حرية – (4/9/2022)
منذ إبرام صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وغالباً ما ينتابني شعور بالغيرة من جيراننا الأوروبيين عندما يتعلق الأمر بالتنقل والسفر.
بالنتيجة، لديهم إلى حد بعيد الامتيازات التي اعتدنا الاستمتاع بها: عبور الحدود من دون إجراءات روتينية، الاستمتاع بالإقامة في دولة أخرى لمدة غير محدودة (فهم ليسوا مقيدين بمدة 90 أو 180 يوماً السخيفة)، القدرة على استخدام جواز السفر حتى يوم انتهاء صلاحيته، عدم دفع رسوم على خدمات التجوال لشبكات الهواتف المحمولة (ومما يزيد من انزعاجي هو أننا تخلينا عن كل هذه الامتيازات باختيارنا أيضاً).
لكن حسدي يشهد موجة صاعدة جديدة هذا الأسبوع، أججتها السياسات الابتكارية في العديد من البلدان التي تهدف إلى تحفيز المزيد من الأشخاص على استخدام وسائل النقل العام والمساعدة في تخفيف حدة أزمة تكلفة المعيشة.
بمجرد ما ينتهي مخطط ما، يبدأ آخر. لاقى البرنامج الألماني- الذي سمح بالسفر غير المحدود في القطارات بين الأقاليم والترام والحافلات وحتى بعض العبارات النهرية مقابل تسعة يورو فقط شهرياً خلال أشهر يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) وأغسطس (آب)- نجاحاً هائلاً، حيث بيع 52 مليون تذكرة وقلصت انبعاثات الكربون بما يقدر بنحو 1.8 مليون طن.
في المقابل، وبعد يوم من انتهاء التجربة الألمانية، أطلقت إسبانيا برنامجها الخاص: السفر بالقطار مجاناً لحاملي التذاكر الموسمية في رحلات عديدة، هذا المخطط الذي يسري مفعوله في المدة ما بين الأول من سبتمبر (أيلول) وحتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) ويستهدف بشكل مباشر المسافرين الإسبان، يسمح برحلات مجانية تتطلب عدة تذاكر على متن قطارات سيركانياس وروداليس الداخلية والرحلات الإقليمية التي تقل عن 300كيلو متر في قطارات ميديا ديستانثيا.
ولأزيدكم من الشعر بيتاً: عند تقديم فكرة المشروع الذي يستمر لأربعة أشهر، قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز: “إنني مدرك تماماً للصعوبات اليومية التي يواجهها معظم الناس… أعلم أن قيمة دخولكم تنخفض أكثر فأكثر، وأنه من الصعب تغطية نفقاتكم، وأن مشترياتكم باتت مكلفة أكثر بكثير… سأبذل قصارى جهدي للدفاع عن الطبقة العاملة في هذا البلد”.
تخيلوا أن تسمعوا شخصاً في موقع القوة يعد بمساعدة الأشخاص الذين يجاهدون من أجل البقاء وسط أزمة تكلفة المعيشة الحالية- ثم رؤيته يعزز كلامه بسياسة ملموسة مصممة لتخفيف هذا العبء المالي. في المملكة المتحدة، مع تنحي بوريس أخيراً (الذي زاد الطين بلة باقتراحه أن شراء غلاية كهربائية جديدة قد يحل مشكلات الطاقة لدينا) ومواصلة خلفائه المواقف السياسية نفسها، لا يسعنا إلا أن نحلم بمثل تلك القيادة ذات التفكير المستقبلي.
ما الذي تعهده كبار مسؤولي النقل لدينا للتخفيف من بعض المصاعب المقبلة؟ إنهم حددوا أن الزيادة التالية في أسعار بطاقات السكك الحديدية يجب أن تكون “أقل من التضخم”- وصل ارتفاع مؤشر أسعار التجزئة إلى 13.6 في المئة في شهر يوليو عام 2022، الشهر الذي يشير عادة إلى الارتفاع السنوي لأسعار تذاكر القطارات الذي سيحدث في يناير (كانون الثاني)– وتأجيل الزيادة حتى مارس (آذار) 2023؟ في هذه الحال، متى يمكننا افتراض أنها سترتفع “فقط” بنسبة 13.5 في المئة كحد أقصى؟ ألا يثلج هذا الكلام صدوركم؟
وفي الوقت نفسه، بالكاد تؤدي خدمات النقل العام لدينا وظيفتها. سبب العديد من الإضرابات تعطيل السفر في الصيف عبر شبكات القطارات والحافلات ومترو الأنفاق في المملكة المتحدة، حيث احتج العمال الساخطون على تضاؤل الأجور الفعلية وطالبوا بتحسين ظروف العمل والأمن. يبدو أن هذه الوتيرة ستستمر في شهر سبتمبر، حيث أعلنت الصناعة بالفعل عن ثلاثة أيام من الإضراب، يضم اثنان منها 40 ألف عضو في الاتحاد الوطني للسكك الحديدية إضافة إلى أعضاء نقابة سائقي القطارات في اليوم المحدد الأول، وإضراب آخر من قبل نقابة عمال النقل المأجورين الأصغر حجماً، التي تضم موظفي السكك الحديدية المكتبيين.
ثم هناك شركة “أفانتي ويست كوست”، التي ضعفت بسبب مرض موظفيها وما سمته “إضراباً غير رسمي” من قبل السائقين الذين يرفضون العمل لساعات إضافية. كان على الشركة المشغلة أن تخفض خدماتها استجابة لذلك، ما أدى إلى ازدحام القطارات وزيادة سخونتها، وتقليص عدد الرحلات لغاية 11 سبتمبر على الأقل. سنكون في مواجهة مع السفر غير المريح خلال الشتاء.
ليس الأمر ببساطة أنه يثير غضب مسافري القطارات فحسب. في هذه المرحلة بالذات من أزمة المناخ نحتاج إلى تشجيع المزيد من الناس على الاستعاضة عن السيارات والطائرات بوسائل النقل العام، لكن الحافز للقيام بذلك معدوم.
بعيداً من اتباع خطى ألمانيا وإسبانيا، لا يزال وزير النقل البريطاني لأشهر عدة منخرطاً في لعبة إلقاء اللوم، حيث يشير بأصابع الاتهام إلى النقابات ويهدد بكبح سلطاتها. وكتب في صحيفة “إكسبرس” في أغسطس: “ستتحرك الحكومة… خطتي لإصلاح النقابات المكونة من 16 نقطة ستمنح كل فرد من أعضاء النقابات المزيد من القوة، إذا أرادوا ذلك، لكبح جماح رؤسائهم العاشقين للفت انتباه الجمهور والذين تحركهم الدوافع السياسية. تصر الخطة على إعادة الاقتراع قبل كل إضراب، لبيان أن الإجراء لا يزال يحظى بدعم الأعضاء”.
كما قلت في بداية المقال، أشعر بالغيرة من جيراننا. أزمة تكاليف المعيشة وأسعار الطاقة المرتفعة التي تلوح في الأفق تتطلب أفكاراً مبتكرة غير محدودة لمساعدة الناس على التأقلم- أفكاراً مثل خفض تكاليف النقل العام، حتى لو لبضعة أشهر فقط، لكنني أخشى أن يكون أقصى آمالنا في بريطانيا هو خريف من الجمود الأيديولوجي، حيث تستبدل الأسعار المنخفضة بجداول رحلات مخفضة.