حرية – (31/7/2022)
تحل، الاثنين، الذكرى الأربعون للكارثة المرورية التي أسفرت عن أكبر عدد من الضحايا في فرنسا، بعدما تسبب تصادم عدد من المركبات على طريق سريعة في اتجاه الجنوب في الأول من أغسطس 1982، في مقتل 53 شخصاً بينهم 46 طفلاً ، معظمهم كانوا في طريقهم إلى مخميماتهم الصيفية.
وتقود طريق صغيرة على طول “طريق الشمس السريعة” التي تربط جنوب شرق باريس بمدينة ليون، ثم بمرسيليا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، إلى لوحة تذكارية تحمل أسماء وأعمار 53 قتيلًا. وبينهم سبعة من أفراد عائلة واحدة، كانت أعمارهم لدى مصرعهم تبلغ عشر سنوات وثماني وسبعاً، وكان أصغرهم في الخامسة. واحتلت صور الصغار يومها الصفحات الأولى للصحف الفرنسية.
ووقع الحادث ليل السبت 31 يوليو إلى الأول من أغسطس ، عندما كانت حافلتان تتجهان من كريبي آن فالوا، الواقعة إلى شمال شرق باريس، إلى مخيم صيفي في سافوا، بجبال الألب الفرنسية، حاملتين 107 أطفال من عائلات معوزة كان معظمهم سيمضي العطلة الأولى في حياته.
وتزامن الحادث مع أكبر عطلة نهاية أسبوع في فرنسا، وقد عرف باسم “السبت الأسود”، ووقع تحديدا على بعد 200 ميل جنوب شرق باريس على طريق الشمس السريع الشهير المؤدي إلى الريفيرا.
وقرابة الساعة الأولى والدقيقة الأربعين فجراً بالتوقيت المحلي (23:40 ت غ)، وصلت الحافلتان إلى موقع قريب من مدينة بون (وسط شرق فرنسا)، تضيق فيه الطريق من ثلاث مسارات إلى اثنين.
وكان سائق إحدى الحافلتين منهكاً، إذ قاد في الليلة السابقة لمسافة تتجاوز 700 كيلومتر ولم ينم سوى ثلاث أو أربع ساعات في الوقت الفاصل بين الرحلتين.
وعندما فرملت حافلة ألمانية أمامه، تأخر رد فعله، فاصطدمت بها حافلته التي كانت تسير بسرعة 16 كيلومتراً في الساعة ، لكنّ الاصطدام الخفيف ما لبث أن تحوّل ماساة.
فقد اصطدمت سيارة صغيرة بالحافلة الفرنسية، وتلا ذلك اصطدام حافلة الأطفال الثانية بها، وتبعها سيارة أخرى انضمت إلى المعمعة، فانفجرت خزانات الوقود واشتعلت.
بينما قال أحد الشهود إن الحافلتين كانتا تتسابقان قبل وقوع الحادث مباشرة، وهو أسوأ حادث مروري في تاريخ فرنسا، وفق ما أوردت “أسوشيتد برس”.
وأمكن إخراج الجميع من الحافلة الأولى ، لكنّ الغالبية العظمى من الأطفال الذين كانوا في الحافلة الثانية قضوا.
وقال فيليب رويار، أحد أول من حضر إلى الموقع من عناصر الإطفاء، لوكالة فرانس برس “كانوا مكدسين في مؤخر الحافلة حيث كان يوجد المخرج الوحيد المتاح. فلم يعد من الممكن فتح الباب الأمامي بفعل الاصطدام”.
واضاف “عندما وصلنا، كانت النيران مشتعلة في الباص بأكمله. أدركنا أن أياً من الركاب لن يخرج حياً. كان الأوان قد فات”.
ولم يتمكن عناصر الإطفاء إلا من إخماد حريق المركبات، لكنهم ما لبثوا أن اكتشفوا “المشهد المرعب، أكوام الجثث …” ، على ما روى رويار، قبل أن تمنعه دموعه من مواصلة الكلام.
أما إريك فيفربرغ، أحد أول من حضر إلى المكان من الصحفيين، فقال “راودتني كوابيس مدى سنوات” بسبب هذا الحادث.
وروى أن “عناصر الإطفاء أخرجوا من الخردة المتفحمة رفات لم يعد فيها من المعالم البشرية شيء”.
وعلى بعد كيلومترات قليلة، كانت ماري تيريز مورجيه، التي كانت آنذاك نائبة رئيس بلدية مدينة بون، في استقبال الجثث “أو بالأحرى ما بقي منها”، على ما قالت لوكالة فرانس برس.
وأضافت “كانوا يضعونها في أكياس صغيرة ثم في نعوش”.
وفي القاعة التي اصطفت فيها رفات الضحايا، حضرت عائلات الأطفال لرؤية أولادها. وروت مورجيه “كان الأمر فظيعاً. أغمي على إحدى الأمهات. لم نكن نعرف ماذا نقول ، ماذا نفعل.. كان الأهل أشبه بالروبوتات، بالزومبي”.
في كريبي آن فالوا، تذكر ماري أندريه مارتان حال الرعب هذه جيداً. فصباح الأحد سمعت عبر الإذاعة أن “حادثاً مروعاً” وقع. وارتاحت عندما علمت أن ابنتها البكر سيلفي البالغة الخامسة عشرة نجت من الحادث، فظنت أن ذلك ينطبق على الثلاثة الآخرين.
لكنّها اكتشفت لاحقاً أن آمالها لم تكن في محلها، إذ قُتل كل من برونو (12 عاماً) وفريديريك (11 عاماً) وفلورانس (تسعة أعوام) في الحادث.
ومنذ هذه المأساة ، اتخذت السلطات الفرنسية تدابير لتفادي تكرارها، فمنعت نقل الأطفال براً في الأيام التي تشهد حركة مغادرة كثيفة في موسم العطل.