حرية – (22/9/2022)
حزب إخوة إيطاليا، اليميني ذو الجذور الفاشية الذي يعادي اليورو وألمانيا وفرنسا مرشح للوصول لحكم إيطاليا، وقد يعني ذلك أن الاتحاد الأوروبي معرض لهزة كبيرة، إذا تمردت الدولة صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في التكتل على السياسات الأوروبية.
إذ تشير استطلاعات الرأي في الوقت الحالي إلى ارتفاع احتمالية فوز تحالف يميني في انتخابات إيطاليا المقبلة في 25 سبتمبر/أيلول برئاسة “حزب إخوة إيطاليا”. وقد تصبح جورجيا ميلوني، زعيمة حزب إخوة إيطاليا اليميني الذي يتصدر الاستطلاعات، أول رئيسة وزراء لإيطاليا، وفي حال فوزها، ستصبح أيضاً أول رئيسة وزراء لم يتبرأ حزبها السياسي من خلفيته الفاشية، حسب وصف تقرير لمؤسسة Brookings الأمريكية.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي الحالية، فالأحزاب الثلاثة التي بدأت في شكل حركات احتجاجية سياسية- فورزا إيطاليا، ورابطة الشمال، وحركة النجوم الخمسة- لا تحصل الآن إلا على ثلث الدعم الذي حصدته قبل ذلك.
فالأحزاب الإيطالية بعيد توليها مسؤوليات الحكم تفقد مصداقيتها في أعين الناخبين الذين يبدأون بحثهم في الحال عن الصوت المعارض الجديد للنظام السياسي القائم.
فهل سيتكرر السيناريو نفسه مع إخوة إيطاليا عام 2023؟.
هل ستصبح إيطاليا مثل بولندا والمجر؟
الأحزاب التي نشأت عن حركات احتجاجية أصبحت شائعة في معظم الدول الأوروبية خلال العشرين إلى الثلاثين عاماً الماضية.
وبولندا والمجر مرجعان مهمان. إذ تمكن حزباهما الأكثر شعبية- العدالة والقانون البولندي (PiS) والاتحاد المدني المجري Fidesz- من السيطرة على مقاليد السلطة لسنوات عديدة، ولا يزالان كذلك. ووفقاً للمفوضية الأوروبية، عمدت حكومتا بودابست ووارسو إلى تعديل القوانين الدستورية والمهام الديمقراطية الأخرى لأنظمتهما السياسية لتعزيز سيطرتهما على البلاد. وعرّف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان النموذج السياسي الجديد بأنه “ديمقراطية غير ليبرالية”.
تاريخ حزب إخوة إيطاليا
وبرز حزب إخوة إيطاليا من انقسام يميني داخل حزب سيلفيو برلسكوني، حيث
تأسس حزب ميلوني في عام 2012 خلفاً للتحالف الوطني، الذي نشأ من أنقاض الحركة الاجتماعية الإيطالية 1946-1995 التي شكلها أعضاء الحزب الوطني الفاشي بزعامة الديكتاتور بينيتو موسوليني. ولكن تنفي ميلوني أي صلة بأفكار موسوليني، لكنها تحرص على عدم إدانة حكمه، حسبما ورد في تقرير لموقع France24.
والاتجاهات الأيديولوجية الرئيسية لحزب إخوة إيطاليا، هي المحافظة الراديكالية، والقومية، والوطنية، ومعارضة الهجرة على المستوى الأوروبي، وحزب إخوة إيطاليا عضو في حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، الذي شغلت ميلوني رئاسته منذ سبتمبر/أيلول 2020.
ويطالب حزب إخوة إيطاليا، بـ”كونفدرالية أوروبا للأمم” مقابل أوروبا الفيدرالية، وفقاً لميلوني.
وكان حزب إخوة إيطاليا، هو الحزب الوحيد في المعارضة في عهد حكومة الوحدة الوطنية بقيادة التكنوقراط ماريو دراغي، ويعتقد أن الحزب الذي يمثل مرحلة توصف بما بعد الفاشية، سيحقق أداءً جيداً في الانتخابات الإيطالية المقررة في 25 سبتمبر/أيلول 2022، مما يجعل زعيمة الحزب جيورجيا ميلوني هي المرشح المرجح لمنصب رئيس وزراء إيطاليا المقبل، حسبما ورد في تقرير لموقع France24.
