حرية – (3/8/2022)
يحتوي الفيلم الوثائقي الجديد من انتاج القناة “بي بي سي” الثالثة، والذي يدور حول قضية لا تزال تثير الحيرة لدى السلطات، على كل شيء، بدءاً من الشخصيات البراقة وقوارب مثقلة بالبضاعة الفاخرة ومنتهياً بموسيقى تصويرية بارعة
في 13 من ديسمبر (كانون الأول) عام 2019، مكثت تمارا إيكلستون في لابلاند. كانت سيدة المجتمع البريطانية وابنة عملاق الفورمولا 1 بيرني إيكلستون تستعد لأخذ صور لها على الثلج مع زوجها جاي روتلاند وابنتها صوفيا. كانت تدفئ أصابع قدميها المقلمة بواسطة نار متأججة في كوخ هناك، وهي تتبادل أطراف حديث ممل مع رجل يرتدي زي “بابا نويل” (سانتا كلوز).
في هذه الأثناء، في قصرها المكون من 57 غرفة في شارع حدائق قصر كنسينغتون في لندن (المعروف باسم شارع المليارديرات)، كانت عصابة من اللصوص تختبئ خلف منزل أطفال يعود لابنتها. فقد تسلقوا عبر نافذة مفتوحة خلف منزلها. وقاموا بسرقة 400 قطعة، بما في ذلك المجوهرات والساعات، التي تقدر قيمتها بأكثر من 26 مليون جنيه استرليني (نحو 31.7 مليون دولار).
قصة أكبر عملية سطو منزلي في التاريخ البريطاني يسردها وثائقي مليء بالأحداث السريعة من انتاج قناة “بي بي سي 3” في “من سرق ماسات تمارا إيكلستون؟” Who Stole Tamara Ecclestone’s Diamonds. فعلى خلفية موسيقى تصويرية بارعة – تشمل ويت ليغ، لانا ديل ري وذا فلامينغوس – يلتقي المخرج بن براينت والصحافي توماس ماكينتوش بفريق متنوع من المشتبه فيهم، بالإضافة إلى الوريثة نفسها، في محاولة لفهم اللغز. يخبرني براينت: “ما أجده مضحكاً للغاية بشأن هذه القضية، هو أن اللصوص كانوا وقحين جداً وأذكياء في بعض الجوانب، وبطرق أخرى ارتكبوا بعض الأخطاء القاتلة تماماً – أخطاء فادحة وسخيفة”.
ففي ليلة السطو، كان من المفترض أن يقوم اثنان من ضباط الأمن بالمراقبة على مدار 24 ساعة. ولكن عندما وصل اللصوص، توجه أحد الحرّاس إلى سوبر ماركت “تيسكو” لشراء الخضراوات ليأكلها مع عشائه من الدجاج. يقول براينت “كان مسار اللصوص إلى قصر إيكلستون مثيراً للإعجاب. لقد عبروا نفقاً إلى موقف للسيارات، وتسلقوا فوق سقائف، ثم ركضوا عبر الحدائق الخلفية، وقفزوا فوق سياج ثم اختبأوا”. وعندها، وهم مسلحون فقط بمفكات للبراغي، مكث اللصوص الثلاثة في القصر لمدة ساعة كاملة قبل أن يسمع حارس الأمن الآخر ضجة جعلته يذهب للتحقق منها. وفي داخل المنزل، يبدو أنه طارد المتسللين قبل أن يقذف أحدهم مطفأة حريق عليه.
بعد الفرار من مكان الحادث، أوقفت العصابة سيارة أجرة سوداء [تاكسي لندن المعروف بمركباته السوداء]، وذهبت إلى فندق في سانت ماري كراي، في بروملي، في المنطقة السادسة بلندن. وهنا ارتكبوا أحد أكثر أخطائهم غباء. فقد أرسل أحد اللصوص، ويدعى يوغوسلاف يوفانوفيتش، إلى موظفة الاستقبال صورة عضوه التناسلي (تم إعطاؤه الرقم في مكتب الاستقبال لاستعماله في حالة الطوارئ) قامت موظفة الاستقبال بحظره على الفور وحفظ رقمه في الهاتف باسم “غريب الأطوار”. هذه صورة منحت الشرطة إمكانية لتقفي أثر هاتف يوفانوفيتش ومطاردة بقية اللصوص.
كلما تعمقت الشرطة ببحثها، أدركت أن عملية السطو على قصر إيكلستون كانت مجرد واحدة من سلسلة من العمليات في منازل لكبار الشخصيات في لندن في غضون أيام معدودة. حيث سرق اللصوص ممتلكات بقيمة مليون جنيه استرليني من منزل رئيس نادي ليستر سيتي الراحل، فيشاي سريفادانابرابا. كما سرقوا من لاعب كرة القدم فرانك لامبارد بينما كان في وندرلاند الشتاء مع زوجته كريستين.
