حرية – (27/9/2023)
كانت بعض قبائل القارة السمراء ترفض الزواج المختلط حفاظاً على الأصل
خلال القرون الماضية كانت شدة بياض البشرة دليلاً على صفاء العرق ونقاء الأصل في بعض المجتمعات الأوربية المتعصبة لعرقها، واليوم لا يزال هذا المبدأ متبعاً في بعض الثقافات الأفريقية، لكن على النقيض تماماً حيث تعتبر شدة سواد البشرة دليلاً على نقاء العرق الأسود من أي اختلاط خلال الهجرات وفترة غزو الغرب للقارة الأفريقية.
وتفاخر بعض المجتمعات المحلية في أفريقيا بأصولها العرقية وبنقاء أصلها وعدم اختلاطها بالأجناس الأخرى التي توغلت إلى داخل أفريقيا خلال فترات متفاوت من التاريخ، وتتباهى تلك المجتمعات ببشرتها شديدة السواد ونجاحها في الحفاظ على نقاء أصلها على رغم السياسات الاستعمارية التي أنهكت أفريقيا واستعبدت أهلها.
يتفاخرون بسواد البشرة
وأثبتت الأبحاث التاريخية أنه ومنذ عقود عدة كان الأفارقة يتباهون بالبشرة شديدة السواد، إذ إنهم يختارون زعيمهم من بين الأكثر سواداً وحكمة ومعرفة، بل إن بعض القبائل الأفريقية اتخذت من وجود حكام شديدي سواد البشرة على رأس القبيلة حجة لاستعمار أرض غيرهم وسلبهم حقوقهم بل وإبادتهم.
وكانت القبائل الأفريقية ترفض حتى وقت قريب الزواج المختلط حفاظاً على نقاء الأصل كما يعتقدون، وعلى رغم ارتفاع معدل الولادات عند الأفارقة والتعداد السكاني المرتفع، فقد كانوا يرفضون الاختلاط ويعيشون منعزلين حتى يظلوا “أنقياء العرق”، فيما تعرضت القبائل التي تستوطن المناطق الحدودية وليس لها جيش يدافع عنها إلى الاختلاط بغيرها، إذ جلب لها الزواج المختلط دماء جديدة أثرت في لون بشرة الأجيال اللاحقة.
وتقول الباحثة السنغالية عائشة كمرا إن “سواد البشرة الذي عرفت به القارة الافريقية وسميت به دليل على عراقة الأصول الأفريقية التي لم تتأثر بالعرق الآخر”، وتضيف أن “القبائل الأفريقية التي كانت تخشى على موطنها واستقرارها وسلامة السكان، منحت الأفضل في الحكم والجاه والقيادة لمن يكون عرقه أفريقياً خالصاً، حرصاً منها على ولائه التام للقبيلة”.
وتشير كمرا إلى أن “الدفاع عن العرق الأفريقي لم يتخذ شكلاً عنصرياً في مناطق أفريقية عدة، بل كان طريقة للحفاظ على عراقة الأصل وضمان عدم دخول الأجانب، في فترة كانت فيها القبائل الأفريقية تتعرض إلى الإبادة الجماعية بسبب عدم الاستقرار والتدخلات الأجنبية”.
كما أدت الهجرات ورحلات البحث عن الماء والكلأ إلى نزوح الشعوب أصيلة المناطق التي لم تتعرض للاختلاط إلى مناطق أخرى، حيث اختلطت بقبائل أفريقية تعرضت للغزو والزواج المختلط نتيجة الظروف الاجتماعية القاسية.
وفي هذا الصدد تشير الباحثة السنغالية خلال حديثها إلى “اندبندنت عربية” إلى أن “الفلاحين في المناطق الجنوبية من أفريقيا حافظوا على تقاليد أجدادهم بمنع الاختلاط على رغم أنهم تعرضوا لعقود من المعاناة والاضطهاد المروع، وقد ظهر ذلك في أشعارهم ورقصاتهم وتراثهم بشكل عام”.
وكان سكان أفريقيا حتى نهاية العصور الوسطى يطلق عليهم اسم “الإثيوبيين” وينظر إليهم جميعاً على أنهم ذوو بشرة سوداء، وفي القرن الـ 19 منحت الشعوب الأوروبية خصائص جسدية وأخلاقية للأفارقة فقررت استغلالهم في الأعمال الشاقة، وهنا جاءت فكرة الاستعباد وبدأت تجارة الرقيق من أفريقيا إلى أوروبا وأميركا.
وقال الباحث في علم الاجتماع سيدي محمد بن أحمد إن “كثيرين يعتقدون أن الخصائص الفطرية الموروثة بيولوجياً تحدد السلوك البشري، وأن بعض الأعراق تملك سمات جسدية وعقلية متفوقة عن الأعراق الأخرى”.
وأشار إلى أن “هذه الدراسات القديمة تؤكد أن الميزات الموروثة بيولوجياً هي التي تحدد سلوك الإنسان في أجزاء كثيرة من العالم”، وأضاف بن أحمد أن “الموروث الشفهي المتناقل بين الأجيال باللغات الأفريقية على مدى قرون يذكر كيف حافظ الأفارقة على أصلهم بالابتعاد من كل مجهول وغريب، والبقاء في الغابات الكثيفة والجبال الوعرة”.
ولفت الباحث في علم الاجتماع إلى أن “هناك عدداً لا يحصى من النسخ والترجمات للحكايات والأساطير والأمثال الأفريقية التي جمعها المبشرون وعلماء الاجتماع والاداريون والرحالة الذين أقاموا في أفريقيا منذ القرن الـ 19، وكلها تؤكد أن الأدب الشفهي الأفريقي أو ما يسمى بأدب الزنوج حاول الحفاظ على الأفارقة بأصولهم الحقيقية وميزاتهم الفكرية وصفاتهم الأخلاقية وأدبهم، بعيداً مما حاول الغرب فرضه من نظريات حولهم”.
خديجة الطيب