حرية – (5/9/2022)
سلط تقرير لبناني، الاثنين، الضوء على مزاعم توسط حسن نصرالله في الأزمة الشيعية العراقية.
وذكر التقرير الذي نشرته صحيفة النهار اللبنانية ، (5 أيلول 2022)، إن “مواقع تتابع بدقة الوضعين العراقي والإيراني استطراداً أخبار الميليشيات التي تأتمر بالقرار الإيراني، مثل “حزب الله” وغيره نشرت أن اتصالاً من الأمين العام للحزب المشار اليه، بزعيم التيار الصدري أنهى جولة العنف. قد يكون خبر الاتصال صحيحاً، لكن ثمة مراقبين يعتقدون أن اسهام الاتصال في وقف القتال مبالغ فيه بالرغم من مكانة حسن نصرالله في المشهد الشيعي العربي والإيراني، وبالرغم من وجود دور لحزبه في الساحة العراقية فضلاً عن ممثل مقيم على مدار السنة ويتواصل مع جميع القوى الشيعية المحلية”.
وأضاف التقرير أنه “بالنسبة الى دور المرجع الأعلى علي السيستاني في وقف جولة العنف الأخيرة نميل الى الاعتقاد أنها اكثر منطقية من الرواية الاولى التي لا يسعنا أن ننفيها، كما لا ننفي أن تكون أسهمت في مكان ما بشيء من التهدئة في ازمة نعرف أنها طويلة. إنما وزن السيستاني يستحيل أن يقاس بوزن آخر على الساحة الشيعية العراقية”.
وأدناه نص التقرير الكامل:
سرت في الأيام القليلة الماضية رواية عن دور مارسه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في وقف جولة العنف التي اندلعت الأسبوع الماضي في بغداد وبعض مدن الجنوب العراقي بين مسلحي التيار الصدري ومسلحي ميليشيات “الحشد الشعبي”، والتي دفعت الكثيرين في العراق الى الشعور بأن حربا أهلية بدأت، وأنها ستتمدد لتحرق البلاد برمتها.
كانت الصورة خلال أربع وعشرين ساعة تؤشر الى أن القتال لن يتوقف بسهولة، لكن شيئاً ما حدث بين بداية ليل الاثنين في 29 آب (أغسطس) الماضي وفجر اليوم التالي الثلثاء، أدى الى خروج مقتدى الصدر ليأمر مسلحيه بوقف القتال والانسحاب من كل الساحات، بما فيها المنطقة الخضراء. وقد تضمن خطاب الصدر كلاماً قاسياً وغير مألوف في حالات كهذه بحق مناصريه، وحتى من سقط منهم في جولة العنف. طبعاً توقف القتال ولم تُحل الأزمة.
نشرت مواقع تتابع بدقة الوضعين العراقي والإيراني استطراداً أخبار الميليشيات التي تأتمر بالقرار الإيراني، مثل “حزب الله” وغيره، أن اتصالاً من الأمين العام للحزب المشار اليه، بزعيم التيار الصدري أنهى جولة العنف. قد يكون خبر الاتصال صحيحاً، لكن ثمة مراقبين يعتقدون أن اسهام الاتصال في وقف القتال مبالغ فيه بالرغم من مكانة حسن نصرالله في المشهد الشيعي العربي والإيراني، وبالرغم من وجود دور لحزبه في الساحة العراقية فضلاً عن ممثل مقيم على مدار السنة ويتواصل مع جميع القوى الشيعية المحلية.
لكن الأزمة العراقية قد تكون أكبر من اتصال من شخصية من الخارج أياً تكن لوقف جولة عنف بهذه السرعة وبهذا الشكل الذي خرج منه الصدر بنكسة معنوية، لانه اضطر للخروج من الشارع، وفك الاعتصامات في المنطقة الخضراء من دون أن يحقق أي مكسب سياسي واضح. وبدا الصدر في خطابه أقرب إلى من دفع لرمي ما بيده من أوراق لعبها بجدية في الأشهر القليلة الأخيرة مثبتاً أنه يستحيل تجاوزه. من هنا ترجيح الرواية التي تضمنها تقرير موسع لوكالة “رويترز” تحدثت فيه عن رسالة قوية من المرجع الاعلى في النجف علي السيستاني (تجنبت مصادر المرجع السيستاني تأكيدها) وجهها للصدر وفعلت فعلها في دفع الأخير الى التراجع بسرعة مخافة أن يتعرض لانتقاذ من السيستاني الذي قيل إنه قد يخرج بموقف علني من شأنه أن يحرج الصدر الذي بدأ أسبوعه بخسارة مرجع التيار كاظم الحائري بشكل كلي (الحائري لم يكن صاحب نفوذ استثنائي في العراق)، حيث أن الاخير تنحى في سابقة لم تحصل مع مرجعية أخرى عن مسؤولياته كمرجع تقليد داعياً اتباعه ومقلديه إلى اطاعة المرشد الإيراني علي خامنئي.
