حرية – (23/8/2022)
بعد قرار إعادة الكويت والإمارات لسفيرهما في طهران مؤخرا، بقيت السعودية والبحرين فقط من بين دول مجلس التعاون الخليجي الست بدون علاقات دبلوماسية مع إيران، الجار الفارسي الواقع في الطرف الآخر للخليج.
ويعتقد بعض المحللين السعوديين أن عودة سفيري الكويت والإمارات إلى طهران لا تعني بالضرورة أن السعودية ستتخذ ذات الاتجاه على اعتبار أن الخلافات مختلفة.
والأحد، أفادت وزارة الخارجية الإماراتية بعودة سيف محمد الزعابي، سفير الدولة لدى طهران خلال الأيام المقبلة وذلك “في إطار حرص القيادة الرشيدة لدولة الإمارات على تعزيز علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، وتنفيذا لقرارها السابق في رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة سفير، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية “وام”.
وقال مستشار رئيس الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في تغريدة على تويتر، إن قرار إعادة السفير “يأتي ضمن توجه الإمارات الإقليمي نحو ترميم الجسور وتعزيز العلاقات المشترك والبناء عليه لخلق مناخ من الثقة والتفاهم والتعاون”.
وتعليقا على ذلك، أكدت الولايات المتحدة على “الدور البناء” الذي تلعبه الإمارات لخفض التوترات في المنطقة”
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد براس، للصحفيين، ردا على سؤال حول الموقف الأميركي تجاه القرار الإماراتي، إن “دولة الإمارات أظهرت عبر عدد من القضايا مرارا وتكرارا أنه يمكنها أن تلعب دورا بناء في حل وتخفيف حدة التوتر الإقليمي بما في ذلك من خلال تعزيز علاقاتها الدبلوماسية”.
جاء الإعلان الإماراتي بعد أيام من تسلّم وزير الخارجية الإيراني، أوراق اعتماد بدر عبدالله المنيخ، وهو أول سفير للكويت في طهران مذ خفّضت الإمارة الخليجية تمثيلها الدبلوماسي في إيران عام 2016.
ووجدت دول الخليج العربي أن الولايات المتحدة تقف على الهامش إما غير راغبة أو غير قادرة على إنقاذها في وقت تبقى خطوط الاتصال مع طهران مقطوعة، وفقا لشبكة “سي إن إن” الإخبارية.
ويرى رئيس مركز القرن العربي للدراسات، سعد بن عمر، إن “دول المنطقة تجاوزت مسألة الالتزام الأميركي” وأن مسألة الاعتماد على الولايات المتحدة في الاستقرار الأمني “أصبح من الماضي”، بحسب تعبيره.
في حديثه لموقع “الحرة”، قال سعد بن عمر تعليقا على إعادة الكويت والإمارات لسفيريهما، “ليست خطوة هامة تغير بميزان القوى في المنطقة … بالنسبة للسعودية فهي دولة محورية وعلاقاتها تؤثر في إيران بدرجة كبيرة”.
وقالت مستشارة شؤون الشرق الأوسط بمجموعة الأزمات الدولية، دينا إسفندياري، إن دول الخليج العربية طورت “سياسة براغماتية” بشأن إيران تشمل الاحتواء والمشاركة؛ “لأنهم أدركوا أن واحدة فقط لن تنجح بمفردها”.
في حديثها لشبكة “سي إن إن”، أوضحت أنه عندما لم تتابع الولايات المتحدة الدفاع عن شركائها العرب في أعقاب هجمات أرامكو، “أصبح من الضروري (للإمارات) تأمين نفسها دون الاعتماد على الآخرين – الولايات المتحدة على وجه الخصوص – والانخراط مع إيران”.
“الإمارات تستفيد أكثر”
بلغت التوترات الإيرانية الخليجية ذروتها في هجوم عام 2019 على منشآت شركة النفط السعودية أرامكو الذي أوقف نصف إنتاج المملكة من الخام وهدد اقتصادات دول الخليج.
منذ ذلك الحين، تحسنت العلاقات بين أبوظبي وطهران بشكل تدريجي، حيث تعد الإمارات الآن أكبر مصدر لإيران، حيث ارتفعت التجارة الثنائية إلى 21.4 مليار دولار في أربعة أشهر من مارس هذا العام من 7 مليارات دولار فقط عام 2019 بأكمله، وفقا لوكالة رويترز.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، عبد الخالق عبدالله، لشبكة “سي إن إن” الأميركية: “تستفيد الإمارات أكثر من غيرها من الناحية المالية والتجارية من تخفيف التوترات الإقليمية”. وتابع: “حتى خلال أسوأ التوترات السياسية بين البلدين، لم تنقطع التجارة. تراجعت لكنها لم تتوقف أبدا”.
