حرية – (5/9/2022)
بعضهم يقول إن الحروب لا فائدة منها أبداً، لكن إذا عم السلام العالم وانتهت الصراعات نهائياً، كما حلم مغني ومؤلف أغاني فرقة الـ “بيتلز” جون لينون، فإننا سنخسر متعة الاطلاع على أسماء الحروب الغريبة التي كان لكل منها قصته.
“أذن جنكينز”
لو كان السلام هو السائد ما كنا عرفنا قصة اسم حرب “أذن جنكينز” التي نشبت بين بريطانيا وإسبانيا بين عامي 1739 و1748 وأطلق عليها هذا الاسم كاتب المقالات الساخرة الإنجليزي توماس كارلايل.
وسبب التسمية هو صعود خفر السواحل الإسباني إلى سفينة الكابتن روبرت جنكينز التجارية “ريبيكا” في جزر الهند الغربية ثم قاموا بنهبها وقتل بحارتها ثم قطعوا أذن النقيب جنكينز.
النقيب جنكينز رفع أذنه المقطوعة في مرطبان مخلل أمام البرلمان البريطاني للإدلاء بشهادته على الفظائع الإسبانية في جزر الهند الغربية، وتسبب هذا المشهد في غضب النواب الذي عجل بالحرب، فامتدت بعد ذلك لعشرات الأعوام ودخل فيها الفرنسيون والبرتغاليون في ما بعد.
حرب الدلو
الحرب الثانية العنيفة التي تسبب بها دلو مصنوع من البلوط سميت على اسمه، انتهت باحتفاظ مواطني مدينة مودينا الإيطالية بالدلو الخشبي الذي لا يزال معروضاً حتى اليوم في توري ديلا غيرلاندينا على الرغم من أن هذه الحرب انتهت في القرون الوسطى.
وكان الانقسام على أشده بين سلطة الكنيسة ممثلة في البابا الذي يعيش في مدينة بولونيا الإيطالية القريبة من مدينة مودينا حيث يقيم الإمبراطور الروماني.
وفي العام 1325 بعد أن دهم جنود بولونيا مدينة مودينا وسرقوا كنوز الكنيسة في دلو خشبي، ولاستعادة الدلو وما يحتوي من كنوز مقدسة وقعت في الـ 15 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1325 حرب “الدلو”، إذ التقى جيشان بأعداد هائلة لتنتهي المعركة بانتصار الإمبراطور بوجه الكنيسة، وهي المعركة التي غيرت وجه أوروبا بعد تحجيم دور الكنيسة ومساحة أرضها الحالية.
حرب الزهور
لكن شعوب الـ “أزتيك” في أميركا الجنوبية كانت عندهم حرب “الزهور”، على الرغم من أنها دموية ومثيرة للضحك في الوقت نفسه لشبهها بلعبة الأسر التي يلعبها فريقان من الأطفال.
وكانت حرب الأزتيك تقام بين قبيلتين لأسر أكبر عدد من الضحايا للتضحية بهم إلى آلهة الجفاف الذي ضرب أرضهم بين 1450 و1454، وكانت المعركة تقع من دون أسلحة وتحاول كل قبيلة أسر أكبر عدد من أعضاء القبيلة الأخرى، وفي كل الأحوال لم يكن الأمر يدعو إلى الخوف بين المتحاربين لأن التضحية بالنفس من أجل الآلهة كانت طريقة مشرفة للموت عندهم.
“الحرب الرائعة”
أطلق البرتغاليون على إحدى حروبهم مع الإسبان “الحرب الرائعة” وكانت وقعت عام 1762 حين غزت إسبانيا البرتغال المحايدة، لكن وعورة التضاريس الجبلية وهجمات عصابات الفلاحين المنظمة أعاقت هذا الغزو، وعدد جنود الجيش الإسباني الكبير كان أحد أسباب عرقلة الغزو، وهكذا أطلق البرتغاليون على هذه الحرب القصيرة التي لم تتسبب في خسائر كبيرة بالأرواح اسم “الحرب الرائعة”.
