حرية – (28/9/2022)
في وسط مدينة لاباز في بوليفيا، يوجد مبنى كبير في داخله ساحة كبيرة، تحيطها غرف كثيرة، وفي الباحة يتجول عدد من النساء مع أطفالهن، مع عربات بيع الطعام، وما يشبه سوقاً صغيرة، ولكن خلف هذا المنظر الذي يبدو طبيعياً حقيقة مظلمة.
فهذا ليس مجمعاً سكنياً، إنما واحد من أغرب السجون في العالم، “سجن سان بيدرو”
حيث يوجد أكثر من 2000 سجين أغلبهم مدانون بتهم تتعلق بالمخدرات، أما الشرطة فتتواجد خارج أسوار السجن فقط، تاركين للسجناء في الداخل إدارة شؤونهم بأنفسهم.
كيف أصبح سجن سان بيدرو مدينة مستقلة؟
السعة الاستيعابية الحقيقي لهذا السجن كانت 600 شخص، لكن بسبب الحرب على المخدرات في بوليفيا، أصبح السجن مكتظاً بأكثر من 2000 سجين.
وبسبب كون بوليفيا واحدة من أفقر الدول في أمريكا الجنوبية، وتشتهر حكومتها وشرطتها بالفساد، فأثرت هذه الظروف على السجون، خاصة فيما يتعلق بالغذاء وصيانة السجن، فقرر السجناء أخذ زمام الأمور بأنفسهم، والعمل بنظام إداري واقتصادي مستقل، ووضع قواعد ونظام عقوبات خاص بهم.
لكن ذلك النظام الداخلي والاقتصادي بعيد كل البعد عن المثالية، في داخل السجن يتم إنتاج الكوكايين على نطاق واسع، والمتاجرة به داخل وخارج السجن، وتهريب البضائع يومياً من خلال عوائل السجناء، الذين يسمح لهم بالدخول للسجن والخروج كما يشاءون، والذين منهم أطفال قصر، وبالإضافة لذلك، هناك نظام بيع ومقايضة وأسواق صغيرة.
كما يسمح الحراس للسياح بالدخول لقضاء وقت داخل السجن بل المبيت داخله والمشاركة في “حفلات الكوكايين”، مقابل حصة من الأرباح، وكانت صحفية محلية اكتشفت الأمر صدفة، حين كانت تعد تقريراً عن سياسي فاسد محتجز داخل السجن.
وبعض النساء تعيش بشكل دائم داخل السجن مع أزواجهن، لأنهن لا يستطعن تحمل نفقات إعالة أنفسهن بمفردهن، ويحضر الكثير منهن أطفالهن معهن.
تدعي الحكومة البوليفية أن هذه سياسة تقدمية، حيث لا يفقد النزلاء الاتصال بالمجتمع أو الأسرة، وإن الاضطرار إلى العمل لإعالتهم ومراقبة سلوكهم أمام عوائلهم، يساعد في إعادة التأهيل، مما يجعلهم أقل عرضة للسلوك الإجرامي لاحقاً.
وتعرض الكثير من أولئك النسوة والأطفال لسوء المعاملة، وسجلت حالات اغتصاب عديدة، وحدث أن قُتل طفل داخل السجن، فقرر السجناء ضرب الجاني حتى الموت.
الزنازين للبيع داخل سجن سان بيدرو
في داخل سجن سان بيدرو، تنقسم الزنازين بحسب “مميزاتها”، وتختلف أقسام السجن بحسب إمكانية السجناء المادية، وليس بحسب التهمة أو فترة محكوميته، فهناك الأقسام الخطرة المكتظة بمدمني المخدرات، الذين يتشاركون كل 5 أو 6 أشخاص في زنزانة معدة في الأصل لاستقبال شخص واحد فقط.
وعلى السجناء الجدد شراء زنازينهم الخاصة، والتي يتم منحهم مفتاحها، ويتم التفاوض على سعر الزنزانة بالدولار الأمريكي مع نزيل مغادر، وتختلف الأسعار حسب الحجم والجودة والموقع، فالزنازين في الأقسام “الفقيرة” تكلف حوالي 500 دولار.
هناك الزنازين “الراقية من السجن، والتي تكون محاطة ببوابات خاصة يحرسها سجناء آخرون، ويقطن تلك الزنازين، رجال أعمال فاسدون أو سياسيون أو تجار مخدرات يستمتعون بالرفاهية مثل أجهزة التلفاز أو الإنترنت أو حتى الجاكوزي”.
يعيش المساجين الأثرياء في غرف فسيحة مفروشة بالسجاد والأثاث، مع حمامات داخلية وإطلالات على المدينة، تشبه الشقق الفاخرة، ويمكن أن تصل أسعارها إلى 30 ألف دولار أمريكي.
ويمكن للسجناء الأثرياء تجديد الزنزانة أو بناء واحدة جديدة، كما فعل أحد مهربي المخدرات الأكثر شهرة في بوليفيا، المعروف باسم “اللحية الحمراء” الذي لم يكن سعيداً بحجم زنزانته، لذلك بنى طابقاً ثانياً، كما قام بتركيب تلفزيون الكابل.
سجناء سجن سان بيدرو يرفضون إغلاقه
في عام 2013 قررت السلطات البوليفية إغلاق السجن، ونقل السجناء إلى سجون متفرقة، بعد أنباء عن حمل فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً داخل السجن، بعد أن اغتصبها والدها وسجناء آخرون مراراً وتكراراً.
لكن السجناء داخل “سان بيدرو” رفضوا قرار الإغلاق، واشتعلت الاحتجاجات داخل السجن، وأنكروا وجود حالة الاغتصاب.فعدلت الحكومة عن قرارها. ولغاية اليوم لا يزال سجن سان بيدرو مفتوحاً، ولا يزال الكوكايين متاحاً.
ولكن منعت السلطات دخول السياح إلى داخل السجن، لكن الجولات السياحية خارج السجن لا تزال مستمرة، كجزء من البرامج السياحية في بوليفيا، ومن وقت لآخر، يتمكن عدد قليل من السياح من تجاوز الحراس الفاسدين وقضاء بضع ساعات، أو حتى ليلة، في الداخل.