حرية – (25/9/2022)
في أقصى شمال الكرة الأرضية يقع أرخبيل “سفالبارد” في القطب الشمالي، حيث تجد الدببة القطبية ومساحات ممتدة من الثلج، وهناك أيضاً بلدة لونجييربين النرويجية، وليس موقعها الفريد هو ما يميزها فقط، ولكن بعض القواعد الصارمة التي تحظر عمليات الولادة أو الموت والدفن على أراضيها.
آثار فيروس في المقبرة وراء القواعد الصارمة في بلدة لونجييربين
يعتبر أرخبيل “جزر سفالبارد”، حيث تقع بلدة لونجييربين، أرضاً ذات مناخ قاسٍ متجمد طوال أيام السنة، وتتراوح درجات الحرارة في الشتاء بين 30 و20 درجة مئوية تحت الصفر، وحتى شهر يوليو/تموز الذي يعتبر أكثر الشهور دفئاً في بلدة لونجييربين، يتراوح متوسط درجات الحرارة فيه ما بين 5 و9 درجات مئوية تحت الصفر.
ويعيش هناك نحو ألفي شخص، معظمهم من عمال المناجم والعلماء المختصين بدراسة الحياة في القطب الشمالي، بالإضافة إلى أولئك الذين يعملون في مجال السياحة، وأرخبيل “جزر سفالبارد” موطن لحوالي 3 آلاف دب قطبي.
حتى منتصف الخمسينات كانت مقبرة بلدة لونجييربين تستقبل جثث الموتى، لكنها توقفت عن ذلك بعد اكتشاف آثار فيروس الإنفلونزا الإسبانية القاتل، في جثة أحد عمال المناجم الذين دفنوا في البلدة في عام 1918.
وبسبب برودة التربة في المقبرة فإن الجثث المدفونة فيها لا تتحلل، وتبقى متجمدة لسنوات طويلة، ومعها يمكن أن تبقى بعض الفيروسات في حالة خمول، ما يعني المخاطرة في حالة انتشار المرض مرة أخرى.
ومنذ ذلك الوقت صدر القرار بعدم دفن أي شخص في المقبرة، أما الأشخاص الذين يحتضرون
فيتم إرسالهم لمستشفى بعيد، خاصة أن البلدة لا يوجد فيها أمكانيات كبيرة في المستشفى المحلي الصغير، أما في الحالات الاستثنائية فيتم السماح بحرق الجثة، ولكن بعد الحصول على الموافقات الرسمية.
وليس الموت وحده أو الدفن هو المحظور في بلدة لونجييربين، فكذلك الولادة أيضاً، عندما يتبقى للمرأة ثلاثة أسابيع من الحمل يجب أن تعود إلى البر الرئيسي لتنجب طفلها، خوفاً من حدوث مضاعفات أثناء الولادة، وعدم القدرة على تقديم الرعاية الطبية اللازمة للأم والطفل.
قبو يوم القيامة قرب بلدة لونجييربين
في حين أن التربة المتجمدة في أرخبيل “جزر سفالبارد” لا تستقبل جثث الموتى، لكنها تحتضن تحت سطحها وعلى عمق 150 متراً مئات الآلاف من بذور النباتات، في “قبو يوم القيامة”، وهي منشأة تم بناؤها كخطة احتياطية للمساعدة في تجديد المحاصيل المفقودة في احتمال وقوع كارثة عالمية.
وتم إيداع عينات من جميع دول العالم مثل الهند وباكستان والمكسيك، إلى جانب بذور من سوريا، وتشمل البذور الموجودة في القبو المتجمد جميع أنواع بذور النبات، مثل الحنطة والشعير، بالإضافة لأصناف برية وقديمة.
ويمكن للتنوع الجيني الموجود في القبو أن يوفر سمات الحمض النووي اللازمة لإعادة زراعة المحاصيل، مهما كانت التحديات التي سيواجهها العالم أو منطقة معينة في المستقبل.
وليس هذا المخزن قرب بلدة لونجييربين هو الوحيد من نوعه الذي يتم تخزين البذور فيه، فهناك ما يصل إلى 1700 نسخة، تسمى بنوك الجينات، منتشرة في جميع أنحاء العالم، مهمتها جمع البذور وحفظها ومشاركتها، لمواصلة البحث الزراعي وتطوير أصناف جديدة.
مثل نبات الأرز الذي يمكن أن يتحمل درجات حرارة طقس أعلى، أو لإيجاد مقاومة لآفة أو مرض جديد.
تم افتتاح “قبو يوم القيامة” في سفالبارد عام 2008، كوحدة تخزين احتياطية لجمع مئات الآلاف من الأصناف، وبدأ المشروع بعد أن تم التوقيع على معاهدة البذور الدولية التابعة للأمم المتحدة في عام 2001.
ويمكن لأي منظمة أو دولة إرسال البذور لقبو يوم القيامة، فلا توجد قيود بسبب السياسة، أو المتطلبات الدبلوماسية، توجد صناديق خشبية حمراء من كوريا الشمالية بجانب الصناديق السوداء من الولايات المتحدة.
وفي الممر التالي توجد صناديق بذور من أوكرانيا فوق بذور من روسيا. يقول المهندس المسؤول عن المشروع: “البذور لا تهتم بوجود بذور كورية شمالية وبذور كورية جنوبية في نفس الممر”، “إنها باردة وآمنة هناك، وهذا كل ما يهم حقاً”.