ويأتي التقارب وسط حالة من عدم اليقين بشأن تقدم المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران لاستعادة الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
لكن دول الخليج تخشى أن يؤدي رفع العقوبات عن إيران إلى إطلاق مليارات الدولارات التي يمكن أن تستخدمها طهران لتعزيز تسليح نفسها وتوسيع نفوذها في الدول العربية من خلال الوكلاء.
إذا فشلت المحادثات النووية، يقول المراقبون إن التوترات الإقليمية قد تتصاعد كما حدث عندما انسحب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاقية بشكل أحادي، مما قد يجر المنطقة إلى الحرب.
وقالت إسفندياري: “بالنسبة لعرب الخليج، فإن العودة إلى الاتفاق النووي أو عدم العودة هي نفسها إلى حد ما: إنهم يتوقعون أن تهاجم إيران المنطقة بغض النظر عن النتيجة”.
وأضافت أنه “بينما يواصلون مراقبة هذا الأمر بعناية، فإن الجهود المبذولة لتحسين علاقاتهم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأمنهم وتصوراتهم للتهديد من الاتفاق النووي نفسه”.
ويرى عبدالله أن إيران لا تزال تشكل تهديدا خطيرا لأمن الخليج “مع أو بدون” اتفاق نووي، ولذلك فإن إحدى طرق التعامل مع إيران هي مواصلة الحوار وإيجاد أرضية مشتركة لعلاقات حسن الجوار.
ويتفق المدير العام لمركز دبي لأبحاث السياسة العامة، محمد باهارون مع عبدالله قائلا إن “العلاقات الدبلوماسية هي خطوط اتصال تساعد بشكل مباشر في تخفيف التوتر والتعامل معه”، مضيفا: “لا يمكن أن نتعاون إذا لم نتحدث مع بعضنا البعض”.
طهران “لا تزال بعيدة”
بالنسبة للسعودية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران قبل ست سنوات، فهي تجري محادثات مباشرة مع طهران على مستوى مسؤولين أمنيين بوساطة عراقية منذ أبريل عام 2021.
وقالت إيران، الاثنين، إن المحادثات مع السعودية هي مسألة منفصلة عن محادثات إحياء الاتفاق النووي، مضيفة على لسان المتحدث باسم خارجيتها أن التعاون بين طهران والرياض يمكن أن يساعد في استعادة الهدوء والأمن في الشرق الأوسط.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في مؤتمره الصحفي الأسبوعي، إن “المحادثات مع الرياض كانت جيدة واتخذنا خطوات مهمة وهناك إرادة سياسية لإعادة العلاقات”.
وفي السياق ذاته، قال باهارون لشبكة “سي إن إن” إنه “من الواضح أن هناك اتجاهًا إقليميًا ينسجم مع التوجهات السعودية”.
إلا أن سعد بن عمر، يستبعد إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران ويرى بأن عودة سفيري الكويت والإمارات أمر مختلف.
وقال إن خطوة الكويت والإمارات تعد رفع لمستوى التمثيل الدبلوماسي؛ لأن العلاقات بينهم موجودة أساسا، مضيفا: “للكويت والإمارات ظروف خاصة بهما تختلف عن بقية دول المجلس … نسبة الخلافات الإيرانية مع الكويت والإمارات تختلف عن السعودية”.
وتابع: “لا أتوقع (عودة العلاقات السعودية الإيرانية). الكويت والإمارات سفارتيهما كانتا قائمة لدى طهران والعلاقات كانت موجودة”.
وكانت الإمارات والكويت خفضت تمثيلهما الدبلوماسي في طهران بعد هجوم على سفارة السعودية بالعاصمة وقنصليتها في مشهد وذلك ردا على إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي، نمر النمر، ما أدى لقطع السعودية والبحرين علاقاتها مع إيران.
وأضاف سعد بن عمر أن إعادة السفير السعودي لدى طهران تعد “خطوة مبكرة تحتاج إلى خطوات إيجابية من إيران”.
وتابع: “لا يعيد العلاقات الطبيعية بين السعودية وإيران سوى إيران نفسها بتغير استراتيجيتها الأيديولوجية واحترام دول المنطقة”، مشيرا إلى أن طهران “لا تزال بعيدة” عن احترام حسن الجوار.