حرية – (2/8/2022)
مصطفى فحص
لعل تموز بحره وقيضه وسخونة أجوائه، دفع بالعراق إلى سخونة بالمزاج السياسي، نتج عنها ارتفاع في درجة حرارة الأزمة البرلمانية، التي سرعان ما انفجرت في الشارع، ولعل تموز ٢٠٢٢ اللاهب، سياسيا وبرلمانيا وشعبيا، يذكر العراق بتموز ١٩٥٨ المشؤوم، بحره وانقلاباته الساخنة، التي أدخلت البلاد بمحور دول الانقلابات، التي اوصلتها لاحقا إلى ٩ نيسان ٢٠٠٣، الذي حول العراق إلى أول دولة فوضى عربية، إلا أنها لم تكن مفيدة ولا منظمة.
في شهر تموز، أي في ثلاثينية رد التيار الصدري بما يمكن وصفه انقلابا جماهيريا على ما يمكن اعتباره انقلابا تشريعيا من قبل الإطار التنسيقي، وبعبارة أوضح أن مستوى الصراع بين أهل السلطة في العراق قد وصل إلى مرحلة أشبه بانقلاب على الانقلاب.
انقلاب باعتبارات صدرية وقف بوجه انقلاب باعتبارات إطارية، منع الأخير من الاستحواذ على السلطة، ما يعني ان الصدر في خطوته الأولى الاستقالة من البرلمان لم تكن هفوة، كما تعامل معها الإطار، وتبلور ذلك عندما اقترب الإطار من تنفيذ خطوته الأولى في تسمية رئيس الوزراء، التي كانت هفوة فعلية دفعت التيار إلى التحرك السريع من أجل تطويقها، فتم إسقاط البرلمان ككيان، حيث لم يعد هناك حاجة لأغلبية الثلثين أو الثلث المعطل عندما أخرج مجلس النواب من الخدمة.
إذن… نجح التيار الصدري في تعطيل الحياة التشريعية، فأعيدت الأزمة إلى مربعها الأول، أي أنها أزمة سياسية بامتياز وليست تشريعية أو دستورية، كما حاولت بعض القوى اختزالها، وعملت على إفراغها من بعدها الوطني والاجتماعي الذي تشكل في الوعي العام العراقي بعد انتفاضة تشرين.
ففي 2019 نجحت أدبيات الانتفاضة السياسية في تشخيص الأزمة وتشكيل رأي عام يعتبر أنها ليست أزمة حكم أو سلطة أو حكومة أو صراع على تقاسم الثورة، بل هي أزمة نظام لفظه جيل ما بعد صدام حسين.
لكن الآن، وبعد دخول الصدريين الثاني للبرلمان في أقل من أسبوع، وفي توقيت اختير بدقة، لم يعد ممكنا للنخب السياسية الحاكمة منذ 9 نيسان 2003 التمسك بتوصيفها غير الدقيق للأزمة والاكتفاء بالقول إن العملية السياسية تمر بمرحلة انسداد، بل باتت هذه الطبقة تحتاج إلى فضيلة الشجاعة لتعترف بأنها أزمة نظام لم يعد قابلا للحياة.
منذ انتفاضة تشرين 2019 دخل نظام 2003 بمرحلة الموت البطيء، ولكن أمراض هذا النظام تُعرض العراق كيانا ودولة إلى مخاطر عدوى الموت البطيء أيضا، وقد تم تشخيص هذه الحالة في ما برز من أورام سياسية مسلحة جاهزة لإدخال العراق في حروب أهلية أخطرها داخل المكون الواحد الذي يشكل الأغلبية الديمغرافية ويسيطر على السلطة والثروة منذ 2003، لذلك فإن أي نزاع مسلح بين احزابه وتياراته سيؤدي حتما إلى نهاية مأساوية للنظام الحالي وسيترك ندباته على وحدة التراب العراقي وشكل الدولة إذا سقط هذا النظام بطريقة دموية.
عمليا وضع تحرك 30 تموز الجميع أمام خيارين لا ثالث لهما، إما المواجهة وإما الحوار، الأولى شروطها صعبة والجميع يعلم أن كل الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة على السلطة لم يكن الرهان على القوة في محله، فليس من الضرورة لمن يستشعر فائضا في قوته أن يكون قادرا على فرض شروطه أو تحقيق كافة غاياته،.
أما الحوار فهو شاق وصعب ويحتاج إلى تنازلات شجاعة تبدأ من الخاص إلى العام يقودها عقلاء لم يزل في إمكانهم وأد الفتنة، وهذا ما بدا في خطاب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يقف في الموقع الأقوى في هذه اللحظة كونه على مسافة واحدة من كافة الأطراف، ومساندة النخب الوطنية لتشكيل موقف جامع ضد الفتنة، والأخذ بعين الاعتبار بيانات أغلب الأحزاب والتيارات التي بادرت إلى تهدئة الأوضاع والدعوة إلى الحوار.
قد يكون الحوار في تموز ساخنا مضنيا، لكنه سيكون أقل سخونة من أي مواجهة، وكفى الله العراقيين شر الشؤم في تموز .