ويتقدم إخوان إيطاليا بين الأحزاب السياسية الإيطالية بنسبة 23% بعد صعود بطيء ولكنه ثابت، وفقاً لبعض استطلاعات الرأي.
ويتفوق حزب إخوة إيطاليا حالياً على الحزب الديمقراطي يسار الوسط بفارق نقطة واحدة فقط. لكن بشكل جماعي، فإن اليمين المتطرف واليمين يحملان وزناً أكبر بكثير من الجانب الآخر من الطيف السياسي.
ما بعد الفاشية
“أنا امرأة، أنا أم، أنا إيطالية، أنا مسيحية ولن تأخذوا ذلك مني”، هكذا تكرر ميلوني دوماً.
وقال بييرو إغنازي، الأستاذ الفخري بجامعة بولونيا وخبير في شؤون إخوة إيطاليا: “كانت ميلوني ناشطة في سياسات ما بعد الفاشية منذ شبابها”. ترتبط هوية الحزب في معظمها، بتقاليد ما بعد الفاشية. لكن برنامجها يمزج هذا التقليد مع بعض الأفكار المحافظة السائدة والعناصر الليبرالية الجديدة مثل المشاريع الحرة”.
لكن بين أعضاء إخوة إيطاليا من يشعرون بالحنين إلى حكم موسيليني، وقد أصدرت جريدة الحزب Secolo d’Italia تصريحات غامضة حول هذا الفصل من تاريخ البلاد.
ويقدم حزب إخوة إيطاليا نفسه على أنه الضامن للأسرة والهوية الوطنية الإيطالية، ويؤيد السياسات الداعمة لزيادة السكان والتعامل مع معدل المواليد المنخفض في البلاد، ويقترح إنشاء دور حضانة مجانية وإدخال بدل عائلي بقيمة 400 يورو شهرياً.
عارضت ميلوني أيضاً الشراكات المدنية للمثليين وتريد إغلاق موانئ إيطاليا أمام المهاجرين القادمين من ليبيا.
هل تستطيع تغيير الدستور وتقليص الديمقراطية؟
وبالنظر إلى بيئة ما بعد الفاشية التي نشأ فيها معظم قادة حزب إخوة إيطاليا الأساسيين، يحق التساؤل إن كان النموذج “غير الليبرالي” هو هدف ميلوني، في حالة فوزها برئاسة الوزراء، لأنها على الأرجح تعي خطر تراجع شعبية حزبها بين الناخبين بعد ذلك.
وتغيير الدستور الإيطالي سيصبح ممكناً بإجراء برلماني إذا حصل الائتلاف الحاكم على أغلبية الثلثين في البرلمان. ووفقاً لاستطلاعات الرأي وتقديرات المقاعد الحالية، فلدى التحالف اليميني فرصة لا يستهان بها للفوز بمثل هذه الأغلبية.
لكن تقليص الحقوق الديمقراطية في مجتمع متقدم واقتصاد لا مركزي ليس بالأمر السهل. فافتقار إيطاليا إلى الإجماع وُلد من المشاعر القوية المناهضة للمؤسسة في التسعينيات، لكنه تنامى في العشرين عاماً الماضية نتيجة إحباط الإيطاليين من الظروف الاقتصادية. فبغض النظر عن مدى سعيك لتغيير الضمانات الديمقراطية الدستورية، إذا لم تحقق نمواً اقتصادياً، فلا بد من انتخاب بديل لك في أول فرصة ممكنة، حسب تقرير مؤسسة Brookings.
بينما اقتصاد إيطاليا يعتمد على اليورو
قيادة إيطاليا نحو نظام استبدادي شامل لن يكون في صالح تحقيق النمو الاقتصادي. وأحد أسباب ذلك يكمن في حقيقة أن المؤسسات الأوروبية هي من تسند الاقتصاد الإيطالي، حسب المؤسسة الأمريكية.
والبنك المركزي الأوروبي وضع ضمانات ضمنية- وأحياناً صريحة- بأن إيطاليا لن تخرج من منطقة اليورو.
والمفوضية الأوروبية تمد إيطاليا ببرنامج مساعدات قوي- برنامج Next Generation EU الذي يُعرف اختصاراً بـ NG-EU، الذي يشكل من 11 إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا خلال خمس سنوات- ولا يمكن لقائد سياسي يحتفظ بكامل قواه العقلية أن يرفضه، حسب تعبير Brookings.