سباق “الماراثون” العالمي
ولو عدنا قليلاً إلى الحروب القديمة وتحديداً إلى معركة الماراثون بين اليونان والفرس، فقد منحت اسمها سباق “الماراثون” العالمي الذي يبلغ طوله 42 كيلومتراً، وهي المسافة التي قطعها أحد الجنود اليونانيين راكضاً من دون توقف من أرض المعركة إلى العاصمة أثينا ليبلغ خبر الانتصار.
حدث جلل
في موقع مجلة “هيستوري” الأميركية تحقيق بعنوان “لماذا تحمل بعض معارك الحرب الأهلية اسمين؟”، تتساءل فيه باربرا مارانزاني “أنتيتام أم شاربسبورغ؟ ماناساس أم بول ران؟”.
وترى الكاتبة أن معظم الأميركيين يعتقدون أن تسمية أي معركة في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب أعطيت على اسم مكان وقوعها، لربما لأن جنود الشمال المنحدرين من المدن أو المناطق الحضرية أدهشتهم الجبال والوديان والأنهار والجداول الوفيرة في الجنوب، فأطلقوا على العديد من معاركهم اسم المميزات الطبيعية، بينما أطلق جنود الجنوب على معاركهم أسماء المناطق التي يعرفونها، فحملت المعارك اسماً مزدوجاً في كثير من الأحيان.
أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة بوسطن أندرو جيه باسيفيتش عبر كتابه “خيانة الثقة” الذي يتناول كيف خذل الأميركيون جنودهم وبلدهم بسبب الحروب الكثيرة التي خاضتها الولايات المتحدة بلا طائل في أنحاء العالم، تساءل “لأكثر من نصف قرن كانت الولايات المتحدة دولة في حال حرب، فهل لهذه الحرب الطويلة اسم يمكن منحها له؟”.
وقال باسيفيتش إنه مبدئياً كل الحروب التي تلت الـ 11 من سبتمبر (أيلول) 2001 تسميها دوائر المحافظين الجدد باسم الحرب العالمية الرابعة، لكن بعد توليه الرئاسة العام 2009 قام باراك أوباما من دون ضجة كبيرة بإخفاء هذا الاسم تحت شعارات السلام العالمي.
وأضاف أن تغيير الاسم لا يعني أن الحرب توقفت بل يعني أنه يمكن منحها أي اسم طالما أنه من دون “أل التعريف”، كما يريد الديمقراطيون للحروب أن تبدو وكأنها لا تقع، بمجرد عدم الحديث عنها أو تسميتها باسم معين.
هل يهم أن حربنا أصبحت مجهولة الاسم؟
وتساءل الباحث “هل يهم أن حربنا أصبحت مجهولة الاسم؟”، ويجيب “بالطبع لأن الأسماء تضيف المعنى إلى الفعل، وعندما يتعلق الأمر بالحرب فإن الاسم المرتبط بتاريخ يمكن أن يشكل فهمنا لما كان يدور حوله الصراع، وتحديد متى بدأت الحرب ومتى تنتهي هو منح امتياز لتفسيرات معينة وتركيز عليها يتعلق بتاريخ الحرب من دون التركيز على الأسباب الكثيرة الأخرى التي أسهمت في اشتعال أي حرب”.
ووجهة النظر التي يطلقها باسيفيتش يوافقه عليها الباحثون في مجال الإعلان والدعاية، مثل اختيار كلمة واحدة تجذب المشترين إلى منتج معين، فتأثير الكلمة في الإعلان كما تأثيره في تسمية الحرب،
فمثلاً لو سمينا “حرب فيتنام” بحرب الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي فإن صورة هذه الحرب نفسها تتغير، فالاسم الأول يأخذنا إلى أدغال فيتنام الكثيفة والقرى الفيتنامية المدمرة والمشتعلة وأهلها المشردين، أو نرى الجنود الأميركيين المقتحمين في حرب ندموا عليها في ما بعد.
أما الاسم الثاني للحرب نفسها فإنه لن يمنح مخيلاتنا صورة لحرب حقيقية تقع، فالحرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لطالما سميت بالباردة، وحرب فيتنام كانت ساخنة جداً.