حرية – (24/8/2022)
رحمة الحوشبي كتمت حلم الطفولة خشية الملامة لكنها تخطت أخيراً الصعاب بالتحليق في سماء السودان
إنجاز نوعي تسجله المرأة اليمنية في دفتر التاريخ بتخرج ملازم أول، رحمة الحوشبي، من كلية الطيران والدفاع الجوي بجمهورية السودان، ذلك المجال العصي على نساء في مجتمع مستمسك بعاداته وتقاليده المحافظة، لتصبح أول امرأة يمنية تقود طائرة حربية مقاتلة تبدأ أولى طلعاتها بتوجيه ضربات جوية ضد العادات والتقاليد التي كادت تحرمها شغف الطفولة وحلمها الباكر.
رحمة المولودة في ريف محافظة لحج (جنوب اليمن) تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي بين مديريتي الحوطة وتبن، تغلبت على واقعها وظروف بلدها وانقطاع مخصصاتها المالية خلال فترة الدراسة بالإرادة والإصرار، حتى نالت مرادها وأضحت قادرة على التحليق على متن الطيران الحربي بعد تخرجها وتسلمها شهادة البكالوريوس، في التكريم الذي حضره رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، وهي الشهادة التي تمكنها من قيادة أي طائرة قتالية.
توجيه رئاسي
تقول رحمة إنها كانت تحلم منذ طفولة مبكرة بقيادة الطيران، إلا أنها ظلت تخفي هذه الأمنية خشية لوم المجتمع باعتبار هذا المجال حكراً على الرجال، “لم أصارح أحداً بها غير عائلتي، نظراً إلى العادات والتقاليد في مجتمعنا بالنسبة إلى وجود المرأة في العسكرية فأخفيت هذه الأمنية، وبعد الثانوية تحقق حلمي، فبعد تشجيع أهلي ودعمهم لي حصلت على توجيه من الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي للالتحاق بكلية علوم الطيران والدفاع الجوي بجمهورية السودان”.
سألتها عن مشاعرها باعتبارها أول يمنية تحقق هذا الإنجاز، فقالت، “مشاعر ممزوجة بالفرح والفخر والاعتزاز كوني -وبفضل الله، ثم بفضل من وقف إلى جانبي- وصلت إلى هدفي وتحقيق حلمي، وأرجو من الله أن أكون إضافة إيجابية في القوات المسلحة عامة والقوات الجوية خاصة”.
الحوشبي خلال تسلمها لوثيقة الطيران من الفريق أول عبدالفتاح البرهان
تخطي الصعاب
تتحدث عن مراحل الدراسة وما تخللها من جهد وآمال وطموحات اعترضتها سلسلة من الصعاب، غير أن قوة اندفاعها نحو التحليق حالت دون رضوخها لكل هذه الصعاب.
تشير إلى أن مراحل الدراسة بالنسبة إلى الطيران الحربي ليست بالأمر السهل، وعندما تصبح طياراً يستطيع قيادة أي مقاتلة جوية فهذا إنجاز كبير جداً نظراً إلى الشروط المطلوبة لهذا المجال، بحيث تخضع لامتحانات وفحوصات دقيقة وكذلك الصعوبات التي تواجهك أثناء العملية الدراسية والتطبيقية، ولهذا “أحرزت هذا النجاح بإصرار وكفاح مني، وأصف الوصول لهذا النجاح بمعركة خرجت منها منتصرة، فمن بين 100 شخص ينجح شخص واحد أو شخصان فقط، فضلاً عن المواد النظرية التي تحتاج إلى جهد واهتمام مضاعف”.
تضيف “حتى المجتمع والناس الذين قابلتهم أثناء المتابعة للوصول لهذا المجال كان البعض يسخر مني والبعض يحاول إقناعي لاختيار مجال آخر، إلا أني لم أعرهم اهتماماً وواصلت المضي نحو هدفي، وكل من عرف هدفي لم يكن يتوقع أن يصبح حقيقة، وعندما قابلت ضباطاً يمنيين في القوات الجوية والدفاع الجوي في البداية تفاجأوا بي، ومنهم من أثنى على طموحي”.
دفع فاتورة النجاح
لعل أشد الظروف التي واجهتها في دراستها تتمثل في تأخر صرف مستحقات الطلاب المبتعثين الشهرية، الأمر الذي “سبب لي مشكلات في السكن والتنقل كون الأرباع (مخصص يصرف كل ثلاثة أشهر) لم تكن كافية لمواجهة أعباء الدراسة المكلفة جداً، فضلاً عن إيجار السكن والمواصلات، إلى حد اضطراري إلى اقتراض المال لإكمال إيجار السكن وتغطية فواتير الكهرباء والماء والغذاء”. ولهذا نتمنى من مجلس القيادة الرئاسي النظر في مشكلة الطلاب المبتعثين بالخارج و”سرعة صرف مستحقاتهم، فهم يعانون جداً بسبب المستحقات التي تأتي متأخرة فضلاً عن كونها غير كافية”.
الانطلاق لا يتوقف
تتفتح آمال المرء عقب سنوات من الدراسة والجهد يتوجها بالالتحاق بالعمل ليواصل عطاءه الذي اختار أن يبرع فيه، وبالنسبة إلى رحمة فهي تطمح لإكمال التأهيل في المجال الأكاديمي العسكري في الطيران الحربي.
وكون اليمن اليوم لا يملك سلاحاً جوياً فهذا لا يفت في همتها، إذ تتوقع أن “يعود اليمن مثلما كان وأفضل، وتعود القوات الجوية”.
الحوشبي تتوسط قياديين عسكريين يمنيين
فوق مستوى الخوف
عن المشاعر الأولى للتحليق في الجو تؤكد أنها رائعة، ومثلما اخترقت حاجز الصوت في الجو استطاعت تجاوز الخوف من أيام دراستها الأولى، كون هذا المجال هو حلمها وشغفها القديم، “كان المدربون الجويون مبسوطين (سعداء) مني، لأني لم أكن أخاف أبداً، وهذا جعلني أتجاوز مراحل طويلة من مراحل التدريب الأولى في الجو”.