هذا التطور، وإن لم يؤثر على شعبية الصدر بين مناصريه، فإنه ترك أثراً معنوياً سلبيا لجهة افتقاد التيار الصدري مرجعية دينية رفيعة المستوى تعوض غياب حائري وانحيازه الى مرجعية قم. ومعلوم أن مقتدى الصدر الذي يتمتع بصفات قيادية سياسية واجتماعية لم يرتق بعد الى مستوى أن يصبح مرجعاً. من هنا الأثر الذي خلفه تنحي الحائري مع أن علاقات الرجلين لم تكن على الدوام جيدة. وفي مطلق الأحوال، تتفق مصادر عدة حول صحة رواية تهديد السيستاني بالخروج بموقف علني من شأنه أن يؤثر سلباً على الصدر ويضعه بمنزلة المتسبّب بالعنف. هذا ما أدى الى تراجع الصدر من دون أن يحقق مكاسب في السياسة.
قد يكون تراجع الصدر أراح جبهة “الاطار التنسيقي” وصب في مصلحة رئيس “دولة القانون” نوري المالكي العدو الأول للصدر، وقائد ميلشيا “عصائب الحق” قيس الخزعلي، ومكنهما من التقاط انفاسهما، الأول بعد فراره من منزله في المنطقة الخضراء، والثاني بعد تعرض معظم مكاتبه للحرق، لكن هذا التراجع لم يحجب حقيقة أن الصدر بات الزعيم الشيعي الأول الاقدر على تحريك الحشود، وإقامة توازن معين مع الفصائل الولائية التي تديرها طهران مباشرة.
ما تقدم لا يعني أن الصدر في طور اشعال حرب تحرير من النفوذ الإيراني. فهذا سابق لأوانه. إيران لا تزال تتمتع بنفوذ متعدد الأوجه، ومرده الى العلاقة المعقدة مع العراق، فهي تقوم على السياسة، والأيديولوجيا (الدين)، والعمل المخابراتي، والتشابك التجاري المافيوي الى حد يجعل من الصعب إدارة مواجهة معها بشكل واضح المعالم والحدود. ولعل معركة مقتدى الصدر تحمل وجهين، الأول سلطوي، والثاني تحرري من القبضة الخانقة للنفوذ الإيراني. بالنسبة إلى الوجه الثاني لا بد من القول إن الشارع العراقي يبتعد شيئاً فشيئاً من إيران. مؤشرات التبرم من سلبيات النفوذ الإيراني أصبحت على كل شفة ولسان . وما من شك في أن جزءاً من التعاطف الشعبي الواسع مع مقتدى الصدر يعود الى الاعتقاد أن الأخير يواجه ثقل النفوذ الإيراني على الحياة العامة والخاصة في العراق.
بالنسبة الى دور المرجع الأعلى علي السيستاني في وقف جولة العنف الأخيرة نميل الى الاعتقاد أنها اكثر منطقية من الرواية الاولى التي لا يسعنا أن ننفيها، كما لا ننفي أن تكون أسهمت في مكان ما بشيء من التهدئة في ازمة نعرف أنها طويلة. إنما وزن السيستاني يستحيل أن يقاس بوزن آخر على الساحة الشيعية العراقية. من هنا خشية الكثيرين مما يمكن أن يحصل في يوم يغيب فيه السيستاني عن الساحة، حيث أن المراجع الآخرين الكبار في النجف لم يظهر انهم يمتلكون مكانة موازية للمرجع الأعلى الحالي.
في مطلق الاحوال إن الاستنتاج الأول الذي يسعنا أن نخرج به الآن هو أن الساحة العراقية رخوة الى حد بعيد. وهي ستظل كذلك في الأمد المنظور. الحلول السياسية المطروحة، وآخرها طرح رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي فكرة اجراء انتخابات بنهاية 2023، وتشكيل حكومة جديدة ترضى بها كل الأطراف (ربما حيادية) أشبه بحبة مهدئ في الوقت الذي يحتاج العراق الى موجة تغيير حقيقية للخروج من أزمة عميقة للغاية ستطول حتماً.