حرية – (31/7/2022)
حوّلت المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، إلى مقر للاحتجاج والشعائر الحسينية يهيمن عليه متظاهرو التيار الصدري الذين اختاروا المكوث والاعتصام المفتوح، بعد اقتحام أول عبر عن نوايا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ومسار حراكه بعد انسحاب الكتلة الصدرية.
وتسود أجواء من القلق سياسيًا وشعبيًا، بالنظر إلى الحماس الذي يبديه الصدريون وقياداتهم في حراكهم الأخير، والاندفاع والتلويح بـ “رد العنف” الذي قد يطال المتظاهرين، فضلًا عن تبادل البيانات الشديدة بين التيار والإطار التنسيقي، وسط تساؤلات عن مصير هذا الحراك، وشعور بأنّ هذه المؤشرات قد تكون بوادر فعلية لانتهاء العملية السياسية وموت النظام الحالي، كما يقرأ العديد من المراقبين.
مبعث القلق يعود ربما إلى غياب أي تصور أو خطة للمرحلة المقبلة، حتى بين محركي الخطوات الصدرية ذاتهم، والتي تبدو مهيئة بالكامل لتغيير النظام.
ويعتبر النائب في البرلمان العراقي، باسم خشان، أنّه إذا كانت النتيجة التي يسعى إليها حراك الصدر هي الانقلاب على النظام السياسي، فإنّ “مجلس الوزراء ليس بعيدًا عن مجلس النواب، إما إذا كان يسعى إلى تعطيل الإطار فحسب، فقد كان بإمكانه أن يعطله بنوابه المستقلين، بدلًا من زج البلد في هذه الفوضى”.
ورأى خشّان أنّ الصدر “هو الذي سلم الإطار زمام المبادرة وجعله الكتلة الأكثر عددًا”.
وبينما ما زالت الدعوات الأممية والسياسية لـ”حوار بين الأطراف تقود للتهدئة”، يرى مراقبون ومهتمون بالشأن السياسي أنّ حجم ما يحدث في العملية السياسية أكبر من “حوار وتصالح بين القوى السياسية” وهي نتائج طبيعية لثغرات النظام السياسي والدستور خلال عقدين من الزمن.
ولعلّ الصدر الذي يقود مبادرة “خلخلة النظام” في الوقت الحالي، لا يمتلك خطة ودورًا أكبر من هذا، ولذلك فأنّ عدم وجود مبادر صاحب مشروع كامل ومناسب، ستجعل الصدر في نهاية المطاف يشعر بعدم وجود ما يفعله فيما بعد.
بالمقابل يرى الباحث والمحلل السياسي احمد الياسري، أنّ عملية “توقع ما يدور بخلد الصدر حاليًا” غير ممكنة نوعًا ما، كما يشير في حديث لـه ، إلى أنّ “أسباب نزول الصدريين إلى الشارع هو إفشال مشروع الصدر”.
وبيّن أنّ “الصدر بعد أن انسحب من الانتخابات وعاد أليها أعطى الشرعية والزخم للانتخابات، لذا هو يرى أنه متفضل على الكتل السياسية ولا سيما كتل الإطار التنسيقي بإعطائه الشرعية للانتخابات، لذا فأن الصدر يعتبر نفسه قد تعرض لمؤامرة، فبينما جعل للانتخابات شرعية تعرض لمؤامرة التعطيل”.
ويرى الياسري أنّ “الصدر لم يستطع أن يستكمل مشروعه ولا يستطيع أن ينزع الشرعية التي أعطاها للإطاريين”.
ولا تتعلّق الإجراءات الشعبية للصدر حاليًا بمحمد شياع السوداني لوحده، ولا تتوقف هذه الإجراءات بحسب الياسري إلا “بمجيء مرشح لرئاسة الوزراء لا يمثل شخصية الإطار، أي أشبه بفكرة الكاظمي والزرفي”.
وحتى هذا ليس كافيًا لإيقاف الإجراءات الشعبية، حيث يجب أن “يكون هناك عملية كسر لشرعية هذه الدورة الانتخابية”، بحسب الياسري الذي يشير إلى أنّ “الصدر لن يعود للمشهد السياسي إلا بإزاحة المشهد السياسي الحالي”.
ويعتبر الياسري أنّ “الإطار يرسل ردود فعل متزمتة ولكنها محاولات لإثبات الوجود”، معتبرًا أنه “إذا نزل الإطاريون بإنشاء حكومة طوارئ مؤقتة بصلاحيات معينة ستخفف من وطئ التوتر وسنشهد هدنة من نوع ما”.
لكنّ رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، يرى أنّ الأمور تتجه إلى التراجع بعد أن اشتدت ووصل الوضع لمرحلة الاصطدام والانغلاق الكامل.
ويعتقد الشمري في حديثه له ، أنّ الأطراف ستمضي باتجاه إبداء المرونة، وهذا “ما بدر بالفعل من الإطار التنسيقي عندما قرر تأجيل تظاهراته التي من المفترض أن تكون مضادة لتظاهرات الصدريين”.
وبعد حراك الصدر الأخير، فإنّ وقت التسويات قد ابتدأ ويمكن أن تكون بثلاث مسارات، ويتمثل الأول بحسب الشمري بـ”الإبقاء على الحكومة الحالية والتحضير لانتخابات جديدة بعد عام من الآن، أما الثاني، فهو الذهاب نحو اختيار شخصية مستقلة غير مرتبطة بالإطار التنسيقي لرئاسة الحكومة وكابينة مستقلة بشكل كامل، وهدفها الأساس إقرار الموازنة وتشريع قانون انتخابي وإعداد انتخابات جديدة”.
ويعتبر الشمري أنّ “الانتخابات هي المخرج لعملية اختلال التوازن الشيعي الحالية، حيث أنّ الصدر لا يمكن أن يبقى بعيدًا عن المشهد السياسي، وإذا استمر بعيدًا، فهذا يعني استمرار الأزمات، لذلك سيضطر الإطار بالقبول والذهاب لانتخابات جديدة”.
أما المسار الثالث، والذي يصفه الشمري بـ”الأنفع والأهم”، فهو “الذهاب نحو عقد سياسي جديد تصاحبه مرحلة انتقالية، لكنّ الشمري يؤكد أنّ “هذا الخيار احتماليته ضعيفة ولن يجد القبول من قبل الكتل السياسية، مستدركًا “لكن هو المخرج الوحيد للعراق، فالعملية السياسية غير قادرة على الاستمرار، وستبقى خادمة للأحزاب أكثر من الشعب، وستتكرر المآسي والانفجار الشعبي سيبقى خيارًا قائمًا في أي لحظة”.