والمساعدات مشروطة بالالتزام بمقتضيات الديمقراطية في معاهدات الاتحاد الأوروبي واحترامها.
وفي حالة برنامج NG-EU، فالإصلاحات والدوافع تخضع لرقابة صارمة من المفوضية الأوروبية. ولن يكون سهلاً على ميلوني أن تقلص الحريات المدنية أو تمارس سياسات متسلطة وتستمر في تلقي أموال الاتحاد الأوروبي. فالأموال المقدمة إلى المجر، على سبيل المثال، متأخرة لأن نظام أوربان ليس ملتزماً بالشروط.
هل تتخلى عن اليورو كما سبق أن لوحت؟
ولا شك أن ميلوني في الماضي كانت تميل للانفصال عن أوروبا. فعام 2014، تعهدت
بـ”تشكيل أغلبية في البرلمان الأوروبي مع الحركات الأوروبية الأخرى المعارضة لمنطقة اليورو لدعم مقترح يجبر المفوضية الأوروبية على حل منطقة اليورو بطريقة منظمة ومتفق عليها”.
وقدم حزب إخوة إيطاليا هذا المقترح في البرلمان “لحل منظم” لهذا الاتحاد النقدي، أو كبديل، أن تخرج إيطاليا من منطقة اليورو.
وعام 2018، طلب الحزب حذف الإشارات إلى الاتحاد الأوروبي في الدستور الإيطالي، لفرض سيادة القانون الوطني على القانون الأوروبي.
ترى أن إيطاليا ضحية لفرنسا وألمانيا
والخطاب القوي الذي يصور إيطاليا على أنها ضحية لمحاولات فرنسا وألمانيا الاستيلاء على السلطة تميز به حزب ميلوني خلال العقد الماضي.
ولم يأتِ الحزب على ذكر برنامج تضامن شركاء أوروبا عام 2020 حين دعم إيطاليا بسخاء خلال جائحة كوفيد-19 والأزمات الاقتصادية.
ولكن خفف حزب إخوة إيطاليا إلى حد كبير من حدة موقفه المناهض للاتحاد الأوروبي.
والآن لا يحبذ الحزب مغادرة الكتلة أو حتى منطقة اليورو، قائلاً إنه يفضل “أوروبا الأمم”.
هل تشكل محوراً متطرفاً مع بولندا والمجر؟
ميلوني مقربة من رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان وكذلك التجمع الوطني اليميني المتطرف الفرنسي وحزب فوكس الإسباني.
لدى ميلوني أيضاً علاقات مع اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، بعد أن حضرت مؤتمر العمل السياسي المحافظ لعام 2022 ووجبة إفطار الصلاة الوطنية إلى جانب الرئيس السابق دونالد ترامب.
ولذا من الخيارات المطروحة أمام ميلوني الانضمام إلى المجر وبولندا في قضايا السياسة الخارجية والتحرك ضد التيار الأوروبي السائد. وهذه الجبهة المعادية لأوروبا ممكنة نظرياً ولها أن تدعم خطاباً قومياً. لكن النتائج العملية ستكون ضعيفة، لأن الدول الثلاث لن تكون كافية لتعطيل قرارات الدول الأخرى. والطريقة التي يتخذ بها الاتحاد الأوروبي قراراته في السياسة الخارجية تقلل من إمكانية الامتناع عن دعمها.
هل تتخلى عن العقوبات الأوروبية على روسيا؟
فالعقوبات ضد روسيا، مثلاً، تُفرض بموجب سياسة الاستراتيجية الخارجية المشتركة (CFSP) التي تنفذ فيها الإجراءات المقررة إما على مستوى الاتحاد الأوروبي أو على مستوى كل دولة. وتُنفَّذ تدابير مثل حظر الأسلحة أو القيود المفروضة على قبول العضوية مباشرة من الدول الأعضاء، التي تكون ملزمة قانوناً بالتصرف وفقاً لقرارات سياسة الاستراتيجية الخارجية المشتركة CFSP. وتنفذ الأحكام الأخرى بقطع العلاقات الاقتصادية مع دولة ثالثة أو تقليصها، بما في ذلك تجميد الأموال والموارد الاقتصادية، باستخدام لائحة تتطلب أغلبية مؤهلة.
وهذه اللوائح مُلزمة وقابلة للتطبيق مباشرة في الاتحاد الأوروبي بأسره. وتحالف من إيطاليا وبولندا والمجر ليس كبيراً بما يكفي لتشكيل أقلية معرقلة.
