، تبحث ارسال سفير الى إيران، كما أن في الأيام التي سبقت انعقاد قمة جدة، قامت مصر والاردن ايضا بنقل رسائل تطمينات سرية الى إيران عبر العراق وسلطنة عمان، أكدتا فيها عدم سعيهما الى الانضمام الى تحالف إقليمي ضدها وعدم رغبتهما بتصعيد الصراع معها”.
وأوضح التقرير ان “قمة جدة اختتمت من دون أي ذكر لتحالف لإقليم، سواء مع اسرائيل او من دونها”، بينما نقل عن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في ختام القمة قوله إن “الحوار والدبلوماسية هما السبيل الوحيد للتعامل مع البرنامج النووي الايراني، وان السعودية تمد يدها لإيران”.
وأشار التقرير إلى انه “حتى لو كانت عدة دول عربية قد بحثت في وقت ما في تشكيل تحالف إقليمي ضد ايران، فإن سلسلة من الاعتبارات والرؤى دفعتها باتجاه نبذ الفكرة والتاكيد على انها لا تسعى الى مواجهة عسكرية معها”.
ولفت التقرير الأمريكي إلى ان “الاعتبار الرئيسي هو إدراك هذه الدول ان إدارة بايدن ملتزمة بالتوصل الى اتفاق نووي مع ايران، وانها تتطلع الى الدبلوماسية باعتبارها الخيار الافضل، ان لم يكن الخيار الوحيد، للتعامل مع برنامج ايران النووي”، موضحاً أن “هذه الدول تعتبر لذلك أنه لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتها من ايران، وتتخوف من أن واشنطن لن تبادر الى مساعدتها في حال وقوع مواجهة عسكرية مع ايران، تماما كما لم تتحرك لمساعدة أوكرانيا بعدما هاجمتها روسيا”.
وبيّن التقرير أنه “بالإضافة إلى ذلك، فإن الدول العربية تتخوف من أن الولايات المتحدة ستبرم اتفاقا نوويا جديدا مع إيران لا يعالج هواجسها بشأن سلوك طهران وميليشياتها في المنطقة، وبالتالي تعتبر أنه سيكون من الحكمة فتح قناة تواصل مباشرة مع إيران، عوضا عن التحرك نحو تصعيد عسكري معها”، لافتاً إلى أن “هذه الدول اتخذت قراراً استراتيجياً بالمحافظة على علاقات هادئة مع إيران والسعي للحوار معها”.
وذكر التقرير أن “خمس جولات من المحادثات، عقدت بوساطة من العراق وسلطنة عمان، بين السعودية وإيران، في حين أن الإمارات تبقي على اتصالاتها وحوارها مع طهران، بينما قامت مصر والأردن بالمثل خلال الاسابيع الاخيرة”.
“ولدت ميتة”
ونقل التقرير عن مقالات في وسائل اعلام عربية تشير الى ان “مبادرة الناتو الاقليمي، ولدت ميتة، إنها جاءت كمبادرة أمريكية، وأن بايدن حمل المبادرة معه عندما عاد الى واشنطن”.
وأكمل التقرير في هذا الصدد بأنه “مع اقتراب مجيء بايدن الى المنطقة، وتكاثر الحديث حول فكرة الحلف، بدأ المسؤولون الاماراتيون في اظهار تحفظات على الفكرة، وفي يوم 26 حزيران 2022، بعدما تحدثت صحيفة (وول ستريت جورنال)، الامريكية عن اجتماع سري عقد في آذار في شرم الشيخ بين قادة عسكريين رفيعي المستوى من إسرائيل ودول عربية، بما في ذلك الإمارات، كان يستهدف بحث التعاون ضد التهديدات الاقليمية من جانب ايران، اعلنت الامارات انها ليست طرفا في اي تحالف عسكري اقليمي او تعاون يستهدف اي دولة، كما انها ليست على علم بأي مناقشات رسمية تتعلق بأي تحالف عسكري اقليمي من هذا القبيل”.
وبرغم اشارة المستشار قرقاش، وفقاً للتقرير فانه “لا تزال هناك مخاوف للامارات حول انشطة إيران الاقليمية، الا انها تريد بذل جهود لإيجاد حلول دبلوماسية، مبيناً أن “الناتو العربي كان مفهوما (نظريا)، ونحن منفتحون على التعاون ولكن ليس التعاون الذي يستهدف اي دولة اخرى في المنطقة، والإمارات لن تكون طرفاً في أي مجموعة من الدول تنظر في المواجهة ضد طهران”.
رسائل إلى إيران
اما فيما يتعلق بمصر، فقد لفت التقرير إلى ان “القاهرة قامت بنقل رسائل مطمئنة لإيران حتى قبل زيارة بايدن، عبر زيارة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى سلطنة عمان في 27 حزيران، حيث عقد اجتماع بين كبار المسؤولين المصريين والإيرانيين، واكد فيه المصريين أن بلادهم تعارض التحالفات الاقليمية وتسعى من اجل تحسين علاقاتها مع إيران، كما أن المعارضة داخل مصر لفكرة التحالف العربي الاسرائيلي ضد طهران، تقودها قيادات في الجيش المصري ومديرية المخابرات العامة. فالتقارب هدفه منع إيران من إقامة علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، المعارضة لنظام السيسي”.
