حرية – (16/8/2022)
يحتفل فندق بيفرلي هيلز بـ110 أعوام من قصص أكثر الأسماء شهرة، من مارلين مونرو إلى إليزابيث تايلور وجون لينون
عندما أُعلنت الشهر الماضي وفاة الممثل الأميركي جيمس كان، عُزلت الطاولة التي كان يفضل أسطورة السينما الجلوس إليها في صالة بولو – البار والمطعم الداخلي في فندق بيفرلي هيلز – عن بقية الطاولات. وُضعت شمعة وصورة للنجم على الطاولة رقم واحد، التي كانت أيضاً المجلس المحبب لدى تشارلي شابلن، إضافة إلى أكثر وجبة يحبها كان، سلطة المطعم المميزة التي تحمل اسم “سلطة مكارثي” المكونة من الدجاج ولحم الخنزير المقدد والشمندر والأفوكادو وكأس من المارتيني “القذر” المالح الممزوج بكمية إضافية من محلول حفظ الزيتون. يقول ستيفن بوغز، مدير العلاقات العامة للضيوف العالميين في الفندق ومنجم القصص المهمة في تاريخ هوليوود: “عندما يتوفى أحد ضيوفنا المشاهير حقاً الذين كانوا يزوروننا بانتظام، فإننا دائماً ما نعزل طاولتهم المفضلة جانباً ونتركها طوال النهار والليل… نسمي هذه الالتفاتة “تجهيز مكان أخير””.
كاري فيشر وجيمس غارنر وبيرت رينولدز هم مجرد جزء من الضيوف المواظبين الآخرين الذين فقدناهم للأسف والذين حصلوا على هذا التكريم نفسه. ربما لاحظتم، أن الضيوف المواظبين في فندق بيفرلي هيلز ليسوا مثل غيرهم من الزوار المنتظمين. هؤلاء هم ريتا هيوارث وكاثرين هيبورن وبول مكارتني و – بالرجوع إلى المعلومات التي نُشرت الأسبوع الماضي على حساب “دو موا” المهتم بأخبار المشاهير على “إنستغرام” – هناك أيضاً كيم كارداشيان وميغان فوكس ومغني الراب ماشين غَن كيلي. في حين أن شعبية الأماكن الأخرى تتأرجح بين نخبة المشاهير، لا يوجد مكان آخر في لوس أنجليس يشهد هذا الحضور النجمي القوي باستمرار مثل فندق بيفرلي هليز.
يقول بوغز الذي عزل طاولة كان وتشابلن من أجل محادثتنا، “نحن نجلس أيضاً في المكان الذي يحبه آل باتشينو”، إنه مقعد زاوية مريح منجد بغطاء مخملي أخضر داكن. ويضيف “يمكنني أن أريكم أين جلس فرانك سيناترا ومارلين مونرو وإليزابيث تايلور وغيرهم”، مشيراً إلى الطاولة التي جلس إليها سيناترا أثناء الاحتفال بعيد الميلاد التاسع والأربعين لـ دين مارتن بعد مشاجرة تقليدية في الحانة لاحقاً، والتي انتهت بإصابة جامع التحف الفنية المعروف بكسر في الجمجمة.
يتابع “لكن يمكنني أيضاً أن أريكم المكان الذي يحب ستيفن سبيلبرغ الكتابة فيه، والطاولة التي يحب ليوناردو دي كابريو أن يجلس إليها. كما أن العشاء مميز أيضاً. سيأتي جيمي فالون ويجلس أمام البيانو ويعزف بعض الأنغام. لا يزال الناس يأتون إلى هنا – وتجرى الصفقات باستمرار. إنه ما زال يتمتع بالنفوذ”.
لوس أنجليس هي مدينة لا تحب التعامل بجدية مع تاريخها. على رغم أنها مركز مشهور عالمياً لصناعة السينما لمدة تتجاوز القرن بقليل، فقد هُدم العديد من كنوزها المعمارية ومبانيها المليئة بالفولكلور الثقافي الشعبي. على رغم المكانة الأسطورية التي تتمتع بها، راح العديد من المباني ضحية الدمار، مثل فندق حديقة آلّا [نسبة لصاحبته الفنانة آلّا نازيموفا] (الذي كانت تعشقه غريتا غاربو، كلارا بو وإيرول فلين)، وفندق أمباسادور الفخم – الذي يضم نادي كوكونَت غروف الليلي المفضل لدى فرقة رات باك، وذا تروبيكانا موتيل الملاذ الرديء لموسيقيي الروك أند رول. في الآونة الأخيرة، اشترت “نتفليكس” المسرح المصري المهيب في هوليوود بوليفارد، ما أثار قلق الكثيرين بشأن مستقبل القصر السينمائي الذي يبلغ عمره مئة عام، والذي بني خلال فترة الهوس بمصر Egyptomania.