سياسية متمرسة
ما لم تظهر حملة قوية مؤيدة للفاشية على الشبكات الاجتماعية بعد التصويت- وهو عامل غالباً ما يجد التحليل السياسي صعوبة في تفسيره- فمن المحتمل جداً أن تتبنى ميلوني، فور توليها السلطة، خطاً سياسياً أكثر تقليدية مع أوروبا. فربما تخفف من حدة دعواتها لتقديم سيادة إيطاليا على الولاء لأوروبا.
وقال مارك لازار، المتخصص في الشأن الإيطالي: “ميلوني تتولى منصب برنامجها المتماسك وأخلاقيات عملها الجوهرية”. “ميلوني هي المرأة الوحيدة في بيئة ذكورية للغاية؛ نظمت مؤتمراً بين الأحزاب في مايو/أيار الماضي، وأحاطت نفسها بالمثقفين والسياسيين اليمينيين، ولكن ليس بالضرورة من اليمين المتطرف. وهذا يساعد في تقديمها كمرشح مناسب لرئاسة الوزراء”.
وتعمل ميلوني في السياسة منذ فترة، بعد أن أصبحت نائبة في البرلمان عن عمر يناهز 29 عاماً في عام 2006. وبعد ذلك بعامين، انضمت إلى حكومة برلسكوني كوزيرة للشباب.
بالاعتماد على سلوكها الجاد وخلفيتها من الطبقة العاملة ووجودها كامرأة في البيئة الذكورية إلى حد كبير للسياسة الإيطالية، وسعت ميلوني جاذبية إخوان إيطاليا إلى ما وراء المناطق الريفية التقليدية في الجنوب- وحققت العديد من الانتصارات في الانتخابات المحلية في شمال إيطاليا، التي تهيمن عليها الرابطة، وسجلت بشكل مثير للإعجاب نتائج جيدة في باليرمو، أكبر مدينة في صقلية ومعقل اليسار القديم.
ولكن في حين أن استراتيجية ميلوني تؤتي ثمارها الآن، فقد يتراجع حزبها عن طريق الفوز إذا فاز في الانتخابات العامة، نظراً للانقسامات بين اليمين المتطرف واليمين، بالإضافة إلى تاريخ العداء الشخصي بينها وبين وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني زعيم الرابطة القومية الشعبوية التي احتلت المركز الثالث في استطلاعات الرأي.
ولكن تخفيف حدة لهجتها مع الاتحاد الأوروبي لن ينفعها كثيراً
لكن حتى لو بدت أقل عدائية للاتحاد الأوروبي، فلن تنجح ميلوني بالضرورة في استغلال تضامن أوروبا كما ينبغي، حسب مؤسسة Brookings الأمريكية.
إذ يعتمد نجاح البرامج المالية في أوروبا على فاعلية التنفيذ الإداري في إيطاليا للإصلاحات وخطط الاستثمار المتفق عليها في برنامج NG-EU. وملف حزب إخوة إيطاليا في هذا الشأن ضعيف جداً، مثلما تدلل إدارته المروعة لرئاسة بلدية روما بين عامي 2008 و2013.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فحتى في أفضل الأحوال- أي حتى لو استمرت جميع مشاريع برنامج NG-EU بكفاءة- فقد يصل النمو الاقتصادي لإيطاليا إلى 0.8% على الأكثر. ومع وصول متوسط قيمة الفائدة الأوروبية إلى مستويات تاريخية، فعلى الحكومة الإيطالية أن تستمر في تسجيل فائض في الميزانية الأولية بنسبة 2% على الأقل، للحفاظ على استقرار نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وفي حالة حدوث أزمة ديون، فالدعوات لإعادة رئيس الوزراء الحالي المنتهية ولايته ماريو دراغي ستتعالى.
وعلى خلفية ذلك، تحتاج ميلوني إلى بذل قصارى جهدها لطمأنة الأسواق. ولكن لمنع وقوع أزمة ديون مؤلمة، فعلى الحكومة الإيطالية أن تطلب من مواطنيها كل عام تسليم 2% على الأقل من دخولهم الراكدة إلى الدولة، أي أكثر مما يتلقونه من الدولة نفسها من حيث الخدمات والمنافع. فثلاثون عاماً من غضب المواطنين من النظام السياسي لن تتبخر بسهولة.