حرية – (10/10/2022)
يبدو أن الزواج لم يعد يجذب كثيراً الشباب ذكوراً وإناثاً لأسباب اجتماعية واقتصادية ونفسية وقيمية أيضاً، حيث إن معدل سن الزواج الأول للنساء المغربيات ارتفع إلى 25.5 سنة، بينما بلغ لدى الرجال 31.9 سنة.
وكان معدل الزواج في الستينيات من القرن الماضي يصل إلى 17 سنة بالنسبة إلى الفتاة، و24 سنة بالنسبة إلى الرجل، وفق أرقام المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية تعنى بالإحصاء).
ووفق المصدر ذاته، يفاقم عدم زواج النساء المطلقات أو زواجهن في عمر 25 سنة، من احتمال ترملهن في سن الستين، حيث إن نسبة الترمل عند النساء تصل 50.1 في المئة، و4.9 في المئة فقط عند الرجال.
وتسير أرقام المرصد الوطني للتنمية البشرية في السياق نفسه، إذ إن نسبة الشباب العازفين عن الزواج تبلغ 70 في المئة، وهو ارتفاع ملحوظ مقارنة مع نسبة 40 في المئة قبل ثماني سنوات خلت.
الزواج مسؤولية
يعيش عديد من على وقع حياة “العزوبية” ويفضلون عدم ولوج “القفص الذهبي” في سن مبكرة، حيث يتأخر السن الأول للزواج عند ملايين الشباب.
وفي هذا الصدد تقول سميرة (29 سنة) تعمل في أحد مراكز الاتصالات الهاتفية الخاصة بالرباط، إنها لم تتزوج إلى حدود هذا العمر لأنها بكل بساطة لم تجد شاباً يستطيع تحمل مسؤولية إنشاء عش الزوجية”، وفق تعبيرها.
وتضيف لـ”اندبندنت عربية” أن “الزواج يعد ميثاقاً غليظاً يتطلب رجلاً يعرف معنى تأسيس أسرة وتبعاتها المادية والاجتماعية والنفسية”، لافتة إلى أن “عديداً من شباب اليوم يريدون فقط التسلية، وحتى إذا قرروا الزواج فإنهم لا يتحملون أعباءه”.
من جهتها، تورد سلمى قلاش، طالبة جامعية، أنها لن تتزوج إلا بعد أن تنهي دراستها العليا وتحصل على شهادة الدكتوراه، ثم تبني مسارها المهني كأولوية، مضيفة أن “الزواج متاح ولن يهرب إلى أي مكان”.
وترى في تصريح لـ”اندبندنت عربية” أن “المسار الدراسي يؤخر عديداً من الفتيات عن الزواج، كما الانشغال بالمسار المهني، وهو ما يجعل الفتاة لا تتزوج أحياناً إلا في عقدها الثالث”، مبرزة أن “الشاب المغربي بات يبحث عن الفتاة “الموظفة والعاملة، وليس عن الفتاة صغيرة السن”.
البطالة تؤخر الزواج
في الجانب الآخر يقول سعيد بلعمان، شاب حاصل على الإجازة الجامعية في شعبة الاجتماعيات وعاطل من العمل، إنه من المنطقي أن لا يتزوج الشاب إلا في سن الثلاثين وربما أكثر لأنه يوجد بين حالتين، إما عاطل من العمل، أو باحث عن بناء ذاته قبل الانخراط في مغامرة الزواج.
ويشرح سعيد، لـ”اندبندنت عربية”، “مثلاً عاطل من العمل على الرغم من محاولاته البحث عن وظيفة محترمة، الشيء الذي يؤخره عن الاقتران بأية فتاة، لأن الزواج في مثل حالته ظلم لشريكة حياته حتى لو وافقت عليه كما هو”.
وتفيد الأرقام الرسمية بأن معدل البطالة في المغرب ارتفع من 11.9 في المئة إلى 12.3 في المئة ما بين سنتي 2020 و2021، وارتفع هذا المعدل بـ0.6 نقطة لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، وبـ1.1 نقطة بالنسبة إلى الأشخاص ما بين 25 و34 سنة.