كان اللصوص يرفهون أنفسهم خلال فترة وجودهم في لندن، حيث دفعوا في وقت ما مبلغ 800 جنيه استرليني (نحو 976 دولاراً) لقاء وجبة في مطعم زوما الياباني في حي نايتسبريدج. وكان بعض أفراد العصابة أيضاً مهملين في إخفاء هوياتهم. فقد تم التقاط صور لوجوه العديد منهم على كاميرات المراقبة في مقهى “باتيسري فاليري” في فيكتوريا، بينما استخدم رجل آخر متهم بمساعدتهم بطاقته المصرفية الخاصة للخروج من محطة للقطارات.
جاي روتلاند، زوج تمارا إيكلستون
بعد وقت قصير من نهب منزل إيكلستون، ظهرت صورة على “فيسبوك” لامرأة رومانية تعمل كمرافقة escort، تدعى ماريا ميستر، ترتدي فيها على ما يبدو أنّها ماسات إيكلستون المسروقة. وسرعان ما تم تداول الصورة على نطاق واسع. “أطلعني جاي على صورة السيدة، إذا كان بالإمكان مناداتها بالسيدة، مرتدية قلادة اشتراها لي بمناسبة عيد ميلادي قبل عام”، قالت إيكلستون في مرحلة ما من مقابلتها. “تلك الكلبة كانت تلبس مجوهراتي!”.
تم القبض على ميستر – التي جرى مقابلتها في الفيلم الوثائقي وهي ترتدي قميص المصمم Gucci – في وقت لاحق في مطار ستانستيد مرتدية على ما يبدو زوجاً من حلقات إيكلستون. كما ألقت الشرطة القبض على ابن ميستر البالغ حينها 30 سنة، إميل بوغدان، والذي مكث في لندن في يوم عمليات السطو، بينما كان يتقلد ساعة سريفادانابرابها ويحمل حقيبة روتلاند. غير أن هيئة المحلفين وجدت أن كلاهما غير مذنب بالتورط في المؤامرة، بعد أن زعموا بأن لا علم لهما بعمليات السطو. عندما غادرت ميستر المحكمة في لندن، كانت تدخن سيجارة وأشارت لمصوري المشاهير (الباباراتزي) بعلامة “السلام”، قبل أن تستقل سيارة رولز رويس كانت في انتظارها.
سافر فريق الفيلم الوثائقي إلى رومانيا لإجراء مقابلة مع أحد أعضاء الفريق المشتبه فيه في دعم العصابة، سورين ماركوفيتشي، الذي عمل كسائق للصوص في لندن. تم وصف ماركوفيتشي في الفيلم بأنه شخص “يتاجر بكل شيء” “Del Boy Wheeler-dealer”، وهو يحمل وشماً لمارلون براندو من فيلم “العراب” ويرتدي كل تصاميم دولتشي وغابانا Dolce & Gabbana. يقول لي براينت “عندما رأيت صورة لماركوفيتشي، قلت لنفسي، “يا للهول، يا لها من شخصية”. فلديه كل هذه الأوشام، وهو يرتدي كل هذه القطع للمصممين العالميين. لقد كان ممتعا بالتأكيد”. تم تبرئة ماركوفيتشي من أي تورط في الجريمة في نفس محاكمة ميستر، كما تمت تبرئة رجل يدعى أليكساندرو ستان، الذي أعطى اللصوص ملابس جديدة بعد السطو على منزل إيكلستون.
وفي محاكمة منفصلة، أُدين ثلاثي إيطالي مكون من مرسل صورة عضوه التناسلي يوفانوفيتش، بالإضافة إلى رجلين يُدعيا أليساندرو مالتيزي وأليساندرو دوناتي، بتهمة التآمر للسطو بعد الاعتراف بالجرم. وقد تم سجنهم لمدد مجموعها 28 عاماً.
أحد الرجال الذين لم يتمكن الطاقم من تحديده هو دانيال فوكوفيتش. تعتقد الشرطة أنه كان أحد اللصوص الثلاثة الذين تم التقاط صورهم عبر كاميرات المراقبة في منزل إيكلستون، إلى جانب مالتيزي ودوناتي (يُعتقد أن يوفانوفيتش كان يجري المراقبة). تم ربط فوكوفيتش بالعديد من عمليات السطو البارزة على مر السنين ويملك 19 هوية مختلفة. ويُعتقد أنه يعيش في بلغراد، صربيا، لكن ترفض السلطات هناك تسليمه، لذلك فهو في الواقع رجل حر.
إذا تمكنت الشرطة من الوصول إلى فوكوفيتش، فقد يكونوا قادرين على تعقب الماسات – التي لم يتم استرداد معظمها أبداً. لكن براينت يقول إن هناك طريقة أخرى محتملة لسد الثغرات. فيقول “صادرت الشرطة هاتف ميستر المحمول وهي قالت إنها لا تستطيع تذكر رمز المرور لفتحه. إنهم يحاولون فك الرمز في الوقت الحالي. في مرحلة ما، إما سيتم القبض على فوكوفيتش، أو اكتشاف المجوهرات، أو سيتمكنون من فك رمز هاتف ميستر. إذا نجحوا في ذلك، فقد يكون هناك فصل آخر للقصة”.
الفيلم الوثائقي “من سرق ماسات تمارا إيكلستون؟” متوافر للمشاهدة على منصة “بي بي سي آي بلاير”.