حرية – (21/9/2022)
بدأت أحداث قصتنا في منطقة جورجيا بالولايات المتحدة عام 1979 عندما قصد شخص مجهول الهوية شركة “ألبيرتون غرانيت” بقصد تشييد معلم غامض، تحت اسم ألواح جورجيا.
اختار الرجل لنفسه اسماً مستعاراً “روبرت سي كريستيان” إذ لم يشأ أن يتعرف أحد على هويته الحقيقية، وطلب تشييد معلم مؤلف من 5 ألواح من الغرانيت، وهو صخر ناري جوفي يتكون تحت درجة حرارة عالية، وبسبب العبارات الغريبة التي نقشت على هذه الألواح، بات هذا النصب واحداً من أكثر المعالم التاريخية إثارة للجدل حتى يومنا هذا.
قصة تشييد ألواح جورجيا
بدأ كريستيان بشرح المخطط لصاحب الشركة “جو فيندلي” الذي ظن في البداية أنها مجرد مزحة، فقام صاحب الشركة في بادئ الأمر بوضع سعر خيالي بغرض التهرب من تنفيذه إلا أن كريسيان لم يأبه بالسعر الباهظ، بل بدأ باختيار العمال وتنظيم الدفعات عبر “غرانيت سيتي بانك”.
قطعة الأرض التي اختيرت كانت في الأساس مزرعة ماشية تم شراؤها بثمن باهظ من أصحابها مع الاحتفاظ بحق رعي الماشية مدى الحياة، هذه المنطقة كان يطلق عليها الهنود الحمر من قبيلة “شيروكي” اسم “أه ييه لي ألو هي”، بمعنى “مركز العالم”. صاحب هذه الألواح لم يختر هذه الأرض عن عبث، فمحتوى الألواح الذي سنعرفكم عليه في هذا التقرير سيبين المقصود.
بدأ العمل على قدم وساق على بناء النصب التذكاري، وقد ساعد الموقع المعزول على عدم اطلاع الناس عليه خلال عملية البناء، وفي 22 مارس/آذار سنة 1980 تمت إزاحة الستار عن الألواح في مدينة البيرتون بولاية جورجيا من قبل عضو الكونغرس آنذاك دوغ بيرنر في حشد ضم ما يقارب 300 شخص.
يبلغ ارتفاع النصب حوالي 230 متراً فوق سطح البحر، وهو عبارة عن 5 ألواح من حجر الغرانيت على شكل نجمة، يزن كل واحد منها أكثر من 20 طناً، كما وضع فوقها حجر يربط بين كل منها.
تعد هذه المعلمة تحفة هندسية فبحسب تقرير لموقع CNN تتوسط العمود المركزي فتحة تسمح بمراقبة الشمس ومرور أشعتها على مر الفصول الأربعة، أما زوايا وجه النصب الأربع فجميعها موجهة لتتبع حدود الدورة القمرية طوال العام.
وبالنسبة للحجر العلوي ففيه ثقب موجّه نحو نجم الشمال، وآخر يسمح بمرور شعاع الشمس خلال الظهيرة وسقوطه على العمود المركزي، فعبر هذه الفتحات واتجاهاتها يمكن إنتاج ثلاث أدوات أساسية وهي:
- التقويم
- الساعة
- البوصلة
الهدف من استخدام هذا النصب لأغراض فلكية يُفسّر في رسالة تتوسط حجر التتويج باللغة الإنجليزية كما تصحبها ترجمة لها، لكن ليست بلغات العالم المتعارف عليها حالياً، بل على العكس فالرسالة ترجمت إلى لغات العالم القديم وهي:
- الهيروغليفية المصرية.
- الكتابة المسمارية البابلية.
- السنسكريتية “اللغات الهندوسية القديمة”.
- اليونانية الكلاسيكية.
الرسالة عبارة عن سطر واحد فقط وترجمتها: “لتكن هذه هي الإرشادات لعصر العقل”، فحسب لسان الأشخاص الذين كانوا على علاقة مباشرة بكريستيان، هي إرشادات موجهة للأشخاص الذين سينجون من انفجار لقنبلة نووية، والتي بزعم كريستيان والموالين له أنها ستقضي على معظم سكان العالم، ما سيحتم على الناجين إعادة بناء الحياة البشرية.