مع ذلك، لا يزال فندق بيفرلي هيلز شامخاً. بني الفندق في عام 1912 على مساحة تبلغ 12 فداناً (حوالى 4.85 كلم مربع) في سفوح جبال سانتا مونيكا البكر، إلى الغرب من لوس أنجليس، وكان الهدف منه في الأصل خلق حركة في سوق الأراضي، بحيث يمكن للمالكين بيع قطع الأراضي المجاورة. بمجرد تشييده، اجتذب موجة الضيوف الأولى من هوليوود، التي شملت نجوماً مثل تشابلن وغلوريا سوانسن ودبليو سي فيلدز وهارولد لويد. جاء بعدهم ثنائي الشاشة الصامتة الذهبي، دوغلاس فيربانكس وماري بيكفورد، اللذان اشتريا منزلاً بجانب الفندق، وأعادا تصميمه على هيئة منزل من عصر تيودور ليصبح عزبة “بيكفير” الفخمة – أحد أشهر المساكن الخاصة في أميركا.
في ثلاثينيات القرن الماضي، مع فجر الأفلام الناطقة، جعلت موجة جديدة من الممثلين الفندق مرتعاً لها. كان من بينهم مارلين ديتريش، التي تحدت قواعد بار صالة بولو – التي تمنع حضور النساء من دون مرافق أو النساء اللواتي يرتدين السراويل – عندما أتت بمفردها مرتدية سروالاً أنيقاً. أدت توسعة الفندق في أربعينيات القرن الماضي التي قام بها المهندس المعماري الأسود الشهير بول ريفير ويليامز إلى جعل المكان جذاباً أكثر لمجتمع المشاهير الآخذ في التوسع في هوليوود. تم طلاء السطح الخارجي باللون الوردي المميز – انتبهوا إلى الأبراج ذات اللون الخوخي للبناء التي تظهر على غلاف ألبوم “هوتيل كاليفورنيا”Hotel California الشهير الصادر عام 1976 لفرقة “ذا إيغلز” The Eagles وتم منح المكان طابعه الشهير من اللونين الأخضر والوردي الباهت.
ومع ذلك، فإن المبنى الرئيس للفندق ليس هو الذي يشهد أكبر إقبال من النجوم، بل الأجنحة الصغيرة (بانغالو) الواقعة خلفه مباشرة. هذه الأجنحة القائمة بذاتها – يوجد 23 منها، بني أول خمس في عام 1915 – تتمتع بمدخل مباشر من الشارع وكانت مثالية للسكان الذين يريدون خصوصية أكبر.
من بين هؤلاء الضيوف كانت إليزابيث تايلر، التي أقامت في أجنحة مختلفة بعد ست من حفلات زفافها الثمانية. كان الجناح المفضل للأيقونة بريطانية المولد هو رقم 5، وبعد وفاتها في عام 2011، أقامت عائلتها حفل تأبين خاصاً داخله.
مارلين مونرو كانت ضيفة معتادة في الفندق
وشهدت الأجنحة أيضاً أحد احتجاجات السرير الطويلة من أجل السلام التي قام بها جون لينون ويوكو أونو (على أريكة اشترتها ديتريش للجناح) بينما قضى بول مكارتني وليندا إيستمان أسبوعاً معزولين في جناح آخر بعد وقت قصير من لقائهما. كانت مارلين مونرو أيضاً من كبار المعجبين بالأجنحة هذه، حيث كانت تقيم غالباً في الجناحين رقم 1 و7 – حيث احتفلت بعيد الميلاد مع زوجها الثاني، نجم البيسبول جو ديماجو – وأقامت علاقة غرامية مع الممثل إيف مونتان الذي شاركها بطولة فيلم “لنصنع الحب”Let’s Make Love في الغرفتين 20 و21 المتجاورتين. كان المخرج ورجل الأعمال المنعزل هوارد هيوز غالباً ما يقيم في رقم 4، ويحجز عدداً من الغرف في وقت واحد حتى لا يعرف أحد تماماً في أي غرفة يقيم.
