حرية – (8/10/2022)
يتعرف بعض الأطفال والشباب العرب، الذين يكبرون في أوروبا، على تاريخهم وماضي بلادهم استنادًا لوجهة نظر المراجع الأوروبية.
ويتلقّى هؤلاء تاريخ بلادهم وحضارتهم من المدرسة أو المجتمع والنشاطات الاجتماعية في بلد الاغتراب الأجنبي، ما يخلق شرخًا ثقافيًا بين الطفل العربي وتاريخ وقناعات بلده الأم.
أكره العرب والمسلمين!
وقال باتريك معمّر (27 عامًا) وهو لبناني يعيش في النمسا: “منذ أن كنت طفلًا كنت أسمع أبي وأمي يتحدثان عن العرب وعن الثورات العربية ويحاولان إقناعي أنا وأخوتي بعراقة العرب وأخوّتهم القبلية”.
وأضاف: “عندما كبرت وبدأت أقرأ عن تاريخ العرب وصراعاتهم، لم أجد سوى الخيانات والخيبات، لأنني قرأتها من مراجع متنوعة، منها الأوروبي والأمريكي والعربي، أما قراءتها من مراجع عربية فقط، فهو ضرب من السذاجة، لأنها مليئة بالأكاذيب”.
يصطدم باتريك الذي يدرس علم الاجتماع مع أهله وأقاربه في كل جلسة تدور فيها أحاديث سياسية أو أخبار عن الوطن، ولا يجد في نفسه القوة لمحاباتهم.
وقال الشاب الذي يعمل بائعًا في مكتبة: “لا أجد نفعًا في مداراتهم، فذلك يساهم في ترسيخ قناعاتهم الخاطئة، إضافة لأنهم يستفزونني في نزعتهم للدفاع عن العرب والمسلمين، لذلك أنتفض في وجههم محاولًا إيقاظهم من أوهامهم”.
لم يشعر معمّر يومًا أنه منتمٍ لبيئته وماضيه وتاريخه، لا بل يحاول جاهدًا نسف هذه القناعات من عقول عائلته وأصدقائه.
وأردف: “حزين جدًا لما أصاب بلدي لبنان، لكنني في الوقت ذاته سعيد لأن هذا المصاب قام بتعرية من يحكمون هذا البلد، وأظهر لكل مؤيديهم فداحة قذارتهم”.
وأضاف: “ما جرى في لبنان والمنطقة العربية، أظهر لكل أصدقائي حقيقة ما أنادي به من أفكار منذ سنوات، وفي كل جلسة أكرر لهم ذات العبارة التي تقول -أينما وجد العرب وجد الخراب-“.
مع إسرائيل وصديقي اليهودي
تساهم تفضيلات الأطفال وميولهم نحو أشخاص معينين وأشياء معينة في تكوين قناعاتهم، إضافة لما يقوم الأهل في ترسيخه داخلهم، وبالتالي يكبر الطفل على حب الرياضة إذا صادق رياضيًا، ويكره الموسيقى إذا بغض موسيقيًا.
زار ماجد (13 عامًا) صديقه اليهودي بعد المدرسة وتناول في منزله وجبة الغداء، ثم عاد إلى المنزل ليجد والده يشاهد أحداث غزة الأخيرة ويشتم “إسرائيل”.
وقال أبو ماجد (51 عامًا) وهو سوري مقيم في فرنسا منذ 20 عامًا: “لم أمانع بداية أن يكون موشيه اليهودي صديق ابني ماجد المقرّب لثقتي في المدرسة ونظام التربية والإرشاد في فرنسا، لكن بعد فترة شعرت بتعاطفه الكبير مع إسرائيل والصهيونية”.
ينظر ماجد إلى أبيه بازدراء عندما يراه يشتم إسرائيل ولا يؤيده عندما يصنف ما يجري بحق الفلسطينيين بالإرهاب.
وأضاف أبو ماجد: “يسألني ماجد دومًا عن القضية الفلسطينية وأحاول أن أشرح له ما يجري، محاولًا جعله يفصل بين حبه لصديقه ووقوفه مع الحق”.
لا يعلم الوالد إذا كان سينجح في مهمته، معترفًا بصعوبتها أمام حب ماجد لصديقه وقضائه وقتًا طويلًا في منزل العائلة اليهودية.
وأضاف: “لن أمنعه من رؤية صديقه أو الذهاب إلى منزله مهما كلف الأمر، لأن هذا الإجراء سيؤدي إلى نتيجة عكسية، لذلك سيكون قدري التعايش مع هذا الشرخ ومحاولة حماية ابني من آثاره”.
وأردف: “رغم أننا بعيدون كل البعد عن العودة إلى سورية والعيش فيها، لكنني أحيانًا أخشى من أفكار طفلي أمام الأقارب والعرب الأصدقاء هنا، فمسألة فلسطين بالنسبة لنا لا تقبل الرأي الآخر”.