تعليمات ألواح جورجيا المنقوشة
تضم ألواح جورجيا 10 تعليمات مترجمة إلى سبع لغات من عالمنا الحالي وهي:
- الإنجليزية
- الإسبانية
- السواحلية “إحدى اللغات الإفريقية”
- الهندية
- العبرية
- العربية
- الصينية
- الروسية
وهي بهذا الترتيب بدأ بالأنجليزية إذا قمنا باللفّ حول النصب باتجاه عقارب الساعة، أما التعليمات فهي متعلقة بإعادة تنظيم سكان العالم وتحديداً ما له علاقة بالنسل والبيئة وعلاقة الإنسان بها،، بالإضافة إلى الروحانية، العبارات المنقوشة عليه هي كالتالي:
- الحفاظ على عدد البشرية أقل من 500 مليون، في توازن مع الطبيعة
- الحفاظ على النسل في اتجاه اللياقة والتنوع
- توحيد البشرية بلغة تعايش جديدة
- سيطرة العاطفة والإيمان والتقليد وكل الأشياء بتعقل معتدل
- حماية الشعب والأمم بقوانين ومحاكم عادلة
- دع جميع الأمم تحكم داخلياً وتسوية النزاعات الخارجية أمام محكمة عالمية
- تحاشي القوانين ضيقة الأفق والمسؤولين عديمي الفائدة
- توازن الحقوق الشخصية مع الواجبات الاجتماعية
- جائزة الحقيقة، الجمال، الحب، البحث عن الانسجام مع اللانهاية
- لا تكن سرطاناً على الأرض، اخرج من غرفتك للطبيعة
ومن الناحية الغربية للنصب لوحة حجرية عليها تفاصيل حوله ابتداءً بهندسته وصولاً إلى العبارات المنقوشة عليه، ما يثير الدهشة في هذا اللوح ما نقش بجانب المعلومات، حيث زعم أن “كبسولة زمنية” قد دفنت تحت هذا المعلم.
تساؤلات وألغاز حول ألواح جورجيا
كما ذكرنا في سياق التقرير الألواح شُيدت من قبل روبرت سي كريستيان، فمن هو؟
الجواب لا يزال مجهولاً حتى يومنا هذا. وبحسب اعترافاته لمدير شركة الإنشاءات ومدير البنك، أكد أن الاسم مستعار ويفضل أن يبقى عليه، فحسب تقارير نشرت على كل من CNN و The washington Post و New Georgia encyclopedia فإن الأشخاص المقربين من كريستيان هذا مضوا على أوراق السرية، تمنعهم من إفشاء هويته الحقيقية.
لتبقى شخصية روبرت سي كريستيان وأسباب إنشاء هذا النصب من قبله مجهولة ليومنا الحالي، خاصة أن الجدل الأكبر في هذا النصب كان حول الكتابات التي سبق وذكرناها، لتبرز العديد من التفسيرات والتعليمات حول الهدف من هذا النصب، ومن أبرزها:
نظرية الشيطان: وفقاً للمؤيدين لهذه النظرية، فالنصب صمم لعبادة الشمس والشيطان بالإضافة إلى تأدية الطقوس الشيطانية، وأبرزها ذبح البشر كقرابين؛ مستدلين بذلك بالتصميم الذي يسمح بمرور الشمس طوال فترة بزوغها.
ألواح جورجيا عام 2022
حسب أقاويل سكان المنطقة، فالألواح المشيدة كانت مكروهة من قبل العديد من الأشخاص بسبب العبارات المدونة عليها، ما تسبب في قيام العديد من المظاهرات التي تطالب بهدمها، كما أكد رئيس البلدية لموقع CNN أن النصب تعرّض في الكثير من الأوقات لأعمال تخريب من قبل مجهولين، حتى انتهى به المطاف مدمراً بسبب تفجير قام به أحد الأشخاص في 6 سبتمبر/أيلول 2022 ولا تزال التحقيقات مفتوحة لمعرفة هوية من قام بذلك.
بعدما دمر النصب قامت البلدية بالحفر تحته لما يقارب 6 أمتار؛ بغية التأكد من وجود الكبسولة الزمنية المذكورة على أحد الألواح، إلا أن هذه العملية باءت بالفشل، ما فتح الباب لتساؤلات عدة هل هناك كبسولة زمنية أم هذه مجرد خدعة تسويقية للنصب مؤلفة من قبل كريستيان لجعل النصب أكثر غموضاً وتميزاً؟