يوضح بوغز “الشخص الوحيد في الفندق الذي كان يعرف مكانه بالضبط هو رئيس الطهاة… لأن هوارد هيوز كان يحب شطائر لحم البقر المشوي”. ومع هذا، لم يكن الطاهي يسلم الوجبة الخفيفة مباشرة إلى هيوز، ولكن بدلاً من ذلك كان يتركها في شق في شجرة خارج جناحه كي يأخذها المخرج المصاب بالأرق في منتصف الليل”.
كان هناك أيضاً الجناح رقم واحد، حيث أقامت سيدة المجتمع نينا، والدة غور فيدال، علاقة غرامية مع الممثل كلارك غيبل. يقول لي بوغز مؤكداً “قد وصلتُ إلى مرحلة لا أقول فيها إن حدثاً ما صحيحاً بالتأكيد إلا إذا رأيته بأم عيني، أو إذا كان الشخص الذي رآه في درجة من السُّكر كافية لإخباري”. إذن، أسأله من أخبره عن هذه العلاقة؟ يجيب بضحكة مكتومة، “غور فيدال!”. كان الكاتب والمفكر الأميركي من عشاق الفندق منذ فترة طويلة، وأمضى أيامه الأخيرة في عام 2012 في بهو الفندق إلى جانب النيران المتأججة في الموقد، وهو يغني لنفسه بعد تناول كمية كبيرة من المارتيني على وجبة الغداء. يوضح بوغز “كان غور، رحمه الله، يقضي طوال اليوم في الفترة الأخيرة من حياته في صالة بولو… كان يحضر نوتة موسيقية خاصة به ويطلب من عازف البيانو عزفها. كانت ذائقته الموسيقية رائعة لكن صوته فظيعاً – كان الناس الذين لم يعرفوا من هو يستاؤون للغاية!”.
ولا تقتصر حكايات الأجنحة على السعيدة منها، وإنما على التاريخ السياسي أيضاً. كان أبناء روبرت كينيدي في الجناح رقم ثلاثة عندما علموا بشكل مأساوي خبر اغتيال والدهم المرشح للرئاسة، بعد مشاهدة الحدث في الأخبار.
كما أن حوض السباحة بفندق بيفرلي هيلز – الذي كان محاطاً ذات مرة برمال ذهبية شُحنت خصيصاً من ولاية أريزونا – نصيبه من الأفعال المثيرة. كان الممثل البريطاني ريكس هاريسون مغرماً بأخذ حمام شمسي عارياً، من دون ارتداء أي شيء سوى منديل يغطي عضوه الذكري، في الكابينات الخاصة، حيث استلهم الملحن ليونارد برنستاين فكرة الموسيقى التصويرية لفيلم “قصة الحي الغربي”West Side Story. عندما أقامت فرقة “بيتلز” في الفندق، كان عليهم التسلل عبر مخرج المسبح، لتجنب جحافل الجماهير الصاخبة. حتى أن مدير أعمالهم براين إبستين التقى بمدير أعمال إلفيس بريسلي، كولونيل توم باركر، في صالة بولو لترتيب لقاء بين الفرقة وإلفيس، لكنه للأسف لم يؤت ثماره.
يعتبر المسبح أيضاً موقع إحدى أشهر صور جوائز الأوسكار على الأطلاق – تلك الصورة التي تظهر فيها فاي دوناواي مستلقية ضمن مشهد درامي في صباح اليوم التالي لفوزها بأوسكار أفضل ممثلة في عام 1977. كانت الصحف متناثرة على الأرض، تعلن إحداها فوز بيتر فينش بجائزة أفضل ممثل بعد وفاته عن الفيلم نفسه. علاقة فينش أيضاً بالفندق لا يمكن أن تُنسى، حيث مات إثر نوبة قلبية في بهو الفندق قبل شهرين فقط.
لا يزال فندق بيفرلي هيلز الذي يحتفل بمرور مئة وعشرة أعوام على افتتاحه، يحظى بشعبية كبيرة كما كان دائماً، حيث يشهد خلال انعقاد جوائز الأوسكار وغرامي تدفقاً لأهم المشاهير في العالم. يقول بوغز بفخر “إنه ما زال مكاناً مناسباً… نحن فعلياً آخر مكان من هذا النوع”.
سيشهد بهو فندق بيفرلي هيلز معرضاً لصور نادرة لإليزابيث تايلور من تصوير بيرت ستيرن في الفترة ما بين 1 أغسطس (آب) و30 سبتمبر (أيلول).