وبشأن الأردن ذكّر التقرير بـ”مقابلة تمت في 18 أيار 2022 مع معهد هوفر في جامعة ستانفورد الامريكية، كرر خلالها الملك عبد الله الثاني قلقه بشأن الوجود الإيراني على الحدود السورية الاردنية واطلاقه تحذيرات منذ سنوات من محاولات ايران توسيع وجودها في المنطقة وتشكيل تواصل جغرافي من اراضيها الى لبنان عبر العراق وسوريا، وهو تواصل اشار اليه في العام 2004 باسم (الهلال الشيعي)”.
وتابع التقرير أنه “بعد الحرب في سوريا والتغلغل الإيراني في هذا البلد، ازدادت هواجس الاردن من ايران ومن وجود الميليشيات الموالية لإيران على الحدود السورية الاردنية، وتحدث الاردنيون خلال الاسابيع الاخيرة عن احباط سلسلة من محاولات تهريب المخدرات والاسلحة والذخيرة الى الاردن عبر الحدود مع سوريا، وقد تكون هذه المخاوف هي الدافع وراء تصريح عبد الله الثاني بأنه (سيكون من اوائل الاشخاص الذين سيؤيدون حلف ناتو للشرق الاوسط)”.
وبعد الضجة التي أثارها التصريح، خرج وزير الخارجية الاردني ايمن الصفدي، ليوضح لقناة الجزيرة القطرية في 28 حزيران 2022 أنه “لم يكن هناك نقاش حول تحالف عسكري تشكل اسرائيل جزءا منه، ولم نسمع مثل هذا الاقتراح حتى الان”.
واعتبر التقرير أن “التطمينات التي نقلها الصفدي الى ايران، جاءت بسبب قلق الأردن من رد ايراني قاسٍ يستهدف مصالح المملكة، وايضا بسبب إدراك الاردن ان دولا عربية اخرى غير مهتمة بالانضمام الى مثل هذا التحالف او في خوض مواجهة عسكرية مع إيران”.
واشار التقرير الى انه “في الايام التي سبقت قمة جدة، جرى حوار غير مباشر بين الأردن وإيران، بوساطة الكاظمي، وذلك بهدف تخفيف حدة التوتر بين البلدين،
ونتج عنه تبادل تفاهمات عامة، مفادها أن طهران حثت عمان على تجنب اتخاذ موقف متطرف تجاهها بتأثير من أمريكا او اسرائيل أو دول الخليج، وانها ليست مهتمة بنشوء أزمة مع الاردن وانها تحترم سيادته”.
كما أعرب الأردن، وفقاً للتقرير عن “قلقه من تورط الحرس الثوري الايراني والميليشيات المدعومة من إيران في تهريب المخدرات والاسلحة من سوريا الى الاردن، فيما أكدت طهران بأنها لن تسمح بحدوث ذلك، وأنها ستبقي على الميليشيات الموالية لها، على بعد 40 كيلومتراً من الحدود الاردنية”.
واعتبر التقرير أن “هذه التفاهمات والحوارات، دفعت المسؤولين الاردنيين الى الادلاء بتصريحات مفاجئة، تعكس التوافق عشية انعقاد قمة جدة، حيث أوضح رئيس الوزراء بشر الخصاونة ووزير الخارجية أيمن الصفدي أن (الأردن منفتح على العلاقات الطبيعية مع ايران)، مؤكداً أن “الاردن لم يعتبر أبداً أن ايران تهديد لامننا القومي”.
وبشأن العلاقات السعودية -الإيرانية أوضح التقرير أن “الرياض وبرغم تعبيرها في ختام قمة جدة، عن أنها لا تزال تعتبر إيران مصدراً للقلق، إلا انها تفضل ايجاد حل دبلوماسي للنزاع معها”.
ونقل التقرير عن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قوله إن “الحوار والدبلوماسية هما الحلان الوحيدان لقضية برنامج إيران النووي”، نافياً “
كما أوضح بن فرحان، وفقا للتقرير الأمريكي “نسعى لإيجاد مسار لعلاقات طبيعية مع جارتنا إيران، وهو ما يضمن التوصل الى تفاهمات ستعالج القلق بشأن النشاط الإيراني، وهذا القلق لا تشعر به السعودية وحدها، بل جميع دول المنطقة”، مؤكداً في الوقت ذاته “التزام السعودية بالحوار الجاري بين السعودية وإيران بوساطة عراقية”.
الرد الايراني
وبشأن الرد الإيراني على مجمل المواقف العربية، أوضح التقرير أن هناك “ترحيباً ايرانياً باللهجة التصالحية لتصريحات المسؤولين العرب”، مورداً تغريدة رئيس قسم رعاية المصالح الايرانية في مصر محمد حسين سلطان فرد على موقع (تويتر)، قائلاً إن “مصر عارضت خيال امريكا السخيف بتشكيل تحالف ضد ايران”، معتبرا ان هذه الخطة تشبه خطة (الشرق الأوسط الكبير) وكذلك (صفقة القرن)، وستولد ميتة ان شاء الله”.