ويخشى عديد من الشباب المغربي الدخول في “القفص الذهبي” لما يعنيه ذلك بالنسبة إليهم من “تقييد لحرياتهم وعلاقاتهم الشخصية مع الجنس الآخر، كما أن بعضهم يتأثرون بما يسمعونه وما يرونه من قصص فاشلة للزواج.
ويسجل المغرب معدلات لافتة في الطلاق، حيث كشف وزير العدل عبد اللطيف وهبي في تصريحات حديثة بأن محاكم المملكة عرفت في سنة 2021 أكثر من 27 ألف حالة طلاق، بينما بلغ عدد الحالات في سنة 2020 أكثر من 20 ألف حالة.
أولويات الوجود الاجتماعي
يعلق أستاذ علم الاجتماع بجامعة “أغادير” زهير البحيري على هذا الموضوع بأن تأخر الزواج عند يشكل مظهراً من مظاهر التغيرات الاجتماعية والقيمية التي يعيشها المجتمع، التي اتخذت من خلالها الظاهرة منحى تصاعدياً في العقود الأخيرة.
وأضاف البحيري، لـ”اندبندنت عربية”، بأنه يمكن تفسير تأخر الزواج الأول عند الجنسين برغبتهم في مواصلة التعلم والدراسة ما بعد سن 18، وهو سبب أساس يدفع هؤلاء الشباب إلى البحث عن السبل التي تحسن تموقعهم الاجتماعي عبر الحصول على شهادات عليا، والبحث بعد ذلك عن وظيفة”.
وأوضح أن الحصول على وظيفة يدفع كثيراً من هؤلاء الشباب إلى تغيير أولويات الوجود الاجتماعي، أولاً عبر ضمان الاستقرار المهني، وثانياً من خلال تخصيص السنوات الأولى لمساعدة الأسر، أو عيش الحرية الاجتماعية بالشكل الذي تسمه “الحياة المعولمة”، من خلال السفر مع الأصدقاء واكتشاف معالم جديدة.
وأشار البحيري إلى أن “هذه الظاهرة ترتبط بأسباب وعوامل موضوعية أخرى، تكمن في ارتفاع معدلات البطالة والهشاشة التي يعانيها الشباب، حيث يبلغ معدل البطالة لسنة 2021 بالنسبة إلى الأفراد المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة 31.8 في المئة، و19.6 في المئة للأشخاص ما بين السن 25 و34 سنة”.
ولفت إلى أن “ارتفاع تكاليف العيش ومعدلات التضخم هي عوامل ترجح تأخير معدل الزواج الأول عند الشباب ، لا سيما مع الصعوبات الكبرى التي يواجهونها في الحصول على سكن خاص بهم”، مبرزاً أن “هذا الأمر يعد مسألة أساسية في تحديد سن الزواج الأول، خصوصاً أن الشباب يميلون أكثر للعيش في استقلالية وحرية أكبر”.
العلاقات “الرضائية”
وأشار زهير البحيري إلى عامل آخر يشكل سبباً عميقاً في تأخر سن الزواج الأول عند رجالاً ونساءً، ويتمثل في الانتشار المتزايد للعلاقات الجنسية “الرضائية” (أي التي تتم برضا الطرفين) في المجتمع المغربي.
واعتبر المحلل أن “سيادة الواقع الافتراضي وتعاظم وسائط التواصل الاجتماعي تجعل من الشباب ذكوراً وإناثاً يؤسسون لعلاقات اجتماعية ويعيشون عالماً اجتماعياً خاصاً بهم بعيداً مما هو مشترك تضبطه مختلف المؤسسات الاجتماعية”.
وذهب البحيري إلى أن “تأثير الحالات السلبية للزواج وارتفاع معدلات الطلاق يعد بدوره عاملاً مهماً يدفع كثيراً من الشباب إلى تأخير سن الزواج، الذي تزداد صعوبة اتخاذ قراره كلما تقدم الإنسان في السن”.
وأكمل المتحدث أن “الزواج الآن لم يعد بمرجعية دينية بالنسبة لكثير من الأفراد، بقدر ما أضحى فعلاً عقلانياً الغاية منه تأسيس مؤسسة للتعاون والتغلب على الصعوبات المختلفة التي تطرحها الحياة المعاصرة، خصوصاً في المدن والمجالات الحضرية الكبرى”